التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

لماذا لايحل لغز الأمن في الشرق الأوسط؟ 

منذ ظهور الحكومات الرسمية في الشرق الأوسط، كانت هذه المنطقة بؤرة للنزاعات والتوترات المستمرة والطويلة الأمد، وشهدت أكثر من 40 صراعاً مسلحاً بين عامي 1962 و1995، كما أبتليت بأكبر تحدٍ تواجهه البشرية في الوقت الحاضر المتمثل بظاهرة الإرهاب.

وعُرف الشرق الأوسط منذ القدم بأنه موطن الأزمات، بل يمكن القول بأن هذه المنطقة إقترن ذكرها على الدوام بالأزمات بسبب تكالب القوى الكبرى لاسيّما الغربية وفي مقدمتها أمريكا على ثرواتها من جهة، والخلافات القومية والمذهبية والعرقية بين مكوناتها من جهة أخرى.

كما إكتسب الشرق الأوسط أهمية بالغة بسبب موقعه الإستراتيجي باعتباره يمثل نقطة إلتقاء شرق العالم بغربه وشماله بجنوبه، وإحتوائه على مصادر الطاقة بكميات هائلة لاسيّما النفط والغاز، ودوره الهام على جميع الأصعدة السياسية والأمنية والعسكرية إقليمياً ودولياً.

وبدلاً من أن تكون هذه العوامل عناصر قوة وثبات لدول وشعوب الشرق الأوسط برمتها، تحولت هذه العوامل إلى مكامن ووسائل بيد القوى الأجنبية لزعزعة الأمن والإستقرار في هذه المنطقة المهمة والحسّاسة من العالم.

ومع ظهور الجماعات الإرهابية والتكفيرية المتطرفة في الشرق الأوسط تضاعفت الأزمات الأمنية في هذه المنطقة وتعمقت الهوّة بين شعوبها وحكوماتها إلى درجة باتت جميع المسائل بما فيها العادية تكتسب طابعاً أمنياً وتتطلب إتخاذ إجراءات خاصة للحيلولة دون تحوّل هذه المسائل إلى أدوات يمكن أن تُستغل من قبل بعض الأطراف لتحقيق أهداف سياسية وإقتصادية على حساب أمن وإستقرار ومصالح دول وشعوب المنطقة.

وفي ظل هذه الظروف يبدو من المهم جداً تحديد الأخطار المستقبلية والفرص المتاحة لمواجهتها، خصوصاً في الدول التي لا تملك إستراتيجية واضحة و قدرة على إتخاذ القرارات المناسبة في هذا المجال.

والتساؤل المطروح: هل الصراع في الشرق الأوسط أمر حتمي أم يمكن تسويته والتغلب عليه عاجلاً أم آجلاً؟

الإجابة عن هذا التساؤل تحظى بأهمية بالغة، كونها ليست سهلة من جانب، ولا يمكن أن تكون هذه الإجابة قطعية وبديهية بـ “نعم” أو “لا” من جانب آخر.

فمن المتيقن إن الشرق الأوسط يمتلك مؤهلات كافية للتطور والإستقرار اذا ما أخذنا بنظر الإعتبار إمكاناته البشرية والمادية الهائلة وعمقه الحضاري على مر الزمن؛ إلاّ أنه في الوقت نفسه لا يمكن تجاهل الحقائق التاريخية التي تشير إلى أن هذه المنطقة ورغم هذه المؤهلات لم تشهد إستقراراً ولم تنعم بالأمن على مدى قرون من الزمن، والوقائع التاريخية المدونة تؤكد هذه الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أو التقليل من خطورتها بأيّ حال من الأحوال.

وفي الوقت الحاضر تشكل أزمة الجماعات الإرهابية وفي مقدمتها تنظيم “داعش” معضلة حقيقة لجميع دول الشرق الأوسط. فهذه الجماعات تمكنت خلال مدة زمنية قصيرة من إجتياح مناطق واسعة لاسيّما في العراق وسوريا، ولازالت تهدد الأمن والإستقرار الإقليمي والدولي. ولا تبدو في الأفق بودار تشير إلى أن القضاء على هذه الجماعات بشكل نهائي يمكن تحقيقه على المدى المنظور رغم الجهود المبذولة في هذا الإطار من قبل البلدان التي تتعرض لهذه الهجمة الشرسة والدول والأطراف الحليفة لها لاسيّما إيران وروسيا ومحور المقاومة خصوصاً حزب الله لبنان الذي يتصدى للمشروع الصهيوأمريكي الذي يهدف إلى تمزيق المنطقة ونهب ثرواتها والتحكم بمصير شعوبها خدمة للكيان الإسرائيلي وحماته الغربيين والإقليميين.

ونعتقد أن أسباب عدم إستتباب الأمن والإستقرار في الشرق الأوسط تعود إلى عدّة عوامل يمكن إجمالها على النحو التالي:

– عدم جديةّ وفعّالية الأنظمة والمؤسسات المعنية بحفظ الأمن في الشرق الأوسط. وهذه النقطة بالذات تتعلق بالهيكيلية الأمنية لهذه الأنظمة والمؤسسات وبرامجها والأهداف التي تسعى لتحقيقها على المديين القريب والبعيد. وبعبارة أخرى فشلت هذه الأنظمة والمؤسسات في إيجاد منظومة كفوءة قادرة على حفظ الأمن في هذه المنطقة المهمة والمحورية من العالم. ونخص هنا بالذكر اللجان الأمنية التابعة للجامعة العربية ومجلس التعاون التي وُجدت أصلاً منذ تأسيسها لحفظ أمن الأنظمة الحكومية المنضوية في هذه التحالفات وليس لحفظ أمن وإستقرار الشعوب.

ولم تستثمر دول المنطقة القوة الكامنة في عامل الوحدة الإسلامية للنهوض بالواقع الأمني في الشرق الأوسط بسبب التباين بين القراءات المتعددة لهذا الأمر من قبل الدول الإسلامية التي تتراوح بين ما يمكن أن نطلق عليه المنهج التقليدي للإسلام السياسي الذي تتبناه السعودية و الإسلام المدني الذي تتبناه تركيا والإسلام الثوري والمحافظ الذي تتبناه الجمهورية الإسلامية في إيران.

– تتميز دول الشرق الأوسط بوجود أنظمة يصعب تغيير متبنايتها الفكرية والسياسية مهما تطلب الأمر. وهذه الحقيقة ظهرت بشكل جلي أثناء وبعد الثورات الشعبية التي شهدها العالم العربي في السنوات الأخيرة والتي أطلق عليها إسم “الربيع العربي”، حيث أظهرت الأنظمة التي تمخضت عن هذه الثورات بأنها غير مستعدة لإجراء تغييرات أساسية في البنى التحتية للمؤسسات السياسية التي تدير البلد. كما أثبت الربيع العربي بأن الأنظمة التقليدية التي كانت تتحكم بالسلطة على مدى عقود من الزمن لن تتورع عن إتخاذ أيّ إجراءات صارمة وشديدة القسوة تجاه شعوبها في حال إنتفضت وطالبت بالتغيير والإصلاح السياسي حتى وإن أدى ذلك إلى إشعال المنطقة برمتها، وهذا هو ما حصل بالضبط، حيث تمدد العنف وإنتشرت الفوضى في الكثير من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نتيجة إصرار تلك الأنظمة على التمسك بالسلطة مهما كانت النتائج.

– التدخلات الأجنبية في شؤون العديد من دول المنطقة والتي بدأت منذ زمن بعيد، ما أدى إلى تخلخل النظام السياسي والأمني في هذه الدول التي لا زال الكثير منها يدفع ضريبة هذا التخلل، والذي أدى بدوره إلى زعزعة الأمن والإستقرار في عموم المنطقة. والأمثلة على ذلك كثيرة من أبرزها التدخل الأمريكي في شؤون العراق بعد غزوه عام 2003، وكذلك تدخلها السافر في شؤون سوريا منذ إندلاع الأزمة في هذا البلد عام 2011 ولحد الآن. وقد أدت هذه التدخلات إلى تعقيد الأوضاع في الشرق الأوسط بدلاً من حل أزماته، وهذا الأمر لا يختلف عليه إثنان مهما كانت وجهات النظر مختلفة إزاء مبررات هذا التدخل.

في الختام ينبغي التأكيد على أن وجود القوات الأجنبية في المنطقة ودعم الجماعات الإرهابية والتكفيرية من قبل قوىً دولية وإقليمية إلى جانب وجود الكيان الإسرائيلي الغاصب تعد من الأسباب الرئيسية لتأزم الأوضاع في الشرق الأوسط، ومن دون زوال هذه الأسباب لا يمكن تسوية هذه الأوضاع ولا يمكن أن تنعم شعوب ودول المنطقة بالأمن والإستقرار إلاّ بزوال هذه الأسباب.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق