“درع الفرات”.. بين مشروع المنطقة العازلة وحلم الأكراد إلى المتوسّط
كنت أتحدّث قبل مدّة مع أحد أصدقائي الأكراد حول الأوضاع التي تعصف بسوريا والعراق، التي وجد فيها فرصة ذهبية لتحقيق حلم “الوطن الكردي”.
فقد أجابني حينها، والحادثة تعود إلى ما قبل معركة منبج بأيام قليلة، “إن الوضع الحالي هو الأفضل لنا، لأن تواجد داعش شكّل فرصة مناسبة لتحقيق أحلامنا وأحلام أجدادنا، ليضيف، بعد أن أخبرني بإنهائه لمرحلة الماجستير: إننا نشهد مخاض ولادة دولة كردية. بقيت أمامنا مدينة منبج لنرسّخ “الكريدور الكردي” الذي سيصل في يوم من الأيام إلى مياه المتوسّط”.
بعد هذا الحوار بفترة وجيزة انطلقت معركة منبج بين الأكراد وتنظيم داعش الإرهابي لتنتهي في صالح الأكراد، الأمر الذي أثار غضب تركيا، لتشرع بعدها بعملية عسكرية أطلقت عليها “درع الفرات”.
ورغم أن تركيا بدأت العملية العسكرية بمؤازرة “الجيش الحرّ” متخذة من تواجد تنظيم داعش الإرهابي في مدينة جرابلس الحدودية ذريعة لها، تمامً كما فعل الأكراد في منبج، إلا أن شعار “درع الفرات” يؤكد أن الهدف الرئيس قطع الكريدور الكردي وإعادة هذه القوات إلى شرق الفرات.
نجحت تركيا في السيطرة سريعاً على مدينة جرابلس السوريّة، لتواصل القوات التركية زحفها نحو “بيت القصيد”، أي مدينة منبج السورية، وذلك بعد سيطرتها على جميع القرى المتاخمة لنهر الساجور الذي لا يفصله سوى 10 كيلومتر عن مدينة منبج.
لم يتوّق الزحف التركي عند محيط جرابلس وذلك لـ”إعادة السكان الأصليين الذين أُجبروا على الرحيل” إلى “منطقة جيب منبج التي تقطنها غالبية من العرب”، وفق ما أوضح وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، لتبدأ القوات التركيّة تدخّلها العسكري المباشر في سوريا بعد أكثر من 5 سنوات للأزمة، وليس في مواجهة الرئيس الأسد هذه المرّة، بل في مواجهة خصم مشترك لأردوغان ونظيره السوري.
لا شكّ في التدخّل التركي لم يكن ليحصل لولا الضوء الأخضر الأمريكي إرضاءً للرئيس أردوغان بعد ثبوت الدور الأمريكي في الانقلاب الفاشل. أمريكا وحفاظاً على مصالحها خشية الارتماء التركي في الأحضان الروسيّة والإيرانية باعت حلفاء الأمس، الأكراد، لصالح أردوغان الذي تبادل مساء أمس خلال احتفاله بمناسبة عيد النصر ويوم القوات المسلحة التركية أطراف الحديث عبر رابط فيديو مباشر، مع الرائد “أَفَه طرابزون” العامل في وحدة المدرعات المشاركة بعملية “درع الفرات”، ليخاطب بعدها الجيش التركي بالقول: “أريد منكم أن تنجزوا عملية التطهير بسرعة أكبر”.
بين الفرات والمتوسّط
الغدر الأمريكي بالأكراد الذين أصبحوا اليوم ضحّية لمشاريع أمريكية من ناحية، ومشاريعهم الخاصّة من ناحية أخرى، يأتي بعد أن أخلفت أمريكا بوعدها الذي قطعته مع تركيا بأن قوات سوريا الديمقراطية” ستنسحب من مدينة منبج الواقعة غربي الفرات نحو شرقه عقب الانتهاء من عملياتها ضد “داعش” الإرهابي.
لا ريب في أن التدخّل التركي يقصم أي كريدور كردي يصبوا للوصول إلى ميان المتوسّط من الوسط، لاسيّما أن السيطرة على مدينة منبج غرب الفرات يسمح بإنشاء “كانتونات” كردية متّصلة من شرق عين العرب إلى غرب عفرين. لن يقتصر الأمر عند هذا الحدّ، بل لن تألو القوات الكردية جهداً في الوصول إلى مياه المتوسّط لاحقاً، الأمر الذي سيشكّل حينها لو حصل، لحظةً تاريخية لإعلان “الدولة الكردية”.
هذه اللحظة سقطت بالضربة التركية القاضية المتمثّلة في “درع الفرات”، إلا أن التململ الأمريكي الذي جعل من الأكراد ضحيّة لمشاريع واشنطن التقسيمية من ناحية، والكردية التوسّعية من ناحية أخرى، لا يعني رمي الورقة الكردية، بل ستحتفظ بها واشنطن لإعادة استخدامها لاحقاً أمام أنقرة نفسها، ولكن ريثما تنتهي تبعات الدعم الأمريكي للانقلاب الفاشل.
مشروع المنطقة العازلة
لا يمكن حصر الغزو التركي الذي يستعين بمقاتلي الجيش الحرّ والمقاتلين التركمان بالبعد الأوّل، بل تعيد هذه الخطوة إلى الأذهان التدخّل العسكري التركي في قبرص عام 1974 التي انتهت بإنشاء جمهورية شمال قبرص التركية في 15 نوفمبر 1983، التي تبلغ مساحتها 3,335 كم مربعا، ويبلغ عدد سكانها ما يقرب 210,000 ألف نسمة.
اليوم، قد لا يختلف التدخّل التركي كثيراً، لاسيّما أن مساحة المنطقة العازلة التي لطالما طمحت إليها تركيا تفوق مساحة “شمال قبرص” حيث تبلغ حوالي 3850 كلم مربع (طول 110 كم وعمق 35)، فضلاً عن مليونين و749 ألفًا و140 لاجئًا، يعيش نحو 270 ألفًا منهم ضمن مخيمات اللجوء في الأراضي التركية.
ولكن هذا الأمر لن يمرّ دون اعتراض روسيا والغرب وإيران التي أكد المتحدث باسم خارجيتها بهرام قاسمي على ضرورة احترام جمیع الدول لحق السیادة ووحدة الأراضي السوریة. فغض الطرف الروسي الإيراني الغربي ابتداءً في مدينة جرابلس يعود لأسباب تتعلّق بمكافحة الإرهاب، إلا أن الواقع اليوم قد اختلف حيث أصبح شعار مكافحة الإرهاب ذريعة ومبرّراً لإنشاء المنطقة العازلة والقيام بعمليات عسكرية في أراضي بلد آخر بدون التنسيق مع الحكومة المركزية وعدم الاكتراث لحق السيادة الوطنية لدمشق.
المصدر / الوقت