المناورات البحرية السعودية: زيتٌ على نار الخليج الفارسي
يمرّ المشهد السعودي في منعطف خطير يضع المملكة ولادة جديدة، تعكسها العديد من الملفات بدءاً من سوريا والإقليم وصولاً إلى “جاستا” الأمريكي ومروراً بالعدوان على اليمن.
التطورات الأخيرة في مختلف الملفات السعودية، وعلى صعيدي الداخل والخارج، تدفع بالرياض، وكما اعتدنا عليها في السابق لايجاد واقع جديد يسمح لها بتغيير فعلي في موازين القوى على أي ساحة من الساحات المذكور أعلاه.
وفي ظل هذه التطوّرات التي وصلت إلى ذروتها في سوريا مع الحديث عن ضربة أمريكية لسوريا، بدأت القوات البحرية السعودية مناورات عسكرية تعتبر “من الأضخم” في مياه الخليج الفارسي ومضيق هرمز، على ما أفاد الإعلام الرسمي، في تدريبات يظللها توتر متصاعد مع إيران منذ اشهر.
وتأتي المناورات بعد أسبوع على تصريح قائد القوات البحرية الفريق الركن عبدالله بن سلطان السلطان الذي أكّد أن المناورات تهدف الى الدفاع “عن حدود المملكة وحماية الممرات الحيوية والمياه الإقليمية، وردع أي عدوان أو عمليات إرهابية محتملة قد تعيق الملاحة في الخليج (الفارسي) “.
لا يختلف اثنان على حق السعودية في حماية مياهها الإقليمية، إلا أننا في الوقت عينه لا ندري عن أي عدوان يتحدّث الفريق السلطان، فهل هذا الكلام يصبّ في بوتقة توتير العلاقات مع ايران، يبقى الجواب على هذا السؤال برسم المناورات البحرية.
إيران التي تؤمن قواتها البحرية جزءاً أساسياً من الملاحة في الخليج الفارسي، أصدرت بياناً وجّهت فيه إنذارا شديدا للقطع البحرية السعودية التي تجري مناورات معلنة في الخليج الفارسي محذرة إياها من العبور حتى من المياه الدولية القريبة من المياه الإقليمية الإيرانية . وقد أعرب البيان ان حرس الثورة الإسلامية يعتقد جازما بان هذه المناورات هي مصداق صارخ لإثارة التوتر وزعزعة الأمن المستديم في الخليج الفارسي.
إذاً، يبقى للسعودية الحق في استكمال مناوراتها ضمن مياهها الإقليمية، بعيداً عن المياه الإقليمية الإيرانية أو الدولية القرية منها، لاسيّما في الأجواء المتوتّرة بين البلدين. السعودية وفي حال تجاهلت التحذيرات الإيرانية قد نكون أمام مضايقات بحرية في المياه الدولية قد تولّد حرباً إقليمية.
ويرى العديد من الخبراء أن هذه المناورات لا تعدو عن كونها “عرض عضلات” سعودية أمام إيران لاستفزاز الأخيرة، وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى النقاط التالية:
أولاً: إذا كانت السعودية تسعى لتأمين الملاحة في الخليج الفارسي، فلماذا تستعين بقوات دولية، أمريكية وغربية؟ لماذا لا ترضى بحماية إقليمية لأمن الخليج الفارسي من قبل الدول التي تطلّ عليه؟ هذا ما ردّدته طهران مراراً وتكراراً إلا أنها لم تلقى آذاناً سعودية صاغية.
ثانياً: إن إضفاء الطابع الأمني-العسكري على الخليج الفارسي لا يصب في صالح كافّة الدول المطلّة عليه، لأنه سيزيد من الحضور العسكري الغربي هناك، وبالتالي توتير الأجواء بين دول المنطقة، وهذا ما ترفضه طهران، إلا أن السعودية تسعى نحوه كما يبدو.
ثالثاً: لا يمكن فصل هذه المناورات عن الخسائر السعودية في اليمن، حيث تحاول الرياض رفع معنويات قواتها العسكرية وشعبها من خلال هذه المناورات. هذا ما لمسناه من البيان السعودي الدعائي بامتياز الذي جاء فيه: إن المناورات تشارك فيها تشكيلات مختلفة من القوات البحرية، تشمل الزوارق السريعة وطيران القوات البحرية ومشاة البحرية ووحدات الأمن البحرية الخاصة.. تشمل المناورات “جميع أبعاد العمليات البحرية”، حيث “تتضمن الحروب الجوية والسطحية وتحت سطحية والحرب الإلكترونية وحرب الألغام وعمليات الابرار لمشاة البحرية ووحدات الأمن البحرية الخاصة والرماية بالذخيرة الحية”.
رابعاً: تحاول السعودية من خلال هذه المناورات إظهار قدرتها في منافسة إيران التي تحضر في المياه الدولية. ليس في هذا الشق فحسب، فكما هو الحال في مختلف الملفات الإقليمية، أكد السعودية أمس (الأربعاء) الحق المشروع لدول المنطقة في الاستخدام السلمي للطاقة النووية وفق معايير “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” وإجراءاتها وتحت إشرافها، وذلك في سياق التنافس معايران التي حصلت على هذا الحق باعتراف دولي اثر الاتفاق النووي.
لم تكن إيران لتعترض لولا أن هذه المناورات تمّت بمشاركة سعودية حصريّة في مياهها، بل إن الارتماء السعودي في أحضان واشنطن التي كافأت الرياض عليه بقانون “جاستا”، يعد سبباً في توتير الأجواء في الخليج الفارسي عبر الحضور العسكري الغربي.
كما في اليمن، وفي سوريا، لا تزال هناك فرصة سعودية للحل والتراجع واتخاذ المواقف انطلاقاً من مصالحها القومية، بعيداً عن المصالح الغربية. أبرز هذه الحلول تكمن في حماية الملاحة الجولية في الخليج الفارسي من قبل الدول المطلّة عليه، دونما أي حضور عسكري غربي يسعى لصبّ الزيت على النار.
المصدر / الوقت