لماذا “الکیان اسرائيلي” أكثر خطورة من تنظيم داعش؟
لطالما تربّع الكيان الإسرائيلي على عرش التهديدات الأكثر خطورة بالنسبة للشعوب العربية والإسلامية. لكن، الحقبة التي تلت ما يسمّى بـ”الربيع العربي” أفضت إلى واقع مختلف يجعل الجماعات الإرهابية المسلّحة تحتل صدارة المشهد الإرهابي لدى شريحة واسعة في المنطقة.
التنظيم الإرهابي الأبرز، “داعش”، بات يشكّل الأولوية بالنسبة لدول المنطقة وأنظمتها، واضعاً تهديد الكيان الإسرائيلي إما على الرفّ، أو في المرتبة الثانية، وربّما الثالثة، بعد القاعدة وأخواتها.
وفي الحقيقة، إن مواجهة هذه الجماعات الإرهابية لا تقل أهميّة عن مواجهة التحدي الذي تطرحه “اسرائيل”. فالأزمات الإقليمية التي تعصف بالمنطقة منذ أكثر من خمس سنوات، ربّما أرجأت خطر حروب اسرائيلية جديدة، نظراً لأن الأخيرة هي المستفيد الأبرز في الأوضاع الحاليّة، إلا أن التهديد المتعدد الأوجه، الذي تشكله “تل أبيب” بنزعتها العدوانية ومشاريعها الاستراتيجية، بعيدة الأمد، هو تهديد أكبر بكثير للمنطقة من سفاحي داعش نظراً لمشروعهم التدميري الغير قابل للحياة.
وخلال السنوات الخمس الماضية، سجّل ” الکیان الاسرائيلي” العديد من المنافع له. ومن بينها تدمير دول المنطقة واستنزاف الجيوش العربية في سوريا والعراق ومصر وغيرها، وحرف البوصلة عن وجهتها الأصلية فلسطين وقبلتها الأولى القدس، وكذلك، تهيئة الأرضية المناسبة لإنشاء “كانتونات” صغيرة على أساس عرقي تارةً، ومذهبي أخرى.
وبسبب الخوف من أي خطوات قد تعطي الإسرائيليين ذريعة التدخّل العسكري الواسع في الأزمة السورية، حقّق الکیان الاسرائیلی المزيد من المكاسب أيضاً. وقد شملت هذه المكاسب اللعب من تحت وفوق الطاولة مع الجماعات المسلّحة في الجنوب السوري، تحت ذريعة المساعدات الإنسانية تارةً، وعلاج الجرحى أخرى. ولعل آخر فصول هذا الواقع هو ما نشرته صحيفة “كولنر شتات انتسايفر” الألمانية في المقابلة التي أجراها السياسي الألماني المعروف، “يورغين تودنهوفر” مع المدعو “أبو العز” أحد قادة جماعة “جبهة النصرة” الذي قال: إن “إسرائيل” تقدم العون لجبهة النصرة.
وتكثر الأدلّة على سلوك الکیان الإسرائيلي المخادع والعدواني. فهي الداعم الأبرز لـ”جبهة النصرة” الإرهابية في الجنوب السوري. كما تدعم إقامة دولة مستقلة للأكراد الذين يبيعون نفطهم لـ”الکیان الاسرائيلي” ويتلقّون الدعم العسكري. هذا ما أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مطلع العام الجاري خلال مؤتمر نظّمه معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، عندما تحدّث دعم بلاده لقيام دولة كردية مستقلة عن العراق.
وفي فلسطين المحتلّة، عمدت السلطات الإسرائيلية إلى سلسلة من الإجراءات العدوانية بدءاً من الاستيطان الذي انتشر كالنار في الهشيم خلال حقبة “داعش”، الذي شكّل بدروه غطاءً “شرعياً”لهذه الخطوّة، وليس انتهاءً بتشديد الحصار المفروض على شواطئ قطاع غزة المحاصر للعام العاشر على التوالي. بعبارة أخرى، لم تنحسر أي من الأنشطة العدوانية الإسرائيلية عقب الظهور الداعشي؛ بل على العكس من ذلك، أصبحت تل أبيب أكثر عدائية على كافة الجبهات.
وفيما يتعلّق بمظاهرات شعبية كان من المفترض أن تؤسس لواقع ديمقراطي جديد، كان الأمريكيون، ومن خلفهم الكيان الإسرائيلي، بارعون في ركوب الموجّة والزّج بالآلاف من الإرهابيين من مختلف دول العالم في منطقتنا، وقد أدّت بعض دول المنطقة دوراً لوجستياً بارزاً في هذا المشروع المعدّ مسبقاً، وتحديداً منذ أن سقط مشروق الشرق الأوسط الجديد في العام 2006. الکیان الإسرائيلي، أدّی دور الفريق الضعيف بطريقة ممتازة. وخلال المنتصف الثاني من العام الجاري، تسلم سلاح الجو الإسرائيلي، 73 مقاتلة من طراز “أف 35” الأمريكية الصنع، كما أنه نظراً للتحديات التي تواجه “إسرائيل” تم التوقيع على أكبر صفقة مساعدات عسكرية بين أمريكا وإسرائيل بلغت38 مليار دولار.
اليوم، وفي ظل مرور القضية الفلسطينية في مرحلة هي الأحرج تاريخياً على الإطلاق، يتعيّن على الأنظمة والشعوب، التي تتخذ من القضية الفلسطينية بوصلةً لها، العمل معاً الآن لمنع الکیان الإسرائيلي من استغلال التواجد الداعشي لإعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للشرق الأوسط لصالحها. وبالتالي، منعها من الاستفادة من حالة عدم الاستقرار لتجاوز العتبة الفلسطينية والتأقلم مع محيطها العربي في نهاية المطاف، سواء قبل انتهاء صلاحية “داعش” أو بعده.
وقد تشمل مثل هذه الخطوات ضمان التقوقع الإسرائيلي في الداخل بعيداً عن محيطها، وبالتالي بقاءها في صدارة الصراع، مقابل بقاء القضية الفلسطينية في سلّم الأولويات. وبالإضافة إلى ذلك، تحتاج الدول، ذات الهوى الفلسطيني، إلى الضغط على الكيان الإسرائيلي بشأن استفزازته ومشاريعه العدوانية، وفي مقدّمة هذه الخطوات إيجاد جبهة مشتركة في مواجهة الجماعات التكفيرية. هنا يجب على النخب والمثقفين إعادة البوصلة إلى وجهتها فلسطين عبر الحضور الإعلامي، لاسيّما على وسائل التواصل الاجتماعي، الذي يزرع اليأس في نفوس الإسرائيليين وأعوانهم العرب على حدّ سواء.
ولم يفت الأوان بعد لإصلاح الانطباع بأن جزء من العرب يرى في الكيان الإسرائيلي جزءاً من الحل لمشاكل المنطقة، وليس المصدر الأساسي لعدم الاستقرار والتطرف في الشرق الأوسط. وبطبيعة الحال، قد تحارب “إسرائيل” بعض التنظيمات الإرهابية في سوريا كذريعة لإسقاط الرئيس الأسد، وفق ما أوصى رئيس مركز أبحاث الأمن القوميّ، والرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، الجنرال عاموس يدلين. هذه الخطوة قد تدخل، حيّز التنفيذ، وتعمل تل أبيب بتوصيات يدلين، في حال انتقلت واشنطن إلى “الخطّة ب”. وحتى لو ضرب الجيش الإسرائيلي، الذي نفّذ خلال الأشهر الماضية مناورات تحاكي التدخّل المباشر في الجنوب السوري، بعض الجماعات الإرهابية؛ يجب ألا يبقى أمراً مثيراً للدهشة واقع قيام الكيان الأكثر تطرفاً في العالم بمحاربة التنظيمات الأكثر تطرّفاً.
المصدر / الوقت