سلوك منظمة التعاون الإسلامي: تسويقٌ لسياسة السعودية ومُتاجرة بدم الشعب السوري!
لم تصل منظمة التعاون الإسلامي الى المستوى الذي وصلت اليه اليوم، خصوصاً عبر ظهورها وكأنها الناطق بإسم الرياض، بدل أن تكون ناطقاً بإسم مصلحة المسلمين. وهو الأمر الذي استغربه الكثير من المراقبين العرب، الذين انتقدوا سكوت المنظمة عن جرائم واضحة بحق الإنسانية كجرائم الکيان الإسرائيلي في غزة، وجرائم العدوان على الشعب اليمني. في حين خرجت المنظمة بكلامٍ تجييشيٍ بدت وكأنها تتحدث بإسم السياسة السعودية تجاه الملف السوري. فكيف سعت المنظمة من خلال اجتماعها بتجيير قضايا المسلمين خدمة للسعودية؟ وما هي دلالات ذلك والآثار المترتبة عنه؟
اجتماع منظمة التعاون الإسلامي: تجيير قضايا المسلمين خدمة للرياض
خرج بيان منظمة التعاون الإسلامي ليصف الوضع في سوريا بالمتأزم، لافتاً إلى أنها على وشك الإنهيار في حال لم يتدارك المجتمع الدولي خطورة الوضع، ويعمل على وقف النزيف بحسب تعبیره. وشدد البيان الذي قرأه “طارق بخيت” المتحدث باسم المنظمة، على هامش الإجتماع الطارئ الذي عُقد منذ يومين في مقر المنظمة في جدة، على أن الدور الذي ستلعبه المنظمة في الوقت الراهن هو جمع الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي لتقديم موقف واضح مما يجري في سوريا خاصة في حلب.
وكان كلام البخيت مطابقاً تماماً لكلام أمين عام المنظمة “أياد مدني” حيث انتقد الموقف الروسي تجاه الأزمة السورية خصوصاً في ظل الوضع الإنساني المتأزم. معتبراً أنه يجب إصلاح مجلس الأمن والعمل على تعزيز الشفافية فيه نتيجة سلوك روسيا. واصفاً ما يجري في حلب بالجريمة والتي لا يجب استخدام الفيتو ضدها.
ودعا الإجتماع الطارئ إلى عقد اجتماع آخر للجنة التنفيذية على مستوى القمة الإسلامية لبحث الأوضاع المتدهورة في سوريا خاصة في حلب تنفيذاً للقرار الصادر عن القمة الإسلامية الـ13 المنعقدة في إسطنبول لتقريب مواقف الدول الإسلامية الأعضاء، وإنهاء الحرب في سوريا والنزاعات في العالم الإسلامي. ودان الإجتماع النظام السوري لتصعيده العمليات العسكرية داعياً إلى محاسبة النظام وأن تتحمل روسيا والدول الأخرى التي تدعمه مسؤولية استمرار هذه الإنتهاكات.
من جهته وصف القنصل العام لدولة الكويت ومندوبها لدى منظمة التعاون “وائل العنزي” الموقف الدولي بأنه وصمة عار في جبين الإنسانية. مضيفاً أن ما يحدث في حلب وبقية المدن السورية من مجازر بحسب تعبيره، لا يمثل فقط جريمة بحق الإنسانية وإنما انتهاكاً صارخاً للمعاهدات الدولية، والقانون الدولي الإنساني، ولكل الأديان السماوية والقيم والمبادئ والأعراف والفطرة الإنسانية السليمة.
دلالات الإجتماع العاجل وقراراته
عدة أمور يجب تسليط الضوء عليها، تعتبر من دلالات الإجتماع نُشير لها في التالي:
أولاً: هناك محاولة من قبل المنظمة، لتهميش جرائم الحرب السعودية في اليمن، ومنعها من أن تكون موضوع الرأي العام العربي والإسلامي خصوصاً بعد أن شغلت مجزرة صنعاء الأوساط العربية والإسلامية. في حين لم تقم المنظمة بإدانة العدوان على اليمن أو حتى الحديث عن سلوك السعودية تجاه ذلك.
ثانياً: التركيز على حلب وكأنها معضلة العالم الإسلامي، ومحاولة الترويج لتأزم الوضع الإنساني فيها. وهنا لا نقول بأن حلب لا تعاني من أزمة إنسانية، بل نسأل عن السبب الذي يدفع المنظمة لتغيير الحقائق، وتحميل المسؤولية للنظام السوري، وهو ما يتطابق مع المنطق الغربي والأمريكي في مقاربة الأزمة السورية لا سيما موضوع حلب.
ثالثاً: تسعى المنظمة لجعل السعودية محور العالم الإسلامي، وإعادة الدور القديم للرياض، لا سيما في ظل تراجع هيبة السعودية بعد تراجع دورها في المنطقة. وهو ما عزَّزه العدوان على اليمن، البلد العربي الجار للسعودية، والمجازر التي حصلت فيه. مما جعل العالم العربي ينتفض على مستوى الشعوب ضد سياسة السعودية تجاه المنطقة. وهو ما جاء في ظل توجه دولي ولو ظرفي لعزل السعودية خصوصاً في ظل الجدل الحاصل حول تراجع في العلاقات الأمريكية السعودية اليوم.
نتائج وآثار سلوك المنظمة الحالي
إن عدداً من النتائج والآثار ستترتَّب على هذا السلوك نوجزها بالتالي:
أولاً: سيُضعف السلوك الحالي للمنظمة دورها، على الصعيدين العربي والإسلامي. إذ أن الشعوب الإسلامية تنتظر من الأطراف المعنيين ومنهم المنظمة، القيام بدور شامل يتوافق مع رؤية هذه الشعوب تجاه القضايا العربية لا سيما المتعلقة بالصراع مع الکيان الإسرائيلي ومحاربة السياسة الأمريكية. وهو ما لم تجده الشعوب في سلوك المنظمة. مما يجعلها ناطقة بإسم طرف واحد وواضح وهو السعودية، ويجردها من إمكانية القيام بدورها على المستويين الظرفي والإستراتيجي.
ثانياً: لم يكن من المتوقع أن تخرج المنظمة لتُتاجر بدم الشعب السوري كما فعلت الدول الخليجية. بل إن لذلك انعكاسات كبيرة لا سيما لناحية زيادة الشرخ في العالم الإسلامي، وإيجاد حليف للمسلحين الإرهابيين في سوريا، يدعمهم من الناحية المعنوية. وهو ما مثَّله كلام المنظمة، لا سيما بعد الوقوف في وجه الدولة السورية الشرعية واعتبارها سبباً للجرائم التي تحصل في سوريا عموماً وحلب خصوصاً. وهو ما يُثير التساؤل حول مصلحة المسلمين من الوقوف الى جانب الإرهاب. فيما يعرف الجميع أن التفسير الوحيد لذلك لا يمكن أن يكون إلا في محاولة المنظمة تجيير سلوكها تجاه سوريا لصالح السياسة السعودية ومن خلفها السياسة الغربية.
ثالثاً: إن التغاضي عن جرائم الکيان الإسرائيلي في غزة ضد الشعب الفلسطيني والتي تحصل أسبوعياً، وعدم التطرق لما يجري في اليمن من منطلق مظلومية الشعب اليمني، يُعيد طرح أهلية المنظمة للحديث عن قضايا المسلمين. في حين يجب القول إن المرحلة حساسة وتحتاج الى مواقف مسؤولة، وليس الى جهات تتخذ من الدين واجهتها لكنها تنطق بسياسة الإستكبار العالمي.
إذاً يبدو واضحاً أن السعودية سعت وما تزال لإلغاء دور العديد من الأطر الجامعة للعرب والمسلمين، وتجييرها نحو أهدافها. فيما تتخبط هي في نتائج سياستها الفاشلة على الصعيدين الداخلي والخارجي. في ظل هذه الظروف، خرجت منظمة التعاون الإسلامي لتنطِق بإسم السعودية. في وقتٍ كان سلوكها عبارة عن تسويقٍ لسياسة السعودية ومُتاجرة بدم الشعب السوري!
المصدر / الوقت