يث يؤثر توتر العلاقات الأمريكية الفلبّينية على مستقبل أمريكا في شرق آسيا
بعد وصول الرئيس أوباما إلى سدة الحكم خلال العقد الأخير، أعلن أن آسيا ستكون محور السياسة الخارجية لأمريكا، إلا أن هذه التوجه يبدو أنه سيشهد تراجعاً في السنوات القادمة، وذلك في ظل التغيير الحاصل في خريطة التحالفات الأمريكية في دول المحيط الهادي.
فالفلبّين التي تُعتبر من أقدم حلفاء أمريكا في المنطقة، والتي ترجع علاقاتها معها إلى 65 عاماً مضت، بدأت تنتهج نمطاً مغايراً في علاقاتها مع أمريكا، وذلك بعد انتخاب الرئيس الفلبيني الحالي “رودريغو دوتيرتي” الذي كال الكثير من الشتائم للقادة الأمريكيين بما فيهم الرئيس أوباما، وأعلن أن نيته طرد القوات الأمريكية الخاصة من الفلبين، وتجميد التدريبات البحرية معها، ولم يكتف دوتيرتي بهذا الكم من الحرب الكلامية، بل انتقد سياسة أمريكا في الشرق الأوسط، حيث أكد أن أمريكا هي من تستورد الإرهاب وليس الشرق الأوسط من يصدّره، وأن سياسة التدخل التى تنتهجها واشنطن هي التى أدت إلى وقوع هجمات على الأراضى الأمريكية”
وبالرغم من أن دوتيرتي قد تذرع بالانتقادات الأمريكية العلنية له جراء حملة مكافحة المخدرات، لحربه الكلامية على أمريكا، إلا أن الواقع كما يصفه المراقبون هو شيء آخر تماماً، ويتعلق بصراع التحالفات والتنافس الأمريكي الصيني على النفوذ في الميحط الهادي.
ولا شك بأن تصريح دوتيرتي بأن “الصين حاليا تمتلك النفوذ ولديها أفضلية عسكرية في المنطقة”، كان وقعه أشد على أمريكا من الكلمات النابية التي خاطب بها دوتيرتي نظيره الأمريكي باراك أوباما، كما أن دوتيرتي لم يكن ليغامر برفع نسبة التوتر مع الحليف الأمريكي لولا اسناد ظهره للصين التي يرى فيه خياراً بديلاً لأمريكا، وكان دوتيرتي قد هدد أمريكا بالانحياز للروسيا والصين قائلاً: “قد أقطع الصلة في نهاية المطاف وفي الوقت الذي أختاره مع أمريكا. وقد أذهب إلى روسيا والصين.”
ويشكل النفوذ الصيني في المحيط الهادي نقطة قلق للأمريكيين وذلك لأن نصف الشحنات التجارية في العالم تتدفق عبر البحر الصيني الجنوبي، حيث تخشى الولايات المتحدة أن بكين تعتزم تحويل هذه المياه الحاسمة إلى “بحيرة صينية”، وعلى هذا تقوم المصالح الحيوية لأمريكا مع الفلبين، حيث دعمت أمريكا جهود مانيلا في المحاكم الدولية حول الحدود المائية مع الصين في بحر الصين الجنوبي، لتقليص سيطرة الصين على هذه المياه الهامة.
في هذه الأثناء تبذل الصين جهود كبيرة لفرض سيطرتها على تلك المياه، ويبدو أن روسيا التي أقامت مناورات عسكرية مشتركة مع الصين في بحر الصين الجنوبي، تعمل أيضاً على الحد من نفوذ أمريكا في المحيط الهادي، وبالرغم من أن لأمريكا حلفاء آخرين في هذه المنطقة الحيوية، كاليابان مثلاً، إلا أن انسحاب الفلبين من محور حلفاء أمريكا، يضع اليابان في صراع مباشر مع الصين، وهو ما لاترغبه اليابان بالطبع خاصة في ظل التوتر القديم بين البلدين. كما أن بقية حلفاء أمريكا لن يخاطروا باستعداء الصين في ظل الموقف غير الثابت لأمريكا في المنطقة.
قد لا تكون الفلبين تنوي الاستدارة بشكل كامل نحو الصين، كما من الصعب القول بأنها تريد قطع علاقاتها الحيوية مع أمريكا بشكل جذري، إلا أن الشيء المؤكد أن الفلبين ورئيسها دوتيرتي، يقرؤون جيداً خريطة الصعود والنزول في قدرات القوى العظمى في المنطقة، ويلحظون تراجع النفوذ الأمريكي لصالح الصين، وتراجع التحالفات الأمريكية مع الدول الأخرى المطلة على بحر الصين الجنوبي، كتايلند التي شاب علاقتها مع أمريكا الفتور جراء الانتقادات الأمريكية لانقلاب مايو 2014 الذي قام به جنرالات الجيش في بانكوك للسيطرة على الحكم، وكمبوديا التي انحازت مؤخراً إلى الصين مقابل دعم اقتصادي كبير. هذا التراجع الأمريكي يشكل فرصة للفلبين من أجل ابتزاز أمريكا ومحاولة تحصيل منها مزيد من الامتيازات.
إلا أن هذا التوتر والتراجع في العلاقات بين أمريكا والفلبين، قد يجر بقية الدول الحليفة لأمريكا في المنطقة، لمواقف مشابهة، ففي حال اختلال التوازن في القوى لصالح الصين، فإن هذه الدول لن تغامر بالانحياز للأضعف ضد جارتهم الكبرى، وبالتالي قد يكون التحول الفلبيني في العلاقة مع أمريكا والتي عبر عنها المسؤولون الصينييون “بالتحول الكبير”، بداية لتحول في مواقف بقية دول بحر الصين الجنوبي، مما يعني انحسار كبير للنفوذ الأمريكي في المحيط الهادي.
المصدر / الوقت