التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

الغرب يُعلن إفلاسه في سوريا: محاولةٌ لإبراز القوة عبر التهويل بالخيار العسكري! 

خرجت تهويلات الغرب بإستخدام الخيار العسكري في سوريا، لتكون محط نقاش الكثير من المحللين. في حين يسأل الكثيرون عن إمكانية حصول ذلك، وهو الأمر الذي لم تلجأ له واشنطن خلال الأزمة عندما كان النظام مُستنزفاً في معركته! حيث أنه من الخطأ وبحسب المنطق العسكري، ترجيح حصول ذلك اليوم، في ظل نظامٍ بات أقرب من تحقيق الإنجازات، مدعوماً من روسيا وإيران وحزب الله، والذين باتوا في موقعٍ أقوى. لذلك يمكن وضع الحديث عن الخيار العسكري في خانة التهويل، وإن كانت الحماقة الغربية والجموح الأمريكي نحو منع إنتصار النظام، قابلة لجعله خياراً فعلياً. فماذا في التخوف الأمريكي؟ وكيف فشلت رهانات الغرب في سوريا؟

الخوف من إنجازات الميدان السوري

تعيش واشنطن قلقاً كبيراً من إنجازات الميدان السوري التي يحققها النظام وحلفاؤه. خصوصاً في ظل الحديث عن قرب تحرير حلب بعد أن شُدَّ الخناق في الأيام الأخيرة على المسلّحين في الأحياء الشرقية للمدينة. في وقت خرجت فيه التحليلات العسكرية لتتحدث عن إمكانية حصول إنجازٍ نوعي في جبهة الجنوب أيضاً، يؤدي الى تحرير درعا. كل هذه الحقائق، باتت تعرفها واشنطن، لذلك خرج الحديث عن توجهٍ نحو الحل العسكري.

تسريبات تتحدث عن توجهٍ للحل العسكري

أمس أعلن المتحدث باسم البيت الأبيض “جوش إرنست”، أن القيام بعمليات عسكرية ضد النظام السوري والرئيس الأسد هو أمر غير مُستبعد. لكنه شكَّك في أن تلك الغارات، والتي تهدف إلى تسوية الأوضاع في حلب، قد لا تحقق أهدافها التي يُروِّج لها الكثيرون وتحديداً تخفيض مستوى العنف بحسب تعبيره. معتبراً أنه من المرجح أن تُسبِّب عواقب غير محسوبة لا تتوافق مع المصالح القومية الأمريكية، واضعاً الأمر في خانة الدراسة لا أكثر.

وكانت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية كشفت يوم الثلاثاء المنصرم، عن وزارة الخارجية الأمريكية ووكالة المخابرات المركزية والهيئة المشتركة لرؤساء أركان القوات المسلحة الأمريكية، عن نقاش بدأ حول خيارات التدخل في سوريا عبر شن ضربات جوية على مواقع الجيش السوري. وهو ما قامت موسكو بتأكيد إمكانية حصوله من قبل أمريكا وحلفائها، عبر تصريحات لرئيسة الإتحاد الروسي، ونائب وزير الخارجية، حيث أكدا أن مخاوف جدية موجودة من إمكانية عودة واشنطن نحو الحل العسكري.

التحرك الروسي العسكري

من جهتها خرجت وزارة الدفاع الروسية لتؤكد على ضرورة قيام واشنطن بالتفكير قبل أي عملٍ عسكري، أو مهاجمة مواقع قوات النظام السوري، مؤكدةً أن أي غارات على الأراضي التي يسيطر عليها الجيش السوري سيعتبر تهديدا للعسكريين الروس. معلنةً أنه تم اتخاذ تدابير استثنائية لمنع الضربات على الجيشين الروسي والسوري في سوريا. فيما أكدت صحيفة “برافدا” الروسية، أن موسكو ردَّت على التهديدات الأمريكية برسالة عملية من العيار الثقيل، عبر تسليم دمشق أنظمة الدفاع الجوي “أس 300” وتحديداً منظومات “SA 23 Gladiator” وهي النسخة المُعدَّلة الأحدث لمنظومة “أس 300” الصاروخية.

تحليل ودلالات

لا شك أن عدداً من الأسباب تقف خلف السلوك الغربي الذي يبدو مرتبكاً وبعيداً عن الواقع. وهنا نُشير للتالي:

أولاً: إنه لمن الواضح أن الجيش السوري يسير نحو الإنتصار في حلب. بل إن المعنيين العسكريين لدى كافة الأطراف، يجدون في مسألة حسم المعركة في حلب مسألة وقت. وبالتالي فإن التهويل الغربي والتخبط الأمريكي دليل على إفلاس واشنطن وحلفائها في الميدان السوري. وهو ما قاد لهذا التوجه، ولو أن أمريكا أعلنت أنه في خانة الدراسة فقط. فيما ينظر الأمريكيون بقلق، لنتائج تحرير حلب، وما يعنيه من نفوذٍ للجيش السوري وقدرته على تحرير كافة المناطق السورية.

ثانياً: إن إنتصار حلب وما يعنيه من مقدمة لإعادة بسط الجيش السوري لنفوذه على الأراضي السورية بشكلٍ شبه تام، يعني سقوط كافة الرهانات الغربية في سوريا. وهو ما يجعل المعنيين يقفون عند الخيارات التي قد يلجأ إليها الغرب، والتي من ضمنها الحل العسكري. لكن التهديد الأمريكي الغربي لا يمتلك حتى الآن أي أرضية للتحقيق، وإن كان ممكناً. حيث بات النظام السوري وحلفاؤه من روسيا وإيران وحزب الله، أقوى في الميدان. مما يعني أن الخيار يقع حتى الآن في خانة التهويل.

ثالثاً: يبدو واضحاً أن الغرب بات يتعاطى مع النتائج المفروضة، وهو بالتالي ينظر بقلق لتأثير تغيُّر المعادلات في سوريا على صعيد المنطقة والعالم. وهنا يمكن القول إن الغرب بدأ يعترف بخسارته ليس في سوريا وحسب بل على نطاقٍ أوسع يتعدى الإقليم. في حين لم يعد لديه خيارات أكثر من التهويل لإبراز القوة، خصوصاً أنه خسر كافة رهاناته حتى الآن.

رابعاً: على الصعيد الدولي، إن خروج النظام منتصراً بعد خمس سنوات يعني عودة سوريا الأسد الى قلب المعادلات الإقليمية والدولية، وهو الأمر الذي من المرجح أن تسعى أمريكا لمنعه بأي ثمن. في حين ما تزال الخيارات العسكرية داخل إطار التهويل لا أكثر. كما أن نتائج الحرب في سوريا، لا تعني فقط خروج روسيا من عزلتها، بل تعني عودتها بقوة نحو الميدان الدولي بشكلٍ يُبرزها أقوى من أمريكا لا سيما في الشرق الأوسط. فيما باتت إيران التي ترأس محور المقاومة، شريك روسيا الضروري، والذي لم تجد أمريكا حتى الآن أسلوباً لردعه بعد أن وصلت لشواطئ المتوسط الشرقية.

خامساً: على الصعيد الإقليمي، فإن معادلات الحرب السورية، أنتجت اليوم رقماً صعباً جديداً في الأسلوب والقدرة. هذا الرقم هو حزب الله الذي بات رأس الحربة في الميدان السوري وعرَّاب الخيارات التي تحتاج لديناميكية الجيوش والتنظيمات. لينتقل في الميدان السوري، من قوة محلية الى قوة إقليمية، أثبتت قدرتها على التنسيق بين الأهداف المتعددة الجبهات، والتكيف بين تكتيكات الدفاع والهجوم. كل ذلك أمام مرأى وعيون الأمريكيين والإسرائيليين.

سادساً: إن التهويل الغربي وتحديداً الأمريكي، يأتي في خانة الضرورة لإبراز القوة. خصوصاً أن واشنطن تُدرك حاجتها للإنجاز والذي فشلت في تحقيقه. وهي من خلال التهويل تسعى لتحقيق مآرب داخلية تتعلق بالإنتخابات، لدفعها نحو فوز الديمقراطيين، خصوصاً بعد أن تقاربت نسب فوز كلا الطرفين كلينتون أو ترامب.

سابعاً: من المُتيَقَّن أن أمريكا ستسعى بكافة الوسائل المتاحة لها، لمنع إنتصار النظام في سوريا، لما يعنيه ذلك من نتائج. وهنا ومن هذا المنطلق فإن الخيار العسكري بالشكل المطروح يبقى في خانة الممكن. في حين قد تلجأ واشنطن لخيار دعم المسلحين بشكل عسكريٍ محدود من خلال توجيه ضربات محددة تساهم في تعديل الجغرافيا السورية بالتزامن مع مدِّهم بالسلاح الكاسر للمعادلات العسكرية الحالية. فيما أشارت العديد من التقارير والتي منها تقارير أمريكية، الى وصول أسلحة جديدة ومتطورة الى المسلحين في الأيام القليلة الماضية.

يبدو واضحاً أن الأزمة السورية باتت أزمة أكبر من نطاق الجغرافيا السورية. فالدول والأطراف المعنية بالأزمة، والتي أصبحت معروفة في اصطفافاتها، لن تقبل بالعودة الى الوراء، خصوصاً لناحية حفظ الإنجازات أو منع الخسارات. لكن احتدام المشهد الدولي، وإمكانية اللجوء لخيارات حمقاء، لا يبدو أنه يصب في صالح أحد. وهو ما أكدته واشنطن في مضمون كلامها عن الخيار العسكري أمس. في حين نجد أن الواقع السوري، بات عرَّاب المعادلات. لنقول إن الغرب ومن خلال التهويل بالحل العسكري، أعلن إفلاسه في سوريا، وبالتالي خسارته على الصعيد الذي تمثله وتعنيه الأزمة السورية. وهو ما بات يستدعي إبراز القوة. على أمل أن يكون هذا الحشد العسكري، إستعراضاً لا يصل لمرحلة التنفيذ!
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق