بعد 15 عاماً على أحداث 11 سبتمبر.. ماذا حصدت أمريكا في المنطقة؟
يحيي الأمريكيون اليوم الأحد الذكرى الخامسة عشرة لهجمات الحادي عشر من ايلول/سبتمبر 2001. وقد أسفرت الإعتداءات التي تمّ تنفيذها على أيدي إرهابيين من تنظيم القاعدة عن مقتل 2750 شخصا في ساعاتها الأولى، إلا ان ارتداداتها خلّفت مئات الآلاف من القتلى سواءً في أفغانستان، والعراق، ولاحقاً ما سمّي بالربيع العربي الذي أنتج عشرات النماذج من تنظيم القاعدة في مقدّمتها تنظيم داعش الإرهابي.
لا يختلف إثنان على حقّ أمريكا في حماية مواطنيها من أي تهديدات إرهابية، تكفيرية كانت أم داخلية، إلا أن ردّة الفعل يجب أن تكون متناسبة مع الفعل كي لا تولّد ردّات فعل أكبر غير قابلة للتطويق، وهذا بالفعل ما حصل في المنطقة في الخمسة عشر سنة الماضيّة. ففي اذار/مارس 2015 نشرت مؤسسة الصحة أن ضحايا الحرب الأمريكية على الإرهاب تجاوزت الـ1.3 مليون انسان، 1 مليون في العراق، 220 ألف في أفغانستان، و80 ألف في باكستان، فضلاً عن مئات الآلاف من ضحايا الربيع العربي، فأي محاربة إرهاب هذه التي تقضي على أكثر من 1700000 مقابل 2750؟
إحتلال أفغانستان
أظهرت إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن أولى ردّات الفعل على هجمات 11 أيلول عبر إحتلال أفغانستان حيث رفعت أمريكا شعار مكافحة الإرهاب لتمرير مشاريعها هناك. كثيرة هي الأهداف المعلنة للغزو الأمريكي بدءاً من اعتقال زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وقادة آخرين في التنظيم لهم مناصب رفيعة وجلبهم للمحاكمة (وهو هدف فشلت في تحقيقه حتى الساعة، فرغم قتلها لأسامة بن لادن عام 2011، إلا أن التنظيم استبدله بقيادات بارزة أخرى فشلت أمريكا في القضاء عليها)، مروراً بتدمير تنظيم القاعدة كليا وإقصاء نظام طالبان الذي كان يدعم ويعطي الملاذ الآمن للقاعدة (هدف آخر فشلت أمريكا في تحقيقه حيث لايزال تنظيم القاعدة فاعلاً في العديد من الدول في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن، إضافةً إلى بقاء طالبان بقوّة على الساحة الأفغانية)، وصولاً إلى إعلان أمريكا تحت قيادة الرئيس جورج بوش أنها لن تفرق بين المنظمات الإرهابية والدول أو الحكومات التي تؤوي أو تدعم هذه المنظمات، وهو أيضاً من الشعارات البرّاقة التي شكّلت غطاءً للحملة حيث بقيت الإدارة الأمريكية متخفيّة على وثائق سريّة تتعلّق بتورّط مقربين من النظام السعودي بالهجمات الإرهابية، ناهيك عن صرف النظر الأمريكي عن الدعم المالي (السعودي) والديني (الوهابي) للمدارس الدينية التي أنتجت القاعدة وأخواتها.
اليوم وبعد 15 عاماً على غزو أفغانستان التي خسرت أكثر من ترليون دولار من ثروتها نتيجة النهب الأمريكي للثروات الوطنية، فضلاً عن عشرات الآلاف من الضحايا وملايين المشرّدين، لا تزال أمريكا تمدّد تواجدها في أفغانستان، ولكن ليس بسبب الثورات الطبيعية التي أخذت ضمانات باستثمارها لعشرات السنين، بل بسبب استراتيجية “الإرتكاز الآسيوي” (Asian Pivot) الأمريكية التي أعلنها الرئيس بارك أوباما في العام 2011، والذي بمقتضاها تصبح منطقة شرق آسيا المنطقة ذات الأولوية الأولى للسياسة الأمريكية عالميًا. وأفغانستان تعد قاعدة متقدّمة في محاصرة العملاق الصيني من ناحيته الغربية.
غزو العراق
لم تتوقّف مغامرات إدارة الرئيس جورج بوش على أفغانستان، بل وبعد النجاح النسبي هناك، عمد بوش الإبن إلى غزو العراق في العام 2003 تحت ذريعة أسلحة الدمار الشامل التي لم تظهر حتى كتابة هذه السطور. بل تراجعت عنها أمريكا ببساطة بعد أكثر من سبع سنوات على الغزو وتدمير البلاد ونهب ثروته النفطية التي تعد من الأكبر في العالم.
هناك أيضاً، رفعت أمريكا شعارات برّاقة وكاذبة على حدّ سواء كأسلحة الدمار الشامل، وغيرها من الشعارات كـ”نشر الأفكار الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط ولو بالقوة العسكرية”، وما نعيشه اليوم في منطقتنا ليس سوى إحدى فصائل الديمقراطية الأمريكية الخشنة.
الإحتلال الأمريكي الذي خرج بفعل الضربات العسكرية المباشرة، حاول العودة عبر نافذة داعش وأخواتها، إلا أن القراءة المعمّقة للوثائق الأمريكية نفسها تؤكد أن جزءاً كبيراً مما يحصل هو من إعداد مطابخ الاستخبارات الأمريكية. على سبيل المثال لا الحصر قام ديك تشيني ودونالد رامسفيلد وبول وولفويتز، قبل انتخاب جورج بوش كرئيس لأمريكا، بكتابة مذكرة تحت عنوان “إعادة بناء القدرات الدفاعية للولايات المتحدة” [Rebuilding America’s Defences Strategies، Forces And Resources For A New Century] في سبتمبر 2000 أي قبل عام من أحداث سبتمبر 2001 وورد في هذه المذكرة ما معناه أنه بالرغم من الخلافات مع نظام صدام حسين والذي يستدعي تواجداً أمريكيا في منطقة الخليج الفارسي إلا أن أهمية وأسباب التواجد الأمريكي في المنطقة تفوق سبب وجود صدام حسين في السلطة.
الجماعات الإرهابية
لا يمكن فصل ما شهدته المنطقة من أحداث عن مخلّفات 11 أيلول التي شكّلت الولادة الثانية للجماعات الإرهابية في المنطقة والعالم، بل ساهمت هذه الأحداث التي هدفت لنشر الأفكار الديمقراطية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط بوضع دموي نعيشه اليوم في سوريا والعراق واليمن وليبيا بوتيرة عالية، وفي البحرين ومصر ولبنان بوتيرة أخفّ.
الغريب أن الديمقراطية الأمريكية، الخشنة منها والناعمة، لم تطل الدول الخليجية التي تحكمها العائلات التي لا تفقه لغة الديمقراطية. في الواقع، إن الدعم الأمريكي للنظام السعودي ليس بعيداً عن الغزو الأمريكي لكل من العراق وأفغانستان، بل كلّها تعد خطوات تكتيكية على طريق الاستراتيجية الأمريكية.
بالأمس، وبعد التبرئة المؤقتة للسعودية من هجمات 11 أيلول، أقرّ مجلس النواب الأمريكي، بالإجماع قانوناً جديداً يسمح بملاحقة النظام السعودي قضائياً. ربّما يرى البعض في الخطوة الأمريكية إستيقاظاً متأخراً، إلا أنه في الواقع لا يعدو عن كونه جرعة مهدأة لعائلات ضحايا الهجوم الإرهابي.
في الواقع، كل ما نعيشه اليوم يعد من نتائج 11 سبتمبر، وقبل القاعدة، وقبلها المدارس الدينية السعودية الأمريكية التي حاربت السوفيات في أفغانستان.
المصدر / الوقت