التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

الأهمية الاستراتيجية لتحرير مدينة داريا، وماذا بعد؟ 

مرة أخرى فرض الجيش السوري معادلته على الأرض وأثبت من جديد أن له الكلمة العليا في الميدان، لتكون مدينة داريا خير دليل على انهيار معنويات الجماعات المسلحة في سوريا، ولتثبت أيضاً أن ملف استراتيجية التسويات بشروط القويّ أو ما يسميه السوريين تسوية “الباص الأخضر” لا تقل أهمية عن استراتيجية الهجوم في العلوم العسكرية.​

فبعد أربع سنوات من العمل الهادئ والمتواصل، باتت مدينة داريا أكبر مدن الغوطة الغربية، خارج الحسابات العسكرية، إثر إتمام المرحلتين الأولى والثانية من بنود الاتفاق الأخير القاضي بإخلاء المسلحين للمدينة.

ونص اتفاق التسوية في المدينة على مرحلتين تم إنجازهما بالكامل، الأولى قضت بخروج 10 حافلات تضم 500 بين مسلحين ومدنيين، وفي اليوم الثاني استكملت المرحلة الثانية من الإتفاق بخروج 1000 من المدنيين والعسكريين من أصل 4000 وهو العدد الكلي للمسلحين والمدنيين في المدينة، بينهم ألف مقاتل طلب 300 منهم تسوية أوضاعهم والبقاء في منطقة الحرجلة ريف دمشق بينما اتجه 700 منهم إلى إدلب، التي تحولت منذ سيطرة جبهة النصرة الى مركز تجمع للجماعات الإرهابية المسلحة القادمة من مناطق التسويات.

حسابات داريا في أجندات الجيش السوري

ملف التسوية في مدينة داريا لم يكن وليد أيامِ أو حتى أسابيع، اذ جاء تحرير المدينة من الجماعات الإرهابية المسلحة بعد عملية عسكرية طويلة ومعقدة للغاية، يمكن ربطها بكمين منطقة العتيبة الشهير قبل عدة أشهر وتمكن الجيش السوري من إطباق الحصار على ريف العاصمة، وقطع خطوط إمداد المسلحين نحو الحدود الأردنية وعزل العاصمة دمشق وتحصينها بوجه مسلحي درعا والقنيطرة، وقطع الارتباط بين الغوطتين الشرقية والغربية، جاعلاً من ماسُميًّ “معركة دمشق الكبرى” أضغاث أحلام للجماعات المسلحة وداعميهم، وانتقل بهم من مرحلة الهجوم الى مرحلة حماية مواقعهم في أفضل الأحول، لتسقط البلدات والمدن الدمشقية كأحجار الدومينو.

وتمكنت قوات الجيش السوري، قبل إبرام التسوية مع المسلحين في المدينة، من تضييق المساحة الجغرافية التي يسيطر عليها المسلحون من 32 كيلومتر مربع إلى 800 متر مربع فقط، مما شكل ورقة ضغط كبيرة على المسلحين حيث انهارت معنوياتهم بشكل كبير وأجبروا على إبرام صفقة التسوية وفق شروط الحكومة السورية وبدون حتى طلب تدخل الأمم المتحدة، وهذا ما أكده المبعوث الأممي إلى سوريا إستيفان ديمستورا والذي قال: “أن الدولة السورية لم تستشره شخصياً أو تستشر الأمم المتحدة فيما يتعلق بتسوية داريا”.

داريا جيوسياسياً ولوجستياً

تكتسب مدينة داريا أهمية استراتيجة وجيوسياسية كبيرة بسبب قربها من العاصمة السورية دمشق( أقل من 8 كيلومتر عن ساحة الأمويين مركز العاصمة) وبسبب قربها من عدد من المؤسسات العسكرية السورية، من بينها المخابرات الجوية ومطار المزة العسكري وسجن المزة، بالإضافة الى ذلك تعد المدينة الخاصرة الرخوة في جنوب غرب دمشق فهي تشرف بشكل مباشر على أوتستراد درعا- دمشق الدولي (طريق الجيش السوري الرئيس لإمداد قواته في محافظتي السويداء ودرعا.

ومن حيث البعد اللوجستي للأزمة السورية، لطالما وصفت داريا بأنها مهد “الثورة” في دمشق وأيقونتها، ومكسر العصا للحكومة السورية في الغوطة الغربية، بحيث بقيت عصية على التحرير طيلة أربعة أعوام، كما تعد عقدة الربط مع المعضمية مروراً بالدرخبية وخان الشيح حتى القنيطرة وارتباطها بالغوطة الشرقية ما يعني بأن هذا الإنجاز سينعكس على محيط مدينة دمشق وستؤدي إلى تسويات في كل المواقع، ويرجح أن تمتد ملفات التسوية الى المدن الأخرى في ريف دمشق، وصولاً الى مدينة دوما في الغوطة الشرقية والتي تعد معقل ما يسمى ب”جيش الإسلام” لأن خطوط الدفاع المحيطة بدوما سقطت بعد أن سيطر الجيش على كامل مزارع الريحان مما أدى إلى سقوط الخطوط الدفاعية وهذا ما بدأ يظهر عبر الأصوات التي تطالب بتحقيق نفس العملية والتسوية.

أضف الى ذلك، فقد استطاع الجيش السوري وبعد تحرير المدينة تخليص سكان مدينة دمشق من أحد أبرز مصادر إطلاق الصواريخ التي كانت تتساقط عليها، فضلاً عن تقهقر جبهات المسلحين من جوبر وخان‌الشيح مروراً ببلدة المعضمية المجاورة وصولاً الى مخيم اليرموك ما قد يعجل تساقط مناطق الغوطة وصولاً لدوما ومناطق القنيطرة والبادية المفتوحة حتى درعا والحدود الأردنية والعراقية، وسيجعل الجماعات المسلحة في تلك المناطق تتهافت لإبرام الصفقات وبشروط الحكومة السورية.

ملف آخر لايمكن تجاهله في تسوية داريا، وهي عقيدة “القتال حتى الموت ” التي طالما اتخذتها الجماعات الإرهابية المسلحة حافزاً لشحذ همم مقاتليها على الجبهات وتغنت بها في كل معركة، فبعد خروج المسلحين من داريا وقبلها تسوية حمص وخروج المقاتلين بالباصات الحكومية الخضراء، أثبت بما لا يدعو للشك أن ما يحرك المسلحين في المناطق السورية هو المال، وبالتالي الهروب هو الطريقة المثلى لأثبات هذه الحجة، وما يقال عن أي شيء آخر ما هو ألا “ضحك عاللحى” كما يقال باللهجة السورية.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق