السعودية وجبهات المواجهة الخمسة.. على أي جبهة ستحارب؟
الفترة القادمة ستكون حاسمة بالنسبة للسعودية. فجميع الجبهات ملتهبة وهذا الامر إن دلّ على شيئ، فإنما يدل على حجم الورطة على كافّة الصعد من الداخلية إلى الدولية مروراً بالإقليمية.
ويبدو أن التطورات الأخيرة فتحت على السعودية جبهات جديدة جعلتها مطوّقة من كل الاتجاهات استعداداً لما هو أبعد من ذلك، حيث يمكن تقسيم الجبهة السعودية اليوم إلى خمس جبهات كالتالي: الجبهة اليمينة، جبهة ايران ومحور المقاومة، جبهة حقوق الإنسان، الجبهة الداخلية وجبهة قانون “جاستا” الأمريكي.
بعيداً عن جبهات اليمن وايران وسوريا، تصاعدت الجبهات الثلاث الأخرى في الأيام القليلة الماضية، الأمر الذي جعل السعودية في وضع لا تحسد عليه، وفي جردة حسابات يمكن قول الآتي.
الجبهة الداخلية
لطالما كان الداخل السعودي بعيداً عن تداعيات الوضع الإقليمي والدولي، إلا أن تراجع أسعار النفط وهشاشة الوضع الإقتصادي الذي أنتجت قرارات التقشّف تؤكد أن الوضع الداخلي يقترب من أزمة حكم حقيقية، فما تمرُّ به السعودية حالياً هو وضعٌ غير مسبوق.
كثيرة هي المشاهد التي أربكت الوضع الداخلي، بدءاً من سياسة التقشُّف وتخفيض رواتب العاملين في القطاع العام بنسبة 20%، وليس انتهاءً بعريضة موقَّعة من نحو خمسة عشر ألف مواطن من رجالٍ ونساء، رُفِعَت الى الملك سلمان، وتُطالب بإلغاء ولاية الرجُل على المرأة في تفاصيل حياتها اليومية خارج منزلها، خاصة في محال حرّية التعليم والعمل والسفر.
فبعد أن تطرّقت مجلة “إيكونوميست” تقريرا في عددها الأخير، إلى أزمة الحُكم تحت عنوان “لعبة العروش الحقيقية”، ومسألة إنتقال الحُكم الى أحفاد المؤسس عبد العزيز، والصراع الشرس بين وليّ العهد محمد بن نايف، وبين وليّ وليّ العهد محمد بن سلمان، فضلاً عن العديد من التقارير الغربية هو أزمة التقشف، حاولت الرياض تدارك الوضع الداخلي عبر بوابة الدين حيث برزت العديد من الأصوات المدافعة عن قرارت سلمان.
وفي مقدّمة هذه الأصوات المفتي العام للسعودية، الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، الذي قال إنه لا ينبغي أن نفسح مجالاً لاختراق صفنا ممن يحاول استثمار بعض القرارات والأوامر لتزييف الحقائق أو التهييج؛ فهذا هو المصيبة، وأن ما صدر مؤخرًا ظروف طارئة، وأشياء عارضة، لها اعتبارها وأحكامها وظروفها الخاصة. وفي السياق ذاته، قال الشيخ صالح بن حميد خطيب المسجد الحرام إن القرارات التقشفية والتوجيهات المالية التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين تنتظم الصغير والكبير ولم تصدر نتيجة ضعف الموارد، وإنما صدرت لتنمية روح المسؤولية و لمكافحة الفساد، ورفع كفاءة الأداء، وكانت تعبيرا عن رؤية تتعامل مع الحاضر وتستشرف المستقبل، من أجل التوجه نحو تنوع مصادر الدخل. وكل هذه التبريرات إن دلّت على شيئ إنما تدل على حجم “أزمة الحكم” في الداخل.
جبهة حقوق الإنسان
رغم أن البعض ينظر إلى هذه الجبهة بعين الضعف، إلا أن المطالبات الأخيرة في ظل كثرة السكاكين على رقبة السعودية تؤكد أن هذه الجبهة يمكن أن تؤثر على جبهات آخرى، كاليمن وسوريا وحتى جبهة واشنطن. فقد دعا المسؤول في منظمة هيومن رايتس ووتش جون فيشر، إلى تعليق عضوية السعودية في مجلس حقوق الإنسان، وعدم إعادة انتخابها بسبب الضغط الشديد الذي تمارسه ضد إجراء تحقيق دولي شامل في انتهاكات العدوان. ودعا فيشر إلى إرسال المزيد من المحققين إلى اليمن والتحقيق بإستفاضة في الانتهاكات الجارية في اليمن.
ولفت إلى أن “الضغط الشديد الذي تمارسه السعودية ضد إجراء تحقيق دولي شامل يبين لماذا يجب تعليق عضوية البلد في المجلس وعدم إعادة انتخابه”.
جبهة واشنطن الجديدة
لا شكّ في أن هذه الجبهة تعدّ الأقسى على الرياض، باعتبار أن واشنطن تعد مظّلة لكافّة الجبهات الأخرى، فهي من تمتع المؤسسات الحقوقية من مقاضاة السعودية. كذلك، واشنطن من تدعم الرياض في مجلس الأمن والأمم المتحدة وتغض الطرف عن تصرّفاتها في سوريا واليمن والداخل السعودي.
السعودية ادركت جيّداً حجم وخطورة القانون الأمريكي الذي يتيح لأسر ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر مقاضاة المملكة والمطالبة بتعويضات قد تقضي على حوالي ترليون دولار من الودائع السعودية هناك، فضلاً عن التبعات السياسة. وهذا ما دفع وزارة الخارجية السعودية أمس الجمعة لإدانة القرار ووصفه بأنه مصدر قلق كبير.
السعودية وبعد الحملة التي شنّتها عبر أدواتها في الإعلام الأمريكي والتي تحذّر من العواقب الوخيمة والخطيرة التي قد تترتب على العلاقات بين البلدان بسبب هذا القانون، دعت الكونغرس الأمريكي إلى اتخاذ الخطوات اللازمة من أجل تجنب التأثير سلباً على العلاقات بين البلدين.
ردّة الفعل
لم نعتد على السعودية أن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي تهديد أو تحدّي، إلا أننا لا نتوقّع منها، ولاسيّما في عهد الملك سليمان حيث يتحكّم عديمي الخبرة في مفاصل الحكم، اتخاذ القرار بعد تنقحيه ووضعه في ميزان المصلحة والمفسدة السعوية.
ورغم ان القرار السعودي الأخيرة في الجزائر اثر الاتفاق التاريخي لخفض انتاج منظمة “أوبك” ينم عن تراجع غير مسبوق بعد سنوات من التعنّت السعودي على مختلف الجبهات، إلا أن العديد من الخبراء يؤكدون أن هذا التراجع جاء بعد وصول الرياض إلى طريق مسدود، وفي حال كان لها ممرّ ضيق للهروب إلى الأمام ستنتهجه، فضلاً عن أي مخرج، شرعي كان أم غيره .
الواقع الحالي، يمنح القيادة السعودية فرصة جديدة لإعادة التموضع على أساس مصالحها ومصالح دول المنطقة، وفي حال أرادت الاستمرار في سياسة التنعت المتّبعة، سنشاهد قيادات سعودية، قريباً، على أبواب تل أبيب.
المصدر / الوقت