التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

ريكا تنعى الهدنة السورية وتناقض نفسها والسبب اختلاف العقلين العسكري والدبلوماسي! 

خرجت الصحف الأمريكية لتُبرز الإختلاف العلني بين وزيري الدفاع والخارجية. والسبب يعود لآليات تنفيذ اتفاق الهدنة، والذي بدا أنه لم يتمتع بالإجماع الأمريكي حوله. في حين كانت لغة التناقض واضحة في الموقف الأمريكي، فيما يخص السياسة الخارجية لواشنطن. حيث أصر العقل العسكري على وجود إنجازٍ عسكري عملي وهو ما لم يحصل، في حين سعى العقل الدبلوماسي الى تلميع صورة أمريكا بعيداً عن حقيقة الواقع. فماذا في الخلاف الأمريكي المُعلن؟ وما هي وجهة نظر كلٍ من وزير الدفاع والخارجية؟ ولماذا شكَّل هذا الخلاف سابقة في التاريخ السياسي الأمريكي بحسب دلالاته؟

الصحف الأمريكية تتحدث عن الخلاف المُعلن

خرجت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية لتتحدث عن الإنقسام العلني الذي ولَّده اتفاق الهدنة حول سوريا، بين وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ووزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر. حيث أشارت الصحيفة الى أن كارتر لديه تحفظات بشأن الخطة العملية للإتفاق، والتى تنطوي على عمل مشترك بين القوات الأمريكية والروسية لاستهداف الجماعات الإرهابية فى سوريا.

وذكرت الصحيفة أنه وعلى الرغم من موافقة الرئيس الأمريكي باراك أوباما على الجهود الدبلوماسية بعد ساعات من النقاش، فإن مسؤولين في البنتاغون لا يزالون غير مقتنعين. فيما كان وزير الدفاع الأمريكي كارتر، من بين مسؤولي الإدارة الأمريكية الذين عارضوا الإتفاق خلال مؤتمر أمريكي عُقد بمشاركة مسؤولي البيت الأبيض الأسبوع الماضي.

وجهة نظر وزير الخارجية الأمريكية جون كيري

بحسب الصحف الأمريكية وتحديداً واشنطن بوست ونيويورك تايمز، فإن كيري يرى أنه يجب على الإدارة الأمريكية فعل أي شيء للظهور أمام العالم بموقف المدافع عن المدنيين السوريين من قوات النظام. خصوصاً أنه يعتبر بأن الاتفاق يُمثِّل فرصة لسوريا وتحديداً للمواطنين، ويساهم في دفع الجهود الرامية للتوصل إلى تسوية سياسية ودبلوماسية تحت رعاية الأمم المتحدة من أجل تحقيق السلام في سوريا. كل ذلك يدفع كيري نحو حل سياسي، يُساهم بحسب الصحيفة في تقليص العنف فى سوريا. في حين أكدت المصادر الإعلامية الأمريكية أن أهم الأهداف الأمريكية من وراء السعي للإتفاق، هو العمل على إحياء محادثات السلام في الشرق الأوسط، والتي إنهارت بحسب الصحيفة قبل أن يُنهي كيري أول عام له في منصب وزير الخارجية. ليعود ويُحقق انجازاً كبيراً من خلال توقيع الإتفاق النووي مع إيران.

وبعد خروج الإنقسام الأمريكي الى العلن، دافع كيري عن موقفه، حيث أكد أنه من المبكر جداً الحكم على نتائج الإتفاق على الرغم من وجود تقارير تُشير إلى وقوع بعض الأعمال القتالية هنا وهناك معتبراً ذلك طبيعياً.

وجهة نظر وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر

لم يخرج وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر ليوضح وجهة نظره المعارضة للإتفاق بشكلٍ يمكن الإعتماد عليه. لكن موقفه الذي أطلقه في حديثه إلى هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، يوم الخميس في 8 أيلول، قد يجعلنا نفهم وجهة النظر الأمريكية المخالفة للإتفاق.

يعتبر كارتر أن التدخل الروسي في سوريا لا يساعد في إيجاد حل سياسي. وهو يُصر على ضرورة حصول وقف فعلي للأعمال العسكرية، كشرط مُسبق للتعاون بين واشنطن وموسكو. في حين يُبنِّد المسؤول الأمريكي خطوات التنفيذ، بأنها نتيجة لعدد كبير من المراحل، والتي يأتي وقف الأعمال العسكرية في مقدمتها.

من جهة أخرى يعتبر كارتر، أن روسيا تُخادع حيث ادعت تدخلها في الحرب السورية لمحاربة الإرهاب وإنهاء الأزمة عبر الدفع نحو حلٍ سياسي، وهو ما لم تقم به حتى الآن. مؤكداً أن مسألة الإنتقال السياسي يجب أن تكون إحدى الخطوات الأساسية لتعزيز التعاون، والتي تبدأ بإستقالة الرئيس بشار الأسد!

الإختلاف دليل على القلق والفشل الأمريكي

لا شك أن الإختلاف بين مسؤولين بحجم وزير الخارجية ووزير الدفاع، له العديد من الدلالات، والتي نذكرها فيما يلي:

أولاً: منذ بداية المفاوضات وقبل أسبوعٍ تقريباً، أشار لوسائل الإعلام الأمريكية – بحسب ما نقلت نيويورك تايمز – مسؤول أمريكي كبير رافق وزير الخارجية الأمريكي في عملية التفاوض، الى أن واشنطن تسعى للتوصل إلى اتفاق تُعتبر من أولوياته كسر طوق حلب. وهو ما يعني في الحقيقة محاولة واشنطن إيجاد إنجازٍ للمسلحين من خلال أروقة العمل الدبلوماسي بعد أن عجزوا عن ذلك من خلال الميدان. الأمر الذي بات مفهوماً اليوم، أنه كان السبب خلف فشل المفاوضات في البداية مع روسيا. كما يُمكن القول إنه السبب الحقيقي للخلاف بين وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين. حيث لم تجد الأخيرة في الإتفاق، أي إنجازٍ عسكري. فيما فضَّلت وزارة الخارجية إعلان الهدنة.

ثانياً: بعد توقيع الإتفاق بدا واضحاً أن الفشل كان الصفة الطاغية على نتائجه. فالتقارير العسكرية التي تُشير الى خرق الجماعات الإرهابية المسلحة للهدنة، وثَّقها الطرف الامريكي كما الروسي. وهو ما اعترف به وزير الخارجية الأمريكي. مما يعني أن الهدنة لم تكن إلا حدثاً إعلامياً، بعيداً عن الواقع العملي. وبالتالي فإن أمريكا فشلت في فرض ما تريد.

ثالثاً: كل ما تقدم أظهر الإختلاف بين العقل العسكري والذي يؤمن بالنتائج العملية والعقل الدبلوماسي الذي يسعى لتلميع الصورة بعيداً عن الواقع. وهو الأمر الذي تسعى الإدارة الأمريكية لتبريره اليوم، في ظل الحاجة لإنجازٍ يرفع من منسوب الديمقراطيين في الإنتخابات الأمريكية. وهو ما بات واضحاً خصوصاً مع دخول السياسة الدولية بازار الإنتخابات الأمريكية.

رابعاً: بعيداً عن الإختلاف بين الأمريكيين، يبدو واضحاً أن واشنطن وبغض النظر عن تعارض الآراء، باتت في موقع الراضخ للمعادلات الجديدة في سوريا. وهو ما فرضته إنجازات محور المقاومة، والتي كانت مُقدمة للتدخل الروسي في سوريا. فيما شكَّلت التغيرات في الميدان السوري وتراجع حلفاء واشنطن وتضعضعهم، سبباً آخر لإفشال المشروع الأمريكي، والذي يُعتبر الإختلاف دليلاً إضافياً عليه.

خامساً: شكَّل الإختلاف سابقة في تاريخ السياسة الأمريكية يجب الوقوف عندها. فلا يمكن المرور على مسألة إختلاف عقلين أمريكيين من دون اعتبارها خطراً على الأمن القومي الأمريكي والذي تُشكل السياسة الدولية مدماكه الأساسي. في حين لم يكن الإختلاف مشكلة على قدر خروجه الى العلن. وهو ما يبقى عادة ضمن حدود همس الصالونات السياسية المُغلقة.

إذن، شكَّلت سوريا مكاناً لنسج التحالفات. لكنها أيضاً كانت مكاناً لإظهار الخلافات. حيث أن الحلفاء الذين اصطفوا خلف الطرف الأمريكي في سوريا، باتوا اليوم خصماء السياسة والأولويات الداخلية لكل طرف. في حين كان الإختلاف بين الأمريكيين، حدثاً جديداً بكافة المقاييس، والتي حملت دلالاتٍ عديدة أشرنا لها، وتبقى العديد من الدلالات الأخرى، رهن الأيام. وهو الأمر الذي جعل أمريكا تظهر وكأنها تنعى الهدنة السورية وتناقض نفسها، والسبب اختلاف العقلين العسكري والدبلوماسي!
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق