الخطوة الثانية للتحالف الغربي- العربي في اليمن
بعد إتهام الناطق الرسمي باسم حركة أنصار الله في اليمن “محمد عبد السلام” قبل عدّة أيام لدولة الإمارات العربية بإدارة مشروع وصفه بـ “القذر” يهدف إلى تقسيم بلاده والمشاركة المباشرة في العدوان المتواصل عليها منذ أكثر من ثمانية عشر شهراً والذي أدى إلى مقتل وجرح الآلاف أكثرهم من المدنيين العزل وتدمير البنى التحتية في مختلف المجالات، بدأت التساؤلات تثار بشأن خلفيات وأبعاد هذا المشروع خصوصاً وأن الإتهام قد أشار أيضاً إلى إحتلال الإمارات لعدد من الجزر اليمنية.
وكان موقع “جلوباليست” الأمريكي قد أشار في وقت سابق إلى أن السعودية تتجه نحو تنفيذ ما أسماه بـ “الخطة ب” التي تهدف إلى تفكيك وتقسيم اليمن، بعدما فشلت جميع محاولاتها في فرض سيطرتها عليه سواء من خلال العدوان العسكري أو دعم الجماعات الإرهابية والإنفصالية. وذكر الموقع أن التبريرات التي ساقها السفير السعودي في أمريكا “عبد الله آل سعود” خلال حديثه قبل مدّة لصحيفة “وول ستريت جورنال” بشأن عدوان بلاده على اليمن لم تكن مقنعة.
وأضاف الموقع أن السعودية التي تعمدت تدمير البنى التحتية في اليمن على غرار ما فعلته أمريكا في العراق، كانت قد سعت طيلة العقود الماضية لإجهاض أي مشروع يهدف إلى تحقيق الوحدة اليمنية من خلال دعم السياسيين الجنوبيين والجماعات الإنفصالية، مشيراً إلى أن الإستراتيجية العسكرية المتبعة من قبل السعودية والتي تتسم بالقسوة والوحشية، تهدف أيضاً إلى تدمير أجزاء من اليمن كمقدمة لإحداث تقسيم دائم في هذا البلد من خلال دعم الجماعات الموالية لها ومن بينها التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها “داعش” و”القاعدة” التي نمت وترعرعت في ظل الفوضى القائمة لاسيّما في المناطق النائية.
يأتي هذا في وقت بدأت فيه الصحافة الغربية منذ مدّة بفضح الدور السعودي في دعم الإرهاب في اليمن، ولعل أوضح مثال على ذلك هو تصريحات الإعلامي الأمريكي المعروف “توماس فريدمان” من صحيفة نيويورك تايمز، والمقرب من الإدارة الأمريكية، الذي زار الرياض مؤخراً والتقى بعدد من مسؤوليها المتنفذين وفي مقدمتهم ولي العهد “محمد بن نايف” وولي ولي العهد ووزير الدفاع “محمد بن سلمان”.
وأشار فريدمان إلى أن السعودية تواجه حالياً مشاكل كبيرة وأزمات كثيرة بينها الأزمة الاقتصادية بسبب تردي أسعار النفط، وتورطها في حرب لا تعرف لها نهاية في اليمن، والتي تكلف الرياض نحو 200 مليون دولار يومياً، أي 6 مليارات شهرياً، أي 72 مليار سنوياً، بالإضافة إلى الأموال الطائلة التي تنفقها على الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق ومناطق أخرى، وهذا الأمر بات معروفاً لدى القاصي والداني.
ورغم حرص السعودية والإمارات في عدم البوح علناً بنوايا التقسيم وإبقائه طي الكتمان إلى حين إستكمال الترتيبات اللازمة لذلك، إلاّ أن مسار الأحداث على أرض الواقع ومجموعة من التصريحات لقيادات وشخصيات مقربة من الحكومتين السعودية والإماراتية يميط اللثام عن بعض ملامح المخطط وعناوينه العريضة ويتمثل أبرزها في التوجه نحو تقسيم اليمن إلى كيانين على أساس مذهبي، الأول شيعي يشمل إقليم أزال أو المحافظات ذات الغالبية الزيدية (صنعاء، ذمار، عمران، وصعدة) والثاني سنّي يضم المحافظات ذات الغالبية الشافعية (تعز، إب، الحديدة، مأرب، البيضاء، ريمة) وتقسيم المحافظات الجنوبية إلى كيانين أيضاً على أساس جغرافي، يضم الأول المحافظات الشرقية (شبوة، حضرموت، المهرة، أرخبيل سقطرى) والثاني المحافظات المنضوية في إقليم عدن (عدن، أبين، لحج، والضالع).
وهناك الكثير من الأمثلة الدالة على وجود مثل هذا المشروع بينها تغريدات ضاحي خلفان نائب رئيس شرطة دبي التي تدعو إلى إقامة كيان سنّي في المناطق الشافعية باليمن ومحاصرة الزيديين في إقليم أزال، بالإضافة إلى التصريحات الصادرة عن شخصيات يمنية مقربة من السعودية والإمارات والتي تؤكد ضمناً المضي نحو إقامة دويلة في الجنوب، وكذلك تصريحات المسؤولين السابقين في حكومة منصور هادي التي تتضمن تلميحات إلى إقامة “الدولة الحضرمية”، وتعتبر تغريدات خالد بحاح نائب الرئيس السابق والمحسوب على الإمارات الأبرز في هذا المجال. وهناك تسريبات عن قرب عقد إجتماع لشخصيات يمنية إنفصالية أغلبها مقيم في أبوظبي لذات الهدف.
وما يلفت الإنتباه هنا، أن أكثر التصريحات المجاهرة بالإنفصال والمتحمسة له كانت تصدر عقب أو أثناء الزيارات المتكررة للشخصيات السالفة الذكر إلى الرياض وأبوظبي، كما حصل في دعوة محافظ عدن “عيدروس الزبيدي” الأخيرة بشأن تشكيل كيان سياسي سنّي في الجنوب.
ويعتقد بعض المراقبين بأن المشروع السعودي – الإماراتي يهدف إلى تقسيم اليمن إلى منطقتين الأولى في الشمال الذي تسيطر عليه حركة أنصار الله المدعومة من قبل حزب المؤتمر الشعبي بقيادة الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح، والأخرى في الجنوب الذي تتنازع عليه أربع جهات هي جماعة الإخوان المسلمين، جبهة الحراك الجنوبي، القوات الموالية لمنصور هادي، والتنظيمات الإرهابية كـ “القاعدة” و”داعش”. كما يعتقد هؤلاء بأن هذا المشروع يهدف كذلك إلى إيجاد منطقة آمنة للجماعات الإرهابية على غرار السيناريو الذي تسعى أمريكا والدول الحليفة لها لتنفيذه في شمال سوريا، مشيرين إلى أن السعودية والدول الموالية لها خصوصاً الإمارات ومن أجل تنفيذ هذا المشروع يسعون في الوقت الحاضر إلى تأجيج النزاعات الداخلية في اليمن لاسيّما الطائفية والقبلية بهدف إضعاف حركة أنصار الله والقوى الداعمة لها. فيما يرى آخرون بأن السعودية تسعى أيضاً من خلال دعم هذا المشروع إلى إبعاد شبح الجماعات الإرهابية عن أراضيها وذلك عن طريق دعمها المتواصل لهذه الجماعات بالمال والسلاح لارتكاب المزيد من الجرائم في اليمن واقتطاع أجزاء أخرى من أراضيه لتشكيل منطقة مستقلة في إطار مشروع التقسيم الذي أشرنا إليه خلال البحث.
أخيراً ينبغي التأكيد على أن السعودية والدول الحليفة لها ومن بينها الإمارات سوف لن تكون في مأمن من تداعيات الأوضاع الأمنية المتدهورة في اليمن سواء تواصل العدوان العسكري على هذا البلد أو حصل شيء من قبيل التقسيم الطائفي أو الجغرافي أو ما شابه ذلك، وهذا ما أثبتته التجارب السابقة، لأن عدم الإستقرار في اليمن أو أي دولة إقليمية أخرى سيخلف وراءه الكثير من المشاكل للدول المجاورة ومن بينها إنتشار الجماعات الإرهابية إلى داخل أراضي هذه الدول التي لم تتعود شعوبها بعد على خوض مثل هذه الأزمات بسبب إنشغال الإرهابيين بتنفيذ مخططات وأجندات خارجية في مناطق أخرى في المنطقة لاسيّما في العراق وسوريا.
المصدر / الوقت