التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

لمن يرغب في النسيان.. قريباً سيتمكن العلماء من مسح المواقف السيئة من ذاكرتنا 

تمكّن العلماء من اكتشاف الطريقة التي تساعد البشر على نسيان مخاوفهم، من خلال إغلاق أحد المسارات الدماغية المسؤول عن الذكريات المخيفة.

التجربة التي أجريت على الفئران لا زالت قيد الاختبار بخصوص البشر، لكن العلماء تمكنوا من تخليص فئران التجارب من المخاوف الناتجة عن الصدمات.

وعلى الرغم من أن البحث لا يزال حديثاً، فربما يحملنا بين دفتيه نحو اكتشاف طريقة تساعد البشر على التخلص من القلق واضطراب ما بعد الصدمات.

وقد اكتشف العلماء مساراً دماغياً جديداً يعمل على خلق الذكريات المخيفة، وقاموا بتدرّيب مجموعة من فئران التجارب على أن يخافوا من نغمة عالية محددة من خلال تعريضهم لصدمة في كل مرة يستمعون لتلك النغمة، وذلك حسبما ذكرت إحدى الدراسات المنشورة بالدورية العلمية Nature Neuroscience.

انتظر العلماء حتى صارت الفئران تتجمد من الخوف في كل مرة يستمعون إلى تلك النغمة، حتى وإن لم يتعرضوا للصدمة، وذلك قبل أن ينتقلوا للمرحلة التالية المتمثلة في فحص أدمغة الفئران.

ثم لجأ العلماء إلى تقنية مجهرية متخصصة، ليلاحظوا حالة نمو للأعصاب المرتبطة بذلك المسار، وأعقب تلك المرحلة طرحهم لتساؤل عما يمكن أن يحدث إن أُغلق ذلك المسار؟

من المؤكد أن القدرة على الشعور بالخوف تعد ضرورية للنجاة بالنسبة للكائنات الحية، إذ إن الشعور بالخوف يعلمنا أن نكون أكثر حرصاً عند مواجهة المواقف الخطيرة.

بيد أن أجهزة الشعور بالخوف لدى بعض الناس تعمل بكفاءة عالية للغاية، لذا، فإنهم يشعرون بحالة خوف كبيرة حتى وإن لم يكن ثمّ ما يُخشى منه، ما يؤدي إلى اضطرابات القلق التي يعاني منها 18% من الأميركيين، واضطراب ما بعد الصدمات، التي يتوقع أن يعاني منها 8% من الأميركيين في فترة ما من حياتهم.

فالدماغ يشبه مدينة ممتلئة بسلسلة من الطرق، في الماضي كنا نعتقد أن الخوف كان طريقاً ذا اتجاه واحد يبدأ من الجزء الدماغي المسؤول عن ترجمة الأصوات، والمعروف باسم القشرة السمعية، وينتهي عند مكان مسؤول عن معالجة المشاعر، يسمى اللوزة الدماغية.

إلا أن الدراسة الحالية تشير إلى أن تحقق إحساسنا الحقيقي بالخوف يتطلب مرور المعلومات أيضاً في طريق ذي اتجاه واحد آخر، لتنتقل من اللوزة الدماغية وتعود مرة أخرى إلى القشرة السمعية.
ومن خلال قطع ذلك الطريق الذي يستغرق قطعه ثانية واحدة، يمكننا حينها أن نمنع الفئران من الشعور بالخوف.

تقول يانغ يانغ، الباحثة بالأكاديمية الصينية للعلوم، التي قادت ذلك البحث “إن استطعنا تقليل استجابة الفئران للخوف، فإننا نأمل أن يساعد ذلك الأمر على التوصل لطريقة تقلل الأمر عند البشر أيضاً”.

انتاب يانغ شعور بالشك منذ سنوات في أنه ثمة احتمالية لوجود مسار آخر للخوف، عندما كانت تتفحص خريطة شديدة التفصيل عن الدماغ تسمى “أطلس ألين للمخ”، ومن خلال اقتفاء مسارات الخريطة، اكتشفت أنها على حق.

وعليه، بعد أن علّموا الفئران أن يخافوا من ذلك الصوت، فحص الباحثون نقاط الاشتباك العصبي – أو أماكن الاتصال بين الأعصاب – بطول ذلك المسار.

وعندما تشكلت ذكرى لدى الفئران، كبرت أماكن الاتصال بين محاور وتفرعات الخلايا العصبية، وتغيرت حالة الفئران عند شعورهم بالخوف من سماع الصوت، مما أدى إلى زيادة حجم أماكن الاتصال هذه بالمسار المكتشف حديثاً، وهو ما يؤكد نظرية يانغ.

ولخوض خطوة أخرى على طريق الاكتشاف الجديد، استخدم فريق البحث طريقتين لكي يغلقوا ذلك المسار.

إذ استخدموا في الأولى ضوءاً لكي يغلقوا الاتصالات بطول المسار من خلال استخدام تقنية تسمى “علم البصريات الوراثي”.

أما الطريقة الثانية عن طريق استخدام فيروس يحتوي على مستقبل حسي يسمى hM4D. ومع غلق ذلك المسار، فقدت الفئران إحساسسها بالخوف تماماً.

تقول يانغ: “لم أتوقع أن يكون تأثير تلك الطريقتين بهذه الدرجة من القوة. لقد استخدمنا كلتا الطريقتين لأننا أردنا التأكد من أن الاستجابة حقيقية”.

تختلف الفئران عن البشر بكل تأكيد، إلا أن تلك النتائج قد تجعلنا نقترب من تفهم الطريقة المماثلة التي ربما تعمل بها عقولنا.

تفهم الفئران معظم المدخلات الحسية عن طريق السمع، لذلك فيبدو من المنطقي أن ذلك الاتصال تواجد في اللوزة الدماغية عند الجزء الدماغي المسؤول عن التعامل مع الأصوات.

أما البشر فيستخدمون البصر أكثر من الفئران، لكن الدراسات التشريحية على القرود توضح أنهم يمتلكون مسارات من اللوزة الدماغية إلى القشرة البصرية. ولم تصل أي دراسات حتى الآن إلى الطريقة التي تعمل بها تلك المسارات.

وعن ذلك تقول يانغ: “أعتقد أن وظيفة ذلك المسار توضح أن ثمة شيئاً مساوياً للقشرة البصرية لدى القرود قد يكون لديه وظيفة مماثلة، وهو ما يمنع المسارات التي ربما تساعد في التعامل مع تلك الأمور”.

تقول كاي تي، عالمة الأعصاب بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إن ذلك الاكتشاف الإلزامي يعد “مثيراً للإعجاب بصورة خاصة لأنهم استطاعوا أن يغيروا السلوك اعتماداً على مسار مسؤول عن مدخلات محددة”.

وأضافت تي أن معرفة ذلك الاكتشاف قد يساعدنا على تطوير علاجاً أكثر فائدة. على سبيل المثال، تعمل إحدى طرق العلاج التي تسمى “تحفيز التيار المباشر عبر الجمجمة” عن طريق إرسال تيارات من أقطاب كهربائية مثبتة على فروة الرأس لأجزاء محددة بالدماغ.

ولا يستطيع ذلك العلاج سوى الوصول إلى المناطق المحيطة بسطح الدماغ، لكن اللوزة الدماغية تقع في مكان أعمق داخل المخ. غير أن القشرة السمعية أقرب للسطح، وقد تساعد مزيد من الدراسات التي يمكن أن تُجرى عن دورها في معالجة الخوف، على زيادة نجاعة العلاج المسمى “تحفيز التيار المباشر عبر الجمجمة” وأيضاً طرق العلاج الأخرى.

لسوء الحظ، أدى إغلاق ذلك المسار إلى إعاقة الذكريات من الوصول إلى المخ مؤقتاً. لكنه لم يتسبب في التخلص منها إلى الأبد، فاستطاعت الذكريات أن تعود مرة أخرى فيما بعد.

وتعد الخطوة القادمة لفريق يانغ أمراً مستساغاً لكل من شاهد فيلم “إشراقة أبدية لعقل نظيف” Eternal Sunshine of the Spotless Mind، عندما يتمكن فريقها من إزالة الذكريات ذاتها، مثلما حدث في ذلك الفيلم.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق