التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

حقيقة المراهنات الأميركية في سوريا 

بوتيرة متسارعة تتقلب المواقف الأميركية من جهة إلى أخرى، وقد تكون تبريراتها أكثر ما يدل على مراوغة تكتيكية لأسباب استراتيجية. فما كان متوقّعاً أن تقوم به القوات الأميركية لتغطية وحدات حماية الشعب في جرابلس، ما لبثت أن استبدلته في تغطية تدخل القوات التركية وحلفائها.
لم تقدّم الإدارة الأميركية تبريراً لتغيّير سياستها الطويلة الرافضة للتدخل التركي في سوريا، ومعارضتها طموح أنقرة في إنشاء منطقة آمنة، بل دعمت التدخل في الصورة التي أظهرتها أنقرة كمواجهة بين “الجيش الحر” والمعارضة المعتدلة وبين “داعش”.

زيادة من اللغط ضبابية، تسرّب صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية بأن أنقرة أخذت واشنطن على حين غرّة في معركة جرابلس، وأن الغطاء الجوّي الأميركي للقوات التركية هو قرار شخصي اتخذه قائد المنطقة الوسطى “جون فوتيل”.
كأن الجنرال الأميركي يمكنه “استخدام صلاحياته” في نقل البندقية من كتف إلى كتف وفي خوض معركة غير متفق عليها مسبقاً مع قيادة الأركان ووزارة الدفاع.

في هذا السياق يستمر الإلتباس الأميركي في صراع الحلفاء، إذّ يحذّر المتحدث بإسم وزارة الدفاع “بيتر كوك” من اشتباكات غير مقبولة وتشكّل مصدر قلق، بحسب تعبيره. لكن واشنطن التي تهدّد بعدم توفير الدعم الجوي للقوات التركية المتجهة جنوباً، تعرب عن عدم مشاركتها المعركة إلى جانب القوات التركية ولا تعطّل تقدّم قوات يغطيها الطيران التركي ولا تحتاج في مثل هذه المعركة إلى غطاء جوّي أميركي.

في حدود هذا الاختلاف المحدود، تذهب أنقرة إلى الإيحاء بخلاف افتراضي كبير مع واشنطن، كما يقفز عالياً وزير شؤون الإتحاد الاوروبي ــ التركي “عمر جليك” في قوله : “لا يحقّ لأحد أن يقول لنا أي تنظيم إرهابي يمكننا قتاله أو لا يمكننا”.

لكن من الناحية الأخرى، يُفصح نائب رئيس الوزراء التركي “نعمان كورتلموش” عن منع إقامة ممرّ كرديّ ممتد من العراق، كأبرز أهداف عملية “درع الفرات”. وهو ما يدلّ على التناغم بين أنقرة في سوريا إمتداداً إلى العراق وبين واشنطن في التحضير لمعركة نينوى امتداداً إلى سوريا، وقطع الطريق على جبال قنديل بالتعاون مع أربيل.
بموازاة هذه الهوامش التكتيكية بين أنقرة وواشنطن، تتطلّع الأدارة الأميركية إلى مركز ثقل آخر تأخذ به في تحالفها الاستراتيجي مع السعودية في سوريا والمنطقة.
فالمحادثات الفاشلة بين سيرغي لافروف وجون كيري العائد من جدة الأسبوع الماضي إلى جنيف، قوّضت مساعي التعاون بين الطرفين بعد أخذ وردّ طويلين. ولم تسفر عن تفاهم لوقف القتال في سوريا وتمرير المساعدات الانسانية من ممر “الكاستيلو” بناء على خطة ستافان ديمستورا، على الرغم من بحث استمر 12 ساعة، إنما علقت عند الاصرار السعودي على استمرار معركة حلب وعدم فصل النصرة عن الجماعات الأخرى في إشارة إلى المراهنة على الحرب. وقد تكون المعركة في حماة التي أسمتها الجماعات المسلّحة “حمم الغضب لنصرة حلب” هي أحد المراهنات الاستراتيجية للتحالف الأميركي ــ السعودي في سوريا حتى إشعار آخر.

في هذا الإطار يأسف الناطق الصحفيّ باسم الرئيس الروسي ديمتري بيسكوف لموقف واشنطن في عدم التجاوب على رفع التنسيق من مستوى تبادل المعلومات إلى مستوى التعاون. بينما يحذّر دي مستورا على لسان المتحدثة جيسي شاهين من فشل مشاورات حاسمة في جنيف على مستوى الخبراء الروس والأميركيين.

عين التحالف الاميركي ــ السعودي على معركته المفصلية في حلب. وإذّ يخوض الحليف الآخر معاركه الخاصة في الشمال السوري كما تقول “نيويورك تايمز”، تراها واشنطن كالناظر في غيمة أنّى ذهبت يهطل مطرها على أرضه.
قاسم عز الدين / العالم

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق