التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, ديسمبر 27, 2024

الحشد الشعبي في العراق.. طبيعة علاقته بالحكومة والضرورات المستقبلية 

تشكل الحشد الشعبي في العراق واكتسب مشروعيته الحقيقية بشكل واضح بعد الفتوى الجهادية التي أطلقها المرجع الديني آية الله السيد علي السيستاني في أعقاب إحتلال تنظيم “داعش” الإرهابي لمناطق كثيرة في البلد في مقدمتها محافظة الموصل بتاريخ 10/6/2014.

وأكدت هذه الفتوى ضرورة قيام من يتمكن من حمل السلاح من الشعب بدعم الجيش العراقي وباقي القوات الأمنية للدفاع عن حياض البلد والمقدسات الإسلامية بوجه الهجمة الشرسة التي تشنها العصابات الإرهابية وفي مقدمتها تنظيم “داعش” ضد العراق وعموم المنطقة.

وبعد تسلم رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لمهام عمله في أيلول/ سبتمبر 2014 قررت الحكومة العراقية إعتبار الحشد الشعبي جزءاً من القوات المسلحة في البلد، كما أصدر العبادي مؤخراً قراراً يقضي بدمج الحشد في القوات المسلحة بشكل رسمي ما عزّز من مشروعية الحشد وضاعف من أهمية مكانته في الأوساط الشعبية والرسمية.

ورغم الإختلافات الطفيفة التي حصلت بين الحكومة العراقية وقيادة الحشد الشعبي في بداية تشكيل الحشد بشأن بعض القضايا، إلاّ أن هذه الإختلافات سرعان ما تلاشت بفضل التفاهم الكبير والوعي الدقيق للمرحلة الحساسة والخطرة التي يواجهها البلد في التصدي للهجمة الإرهابية التي تستهدف أمنه وإستقراره ووجوده.

وفيما يلي نتطرق إلى بعض هذه الخلافات بشكل مختصر وعلى النحو التالي:

الخلاف بشأن التواجد الأمريكي في العراق

برز الخلاف بين الحكومة العراقية وقيادة الحشد الشعبي إزاء تواجد القوات الأمريكية في البلد، بسبب التباين في وجهات النظر بين الجانبين حول هذا الموضوع والذي تم تسويته فيما بعد إلى حد كبير نتيجة الفهم المشترك لطبيعة وحسّاسية المرحلة التي يمر بها العراق في الوقت الحاضر والتي تتطلب توحيد الجهود وتعزيز التلاحم الوطني لإنقاذ البلد من المخاطر التي يواجهها لاسيّما خطر الجماعات الإرهابية وخصوصاً تنظيم “داعش”.

ويعتقد قادة الحشد الشعبي بأن التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا لمحاربة الإرهاب غير جاد في الإضطلاع بهذه المهمة، فيما إتهم العديد من هؤلاء القادة القوات الأمريكية ولمرات عدّة بدعم الجماعات الإرهابية بالسلاح والمعلومات لتنفيذ عمليات إجرامية ضد الشعب العراقي ومؤسساته المدنية والحكومية والتي راح ضحيتها عدد كبير من العراقيين بالإضافة إلى الخسائر الماديّة الجسيمة التي لحقت بالبنى التحتية للبلد في جميع المجالات.

وخلال العامين الماضيين نشرت قيادات الحشد الشعبي الكثير من الأدلة والوثائق والصور وأفلام الفيديو التي تفضح الدعم الأمريكي للجماعات الإرهابية ومن بينها إلقاء الطائرات الأمريكية لشحنات كبيرة من الأسلحة والعتاد والتعزيزات اللوجستية لمسلحي “داعش” في العديد من المناطق التي إحتلها هذا التنظيم الإرهابي خلال تلك الفترة قبل أن يتم إخراجه منها على يد الجيش العراقي والقوات التي تسانده وفي مقدمتها قوات الحشد الشعبي.

وقد أيدت الكثير من المؤسسات العسكرية ووسائل الإعلام الغربية والإقليمية صحة هذه الوثائق ومن بينها الموقع الإلكتروني لمركز الأبحاث الكندي “غلوبال ريسيرش”. ورغم تحفظ رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على بعض هذه الوثائق، إلاّ أنه أكد أكثر من مرة خلال تصريحاته ولقاءاته مع المسؤولين والشعب العراقي بأن التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا متلكئ وغير جاد في محاربة الإرهاب. كما أعرب العبادي مؤخراً عن رفضه لتواجد المئات من القوات الأمريكية على الأراضي العراقية بحجة محاربة الإرهاب، مؤكداً بأن العراق ليس بحاجة لقوات أجنبية لتحرير مدنه، ولديه عشرات الآلاف من المتطوعين للتصدي للجماعات الإرهابية، وقد أثبتت الإنتصارات الكثيرة والباهرة التي حققها الحشد الشعبي بأنه قادر على تحرير المناطق التي لازالت تحتلها الجماعات الإرهابية ومن بينها محافظة الموصل ثاني أهم مدينة في العراق بعد العاصمة بغداد.

– تمكن الحشد الشعبي من تنظيم صفوفه بسرعة وخاض معارك مصيرية ضد العصابات الإرهابية أسفرت عن تحرير مناطق واسعة في محافظات ديالى وصلاح الدين والأنبار وكركوك. وأثمرت هذه الإنتصارات أيضاً عن إكتساب الحشد الشعبي مهارات تكتيكية عالية نقلته من حالة الدفاع إلى القيام بعمليات واسعة لتطهير المدن والمناطق المحتلة من قبل “داعش” وفق إستراتيجية واضحة تنم عن وجود عقليات كبيرة وناضجة ووطنية إلى أبعد الحدود تقف وراء هذه الإنجازات العظيمة.

ورغم محاولات أمريكا لمنع الحشد الشعبي من المشاركة في بعض العمليات لاسيّما عمليات تحرير مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار تمكن الحشد من أداء دور فاعل في هذه العمليات من خلال دعم وإسناد قوات الجيش والشرطة الإتحادية وباقي القوات الأمنية لتجنب إحراج الحكومة العراقية التي أضطرت للتنسيق مع قوات التحالف الدولي للقيام بهذه العمليات دون إشراك الحشد بشكل مباشر لإسكات الأصوات التي كانت تزعم بأن هذه المشاركة قد تتسبب بردود أفعال طائفية من قبل بعض الأطراف المحسوبة على المكّون السني المشارك بالعملية السياسية في البلد.

وأثمرت الخطط التي إتبعتها قيادة الحشد الشعبي في المعارك ضد الجماعات الإرهابية عن إقناع جميع الأطراف بما فيها العشائر السنيّة بأن الحشد يمتلك قدرات كبيرة على تحرير المدن والمناطق المحتلة من قبل “داعش” ولابدّ من إشراكه في أيّ عملية تهدف إلى تحقيق هذا الهدف. وقد أثبتت عمليات تحرير مدينة الفلوجة التي جرت قبل بضع أسابيع هذه الحقيقة للقاصي والداني رغم المحاولات التي سعت من خلالها بعض الأطراف الإقليمية والدولية وفي مقدمتها السعودية للنيل من هذه الإنتصارات بحجج وذرائع واهية لا تستند إلى أيّ دليل سوى التهريج الإعلامي الذي فضح تدخل هذه الأطراف بالشأن العراقي، فضلاً عن دعمها للجماعات الإرهابية لقتل الشعب العراقي وزعزعة الأمن والإستقرار في البلد وفي عموم المنطقة.

هذه المعطيات وإلى جانبها المطالبات المتكررة من العشائر السنيّة بضرورة إشراك الحشد الشعبي في عمليات تحرير الموصل التي يجري الإستعداد لها على قدم وساق تثبت بالدليل القاطع بأن الحشد هو قوة وطنية ومخلصة في الدفاع عن البلد ولابدّ للحكومة العراقية من إستثمار هذه القوة في التخلص من الجماعات الإرهابية في كافة العمليات التي تعتزم القيام بها لطرد الإرهابيين وفي مقدمتها عملية تحرير الموصل.

ولابدّ من التنويه هنا إلى أن الحشد الشعبي يضم في صفوفه خيرة أبناء الشعب العراقي وفيه الكثير من الطاقات العلمية التي يمكن توظيفها من قبل الحكومة في المستقبل، أيّ بعد التخلص من الإرهابيين، لبناء الدولة العراقية في مختلف المجالات الإنسانية والثقافية والإقتصادية والخدمية والإجتماعية وعدم الإقتصار في النظرة على أن الحشد هو قوة عسكرية وجدت لغرض الدفاع عن البلد في ظل ظروف إستثنائية، لأن هذه النظرة القاصرة من شأنها أن تبعثر طاقات الحشد وتلغي جهوده الجبّارة التي يمكن أن تكون خير معين للحكومة العراقية للنهوض بالبلد في شتى الميادين.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق