من سوريا الى اليمن: قصة أمريكا وبيعها الحلفاء في بازار المصالح!
في ظل التغيُّر الحاصل في قواعد الميدان العسكري المؤثر في أزمات المنطقة، يبدو واضحاً تغيُّر مواقف الطرف الأمريكي الخاضع للقواعد الجديدة، والتي رسمتها نتائج أزمات المنطقة، والسياسة التنسيقية الروسية الإيرانية لاسيما في الحرب السورية، وكذلك العدوان على اليمن. فيما يبدو أوضح، حجم الخسارة التي لقيها حلفاء واشنطن الصغار في هذه الأزمات تحديداً، والذين يتصفون بأنهم صغار، كونهم أطرافاً وليست دولاً. في حين سقطوا جميعاً في ذُلِّ أزمة تغيير المواقف والتراجع نحو المُربع الذي رسمته واشنطن. فكيف يمكن سرد بعض الأمثلة التاريخية عن بيع أمريكا لحلفائها؟ وماذا يجري اليوم ربطاً بذلك، في سوريا واليمن بالتحديد؟
التاريخ يتحدث، كيف باعت أمريكا حلفاءها؟
يقول مجدي كامل، في كتابه “كيف تبيع أمريكا أصدقاءها” بأنه لا صداقة من قِبل أمريكا مع أحدٍ تدوم ولا وفاء منها تجاه أحدٍ يستمر. في حين يصف المنطق السياسي الأمريكي في تعامل واشنطن مع الأنظمة الحاكمة دوماً، بمنطق الغدر الذي لا يستثني أحداً حيث يكون المعيار الوحيد فقط هو المصلحة. وهنا فإن الكثير من الكتب، بل إنه وبمجرد مراجعة التاريخ، يمكن تذكُّر الحلفاء الذين باعتهم أمريكا في بازار السياسة خدمةً لمصالحها.
مثالاً على ذلك، في عام 1990 أعطت أمريكا الإيعاز لرئيس العراق حينها، صدام حسين لدخول الكويت، وبعد ثلاثة أشهر طالبته بسحب الجيش العراقي، حتى حدث حينها ما سُمي بحرب الخليج لتحرير الكويت من القوات العراقية، والتي ضمت تحالفاً لـ 38 دولة كانت بقيادة أمريكا! وفي العام 2003 تخلصت منه في حربها على العراق. بعد سنوات جاء دور الأنظمة الأخرى والرؤساء الآخرين، كمعمر القذافي في ليبيا، وحسني مبارك في مصر، وزين العابدين بن علي في تونس عبر ما سُمي بـ “الربيع العربي”.
لم تكن تلك الأحداث الوحيدة، بل إن التاريخ حافلٌ بأسماء حلفاءٍ باعتهم أمريكا، كشاه إيران “محمد رضا بهلوي”، والرئيس الفيلبيني “فيرديناند ماركوس”، و”محمد سوهارتو” الرئيس الإندونيسي، والرئيس الكوبي “فولغينسيو باتيستا”. كما نجد اليوم، أن السعودية والدول الخليجية والتي كانت إحدى حلفاء أمريكا الإستراتيجيين، باعتهم واشنطن لأجل مصالحها في إظهار التناغم عبر الرضوخ لكلٍ من إيران وروسيا، والقبول بهم كأطراف متعاظمة الأدوار، بعد سقوط سياسة القطب الواحد.
الواقع اليوم: حلفاء صغار لا يقرأون التاريخ؟
اليوم ومن خلال مراجعة الحال السياسية للأطراف التي راهنت على أمريكا في ظلِّ أزمات المنطقة المُفتعلة، يمكن رؤية أمثلة جديدة، على من باعتهم واشنطن في بازار التوافقات، أو استغنت عنهم لأجل مصالح خاصة. فكيف يمكن توصيف مشهد النفاق الأمريكي في التعاطي مع الحلفاء من سوريا الى اليمن؟
أولاً: من الحدث الأبرز والأخير، والذي يتعلق بملف اليمن، والذي مثَّل إنتصاراً للشعب اليمني، أعلنت السعودية وأدواتها في الداخل اليمني، وتحديداً عبد ربه منصور هادي وفريقه السياسي، القبول بخطة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، والتي لم تختلف عن الطروحات الماضية، حيث أن هذه الحلول هي ذاتها التي تمَّ تقديمها من قبل، ورفضتها أطراف السعودية في اليمن، واضعين شرط تسليم السلاح، كمقدمة للحل. لكن اليوم، وبعد أن قررت واشنطن تقديم الحل السياسي في اليمن على التمادي في العدوان، خصوصاً بعد أن بان لها أن الغوص في مستنقع الحرب أكثر لن يُجدي نفعاً، بعد أن بات الشعب اليمني موحَّداً حول مطالب معينة، تراجع الطرف السعودي ومعه أطرافٌ داخلية، وباتت تتحدث بضرورة حقن الدماء، وتسهيل الحلِّ السياسي. فيما برز إمتعاضٌ من قِبَل البعض حول آلية عمل أمريكا، لا سيما مسألة تضحيتها بحلفائها في ملف اليمن، لمصلحةٍ تبدأ بمحاولة تخفيف وطأة الخسارة الأمريكية السعودية في ظل إحتدام الإنتخابات الأمريكية ومحاولة الإدارة الحالية الديمقراطية المحافظة على بعض ماء وجهها.
ثانياً: في سوريا، بدت تسريبات السخط الذي حلَّ بما يُسمى بحلفاء أمريكا في الداخل، والذين حاولت واشنطن دعمهم وتوحيدهم، تحت مُسمى المعارضة السورية، فأخفقت بعد أن سقطوا في رهان بناء مشروعٍ ثابتٍ وموحَّد في ظل إختلاف مرجعياتهم بين قطر والسعودية وتركيا. وهو ما جعلهم يمتعضون مما أسموه بيعهم في داريا، والتي بقيت رمز ثورتهم الوهمية لسنواتٍ تزيد عن الثلاث، يراهنون فيها على أمريكا والغرب. فسقطت رهاناتهم، ليخرجوا من داريا أذلَّاء مُستغربين غياب الأمم المتحدة، فيما برز إنتصار الجيش السوري. وهو ما نتج عن تغيُّر حسابات أمريكا في سوريا، بعد إثبات محور المقاومة معادلاته في الميدان، وبدا واضحاً أن الجيش السوري مدعوماً من موسكو وإيران، يمضي قُدماً في انتصاراته لاسيما في معركة حلب.
ثالثاً: أيضاً في سوريا، رفض الأكراد الحلول التي قدمتها الدولة السورية، وانغمسوا في وعود واشنطن بدعمهم، ولم يضعوا أمامهم سوى هدفهم الوحيد حُلمهم بالإنفصال، دون أن يلتفتوا الى أن الجغرافيا السياسية التي ظنُّوا أنها قد تجمعهم مع تركيا والعراق، وتساهم في تحقيق حُلمهم، قد تكون السبب الأساسي في القضاء عليهم وكسرهم. فخرجوا من إنتمائهم السوري، وراهنوا على الخارج. واليوم، وبعد أن دعمتهم واشنطن لحساباتٍ خاصة تتعلق بمحاولة إذلال الطرف التركي، عادت وباعتهم لإرضاء أردوغان، وهو ما بدا واضحاً في كلام جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي وأمره العلني للأكراد بالإنسحاب نحو شرق الفرات في العراق.
إذن، يلحق التابع بسياسة المتبوع. كيف إذا كانت واشنطن تُتقن فنَّ إستغلال الأطراف. فيما أضحت أمريكا بموقع العاجز أمام معادلاتٍ جديدة في المنطقة، بدأت بتغيُّر قواعد الميدان السوري والتي أنجزها محور المقاومة، واستكملها الدعم الروسي عبر التنسيق مع إيران. في حين بات أطراف الصراع الإقليمي والدولي، في مواقعهم يقطفون نتائج سياساتهم. والتي يبدو فيها واضحاً أن أمريكا لم تنتصر في أغلبها. حيث أن كافة حُلفائها من الدول غرقى في أزماتٍ داخلية. فيما حلفاؤها الصغار من الأطراف، باتوا ضحية رضوخهم الطوعي لواشنطن.
هذه هي قصة أمريكا وبيعها الحلفاء في بازار المصالح، بدءاً من سوريا ووصولاً الى اليمن.
المصدر / الوقت