الإنتصارات من حلب حتى الموصل: تخبُّطٌ أمريكي أمام حلفٍ دوليٍ روسي إيراني!
لا يكاد ينتهي يومٌ حتى تخرج نتائج المعارك العسكرية والسياسية في المنطقة بين الطرفين الأمريكي والغربي من جهة والروسي الإيراني من جهة أخرى حتى تُنبئ بنتائج تصب في صالح الحلف الروسي الإيراني لا سيما في سوريا والعراق. فنتائج إجتماع موسكو، ودلالاته العديدة وضعت أمريكا كطرفٍ يتبلًّغ نتائج المشاورات بين روسيا وإيران وسوريا، دون أن يكون له أي تأثير حتى على الصعيد الكلامي. فيما يدعم الإنتصار السياسي لهذه الأطراف، تطورات ميدانية تتفاعل مع الإنتصارات المتتالية في حلب والموصل، في ظل وضعٍ تعيشه السياسة الأمريكية، يكاد يكون بعيداً كل البعد عن أحلام واشنطن وحلفائها. فكيف أعاد إجتماع موسكو تأكيد قوة الحلفاء في السياسة والميدان؟ ولماذا تخادع واشنطن من دون تحقيقها أي نتائج؟ وكيف باتت تحصد الخيبات المتتالية في سوريا والعراق أمام الحلف الدولي الروسي الإيراني المتين؟
نتائج إجتماع موسكو: قوة الحلفاء في السياسة تعكس قوتهم في الميدان
خرج الإجتماع الثلاثي في موسكو، والذي جمع وزراء الخارجية الروسي سيرغي لافروف والإيراني محمد جواد ظريف والسوري وليد المعلم، بعددٍ من التوافقات التي تُبرز القوة في الميدان بين هذا التحالف الذي بات أكثر من إقليمي. خصوصاً بعد أن أشارت صحيفة الأخبار اللبنانية، الى أن ما تم التوافق عليه سيُحدِّد مسار المرحلة الميدانية المقبلة في سوريا والعراق. وهو ما يعني التالي:
– وجود رؤية موحدة تُخالف ما يتم التروج له من وجود خلافات بين الأفرقاء لاسيما إيران وروسيا، حول طريقة التعاطي مع المرحلة الحالية. وهو ما تسعى لإبرازه الأبواق الإعلامية العربية والغربية دون وجود أي دليلٍ يُذكر. الأمر الذي أبرزته نتائج الإجتماع في موسكو وتحديداً الإتفاق على تفعيل خطوط التعاون الروسي ــ الإيراني بما يخدم عمليات مكافحة الإرهاب عبر إمكانية إعادة استخدام القاذفات الإستراتيجية الروسية لقاعدة همدان الجوية الإيرانية بعد التنسيق الروسي مع طهران.
– بات واضحاً أن الطرف الروسي لم يعد يُعير أي اهتمام للشروط الأمريكية، خصوصاً تلك التي تتعلق بالشأن السوري وتحديداً معركة حلب. بل إن روسيا باتت مُقتنعة أكثر من أي وقت مضى، بوجهة النظر الإيرانية القائمة على مبدأ عدم الثقة بأمريكا واعتبارها طرفاً مُخادعاً.
– أرسى الإتفاق الثلاثي مسألة المضي قُدماً في حسم معركة حلب. فيما أكدت مصادر صحيفة الأخبار، أن الأطراف اتفقت على وضع حدٍ للتدخل التركي عبر قوات “درع الفرات”، وضمن الأراضي السورية.
– تعزيز التعاون على الصعيدين الأمني والعسكري عبر ما يُسمى “غرفة بغداد” والتي تضم الأطراف الثلاثة بالإضافة الى العراق. وهو الأمر الذي سيُترجم بحسب المصادر، عبر دعم السلاح الجوي الروسي للجيش السوري والقوات العراقية منعاً لتمدد تنظيم داعش الإرهابي حيث تقتضي الحاجة.
واشنطن تخادع من دون نتائج
تمضى معركة حلب قُدماً دون إعطاء محاولات واشنطن وخداعها الدبلوماسي أي أهمية. في حين أعادت روسيا تأكيدها على ضرورة قيام أمريكا بالفصل بين الجماعات الإرهابية ومن تعتبرهم مُعتدلين. وهو ما أشار له وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس. فيما برز كلامٌ مهمٌ في تصريح وزير الخارجية الروسي، حول ذلك، حيث اعتبر أن توسيع موسكو لعملياتها العسكرية في سوريا، سيشمل ما تُسمى فصائل المعارضة المعتدلة بحسب تعبير لافروف والتي لا تريد أن تفصل نفسها عن تنظيمات النصرة وداعش الإرهابيتين. وهو ما سيجعلها أهدافاً مشروعة خصوصاً إذا استنزفت أمريكا الوقت المُتبقي والمتاح لها دون أن تُقدم أي تطور في هذا المجال. من جهتها اعتبرت واشنطن أن الأيام المقبلة ستشهد ضغطاً على مدينة الرقة مؤكداً وجود محاولات لخلق منطقة عازلة. في حين اتهمت أمريكا الطرف الروسي وحلفاءه بمنعهم وقف الأعمال العدائية، ورفضهم السماح لعملية تأمين المسعادات الإنسانية.
أمام هذين الموقفين يمكن قول التالي:
– يبدو واضحاً أن الطرف الأمريكي يفتقد للخيارات الإستراتيجية والتكتيكية الحالية في الملف السوري. وهو ما يجعله يُركز على سيمفونيته السياسية المعهودة والتي تسعى دوماً لتقديم الطرف الأمريكي كطرف غيور على المصلحة السورية وحماية المدنيين.
– ما يزال الطرف الأمريكي يُراهن على إحداث تغيُّرٍ في الميدان السوري الشمالي، وهو ما يُخالف آراء كافة الخبراء الإستراتيجيين الذين يجدون في كلام واشنطن محاولة لرفع معنويات الجماعات الإرهابية المنهارة.
– إن الحديث عن إنشاء منطقة عازلة بدعم تركي بالإضافة الى ما أشار له مستشار وزير الدفاع السعودي عن استعداد بلاده لأداء دور في العملية العسكرية المرتقبة في مدينة الرقة في حال طلبت واشنطن ذلك، هو محاولة لتحقيق نتائج ميدانية، يبدو واضحاً أنها صعبة الحصول، في ظل تطور الأحداث السريع لصالح محور الحلفاء.
أمريكا تحصد الخيبة في معركة الموصل
كما يبدو واضحاً حجم التخبُّط الأمريكي في الملف السوري، تعيش السياسة الأمريكية في العراق أزمة كبيرة أمام ميدانٍ يقوده العراقيون بالدرجة الأولى، لكن ليس كما تشتهي واشنطن. وهو ما أدى لإعلان أمريكا وقف عملية الموصل مؤقتاً. فيما يمكن توصيف وتحليل دلالات ذلك بالتالي:
– جاء إعلان واشنطن كمحاولة للضغط على بغداد خصوصاً في ظل الرفض العراقي لمشاركة القوات التركية وهو ما سعت أمريكا لفرضه بطرق غير مباشرة. لكي يكون لها طرف حليف ستستخدمه حتماً لتحقيق مآربها. في حين يجب الجزم بأن عدم وجود تنسيقٍ تركي عراقي سيعني بالنتيجة تفسير العراق لأي عملٍ عسكريٍ تركي بأنه اعتداء على السيادة.
– أشارت بعض المصادر الى أن الضغط الأمريكي أفضى لإيقاف مشاركة التحالف الدولي في المعركة، في حين يؤكد خبراء أن هذه المشاركة لم تكن أساسية وليست محط إعتماد العراقيين. خصوصاً بعد وجود معلومات تؤكد قيام واشنطن بدعم المسلحين الإرهابين في أكثر من منطقة في العراق خلال معركة الموصل الحالية خصوصاً المناطق الحدودية مع سوريا.
– إن أصل الرفض الأمريكي يؤكد عدم سير الأمور كما تشتهي السياسة الأمريكية. وهو ما يدل على حجم النجاح العراقي بتحقيق مصلحة العراق، خصوصاً بعد إعادة تعديل الخطة وإدخال “قضاء تلعفر” من ضمن المناطق التي يجب تحريرها من الإرهابيين وضمها للعملية وهو ما كانت تعارضه واشنطن بهدف ترك هذا المحور خالياً من أي قوة عسكرية، لدفع عناصر تنظيم داعش الإرهابي إلى الهروب عبره باتجاه منطقة البعاج المفتوحة والمتصلة بالحدود السورية.
– إن واشنطن ترفض وما تزال مشاركة قوات الحشد الشعبي في عمليات الموصل، وهو ما لم تستطع منعه، خصوصاً بعد أن استجاب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي والذي يُعتبر القائد العام للقوات العراقية المسلحة، لطلب تعديل الخطة القديمة عبر إدخال قضاء تلعفر ضمن العملية وأقرَّ رسمياً تسليم مهام ذلك لقوات الحشد الشعبي العراقية.
تعيش أمريكا أمام واقعٍ من الخيبات. واقعٌ يُمسك به الطرف الدولي الروسي العائد الى الساحة من بوابة الأزمة السورية. بالإضافة الى إيران الطرف الذي بات يُجيد حياكة السياسات العملية التي تتماشى مع مصالح شعوب المنطقة. وهو الأمر الذي دفع الأمور نحو نتيجتين: سوريا الأقوى من أي زمن، والعراق الموحَّد الذي بات قادراً على صياغة مصالحه ضمن حساباته الوطنية. لنقول أن الإنتصارات من حلب حتى الموصل ليست إلا إنعكاساً لحجم التخبُّط الأمريكي أمام الحلف الدولي الروسي الإيراني!
المصدر / الوقت