التحديث الاخير بتاريخ|الأربعاء, ديسمبر 25, 2024

التدخل الأمريكي في ليبيا: سعيٌ لمصالح غربية تُعمِّق الشرخ الداخلي 

شكَّل إعلان وزارة الدفاع الأمريكية شنَّها ضربات جوية ضد معاقل تنظيم داعش الإرهابي، مسألةً توقف عندها المحللون، وذلك للإجابة على سؤالٍ جوهري، يتعلق بالإستراتيجية الأمريكية تجاه ليبيا. خصوصاً بعد أن تراجع الإهتمام الأمريكي بالشأن الليبي منذ حادثة مقتل السفير الأمريكي في ليبيا عام 2012. فيما اعترف حينها أوباما بفشل السياسة الأمريكية في ليبيا بعد سقوط نظام القذافي. فماذا في التحوُّل الأمريكي تجاه الشأن الليبي؟ وكيف يمكن تحليل ذلك؟ وكيف يؤدي تدخل الغرب لزيادة الشرخ الداخلي في ليبيا؟

إعلان قصف تنظيم داعش الإرهابي

أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أنها نفذت ضربات جوية محددة ضد أهداف لتنظيم داعش الإرهابي، في مدينة سرت الليبية بناءاً على طلب من حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، وهو ما أكدته الأخيرة في وقت سابق. وأشار المتحدث بإسم الوزارة “بيتر كوك” في بيانٍ له، بأن واشنطن نفذت الضربات في محاولة لدعم القوات التابعة لحكومة الوفاق الساعية لهزيمة التنظيم في معقله الرئيسي في البلاد بحسب تعبيره.

من جهتها، اعتبرت صحيفة “واشنطن بوست” في تقريرٍ نشرته أمس، بأن الضربات الأمريكية في ليبيا تعتبر نقطة حاسمة لصالح المعارك العسكرية لإستعادة مدينة سرت. وهي عبارة عن فصل جديد في الحملة الأمريكية الممتدة ضد التنظيم في المنطقة، حيث كان يقتصر العمل الأمريكي في ليبيا سابقاً، على ضربات جوية محدودة ضد مواقع التنظيم، كان آخرها ضد مركز للتدريب في مدينة صبراتة.

عودة في الذاكرة: ليبيا وآخر منعطف الأمريكي

خرج البعض من الخبراء ليتحدث عن إعتزالٍ سياسي للشأن الليبي من قبل أمريكا، وذلك بعد حادثة الهجوم الشهيرة على قنصلية أمريكا في بنغازي بتاريخ 11 أيلول 2012 والتي أسفرت عن مقتل السفير الأمريكي في ليبيا “جون كرستوفير ستيفنز” وأربعة أمريكيين آخرين. فيما أعلن حينها تنظيم أنصار الشريعة القريب من القاعدة، المسؤولية عن العملية، رداً على بث فيلم مُسيء للرسول الأكرم.

منذ ذلك الوقت، عزَّز الهجوم، نظرة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، في تجنب أي تدخل عسكري مباشر في المنطقة. في وقت لا تزال فيه تفاصيل الحادث، تلاحق المرشحة الديمقراطية الحالية هيلاري كلينتون، والتي كانت وزيرة للخارجية آنذاك، على الرغم من رفع المسؤولية عنها رسمياً.

دلالات التدخل الأمريكي اليوم

إن السؤال الأبرز يكمن في أهداف ودلالات التدخل الأمريكي. وهو ما سنشير له بالتالي:

أولاً: إن الجغرافيا السياسية لليبيا، تعتبر ذات أهمية بالنسبة لأوروبا. وهو ما يجعل الخطر الإرهابي على الأراضي الليبية، خطراً يُهدِّد أيضاً الأمن القومي الأوروبي. لذلك فإن رفع هذا الخطر، هو أساس التدخل الغربي في ليبيا، وحجة الطرف الأمريكي بالمحصلة.

ثانياً: بالإضافة الى ذلك، فإن هذا التدخل، وبحسب ارتفاع وتيرته المستقبلية، فإنه يُعزِّز الحضور الأمريكي في ليبيا، وبالتالي نفوذ واشنطن في أفريقيا. مما يخدم المصالح الأمريكية الإسرائيلية، الساعية لفرض هيمنة على القارة التي تمتلك الكثير من الموارد.

ثالثاً: إن قدرة واشنطن على تحقيق أهداف ميدانية، سيُعزِّز من حاجة الليبيين لها، بحسب ما تسعى أمريكا، في ظل إنقسامٍ ليبي بين مؤيدٍ ومعارض. وهو ما قد يعوِّض عن الخسارات التي لحقت بالنفوذ الأمريكي في سوريا والعراق.

رابعاً: لا شك أن مسألة الإنتخابات الأمريكية، ومحاولة رفع أسهم الحزب الديمقراطي، هي من ضمن الأهداف التي تكمن وراء هذه الحملة، حيث يحاول أوباما استخدام السياسة الخارجية، لتحقيق أهداف تتعلق بالإنتخابات الرئاسية الأمريكية الداخلية.

التدخل الغربي وأثره على الداخل الليبي: محاولة لجر البلاد نحو الفتنة

يبدو واضحاً حجم الإنقسام الليبي حول مسألة التدخل الغربي. في حين لا تُعير الدول الغربية لا سيما واشنطن وباريس، أي أهمية لكيفية التدخل، حيث من الممكن أن تؤدي سياسات كل من فرنسا وأمريكا، لإحداث فتنة في الداخل الليبي، وحالة من الإنقسام، لا سيما في ظل شرخ سياسي تعيشه البلاد. وهو ما يمكن الإستدلال عليه بالتالي:

– بعد الضربات الأمريكية، أعلن رئيس البرلمان الليبي في طبرق، عقيلة صالح رفض ما اعتبره التدخل الأجنبي. فيما أعلنت حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، تحقيق تقدم عسكري لقواتها على الأرض، بالتزامن مع الضربات الجوية التي نفذتها واشنطن.

– أثار إعلان السلطات الفرنسية عن تواجد عسكري لها في شرق ليبيا، موجة من الإحتجاجات، في العاصمة الليبية، ومدن الغرب الخاضعة لسلطة حكومة الوفاق. حيث يرى المقربون من الحكومة، أن الدور الأمريكي، أقل إشكالية من الدور الفرنسي. لجهة أن واشنطن تقصف أهداف محددة، ولا تنخرط بالحرب في بنغازي كما تفعل القوات الفرنسية.

– تقوم فرنسا، بدعم الجنرال خليفة حفتر، والذي هو على خلاف كبير مع حكومة الوفاق، التي يعتبرها البعض شرعية. مما يُسبب سخط الموالين لها.

– على الرغم من ذلك، شكَّلت التصريحات التي أطلقتها كلٌ من فرنسا وإيطالياً مؤخراً، حول دعمهم الضربات الجوية الأمريكية، حالة من السخط داخل مجلس النواب الليبي، خصوصاً من قبل أنصار حفتر، الذين يعتبرون هذه التصريحات، إزدواجية في المعايير لدى الغرب.

تعيش ليبيا كما المنطقة، مرحلةً من خلط الأوراق السياسية والعسكرية. لكن الواقع الليبي، شكَّل في الفترة السابقة منعطفاً للسياسة الغربية تجاه المنطقة وأفريقيا. حيث أن الغرب الذي ساهم في دعم إسقاط نظام القذافي، هو نفسه اعترف بالفشل في ليبيا. فيما دفع الليبيون ثمن ذلك، وما يزالون، من خلال وضعٍ إقتصادي داخليٍ سيئ، لا يقل بسوئه عن وضع البلاد السياسي. وهو الأمر الذي يستوجب وعي الداخل الليبي للمخططات الغربية. في وقت، يبدو أن الإنقسام الداخلي، يتخطى المحلي ليطال الخارج، حيث ينقسم الليبيون بين مؤيدٍ للتدخل ومعارض، مع وجود إختلافٍ حول الرأي فيما يتعلق بالطرف والكيفية.

كلُّ ذلك، في ظل سياسةٍ يعتمدها الغرب، لتحقيق مصالحه، وهي لن تأخذ بالإعتبار مصالح ليبيا حتماً. لنصل الى نتيجةٍ مفادها، بأن التدخل الأمريكي في ليبيا، والتحول في نظرة واشنطن للشأن الليبي، هو ليس إلا سعيٌ لمصالح غربية تُعمِّق الشرخ الداخلي.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق