معركة الرقّة الأمريكية؛ “غضب الفرات” مقابل”درع الفرات”
تُحسن الادراة الأمريكية اللعب على وتر الخلافات، وتجييرها لصالحها، إلى درجة تجعلنا نسير خلف ما تقول، ونتحيّز لطرف ضدّ آخر ليصبّ تحيّزنا هذا، ولأي طرف كان، في صالح الادراة الأمريكية التي تضع شروط اللعبة.
لعل أكثر الأسئلة أهمّيةً بمعركة الرقّة، تلك التي تُطرح راهناً في الإعلام العربي والغربي حول الاطرف المشاركة فيها سواءً من قوات سوريا الديمقراطية “قسد” المدعومة أمريكيّاً، أو من تركيا الطامحة لفتح “الباب” سريعاً بعد أن باتت قوّات درع الفرات على بعد 12 كلم من المدينة السورية.
معركة الرقّة
وعلى وقع العملية العسكرية التي تجري في مدينة الموصل، المعقل الثاني للتنظيم الإرهابي “داعش”، أعلنت “قوات سوريا الديموقراطية رسمياً بدء العملية العسكري في اتجاه الرقة، مقرّ “الخلافة” الأوّل، تحت مسمّى “غضب الفرات”بدعم من التحالف الدولي، مطالبةً المدنيين في الرقة بالابتعاد عن مواقع مسلحي تنظيم “داعش” الإرهابي.
المتحدث العسكري باسم “قوات سوريا الديموقراطية”، التي تهيمن عليه وحدات حماية الشعب الكردية، طلال سلو أعلن الاحد وجود اتفاق مع “التحالف الدولي” بقيادة أمريكية على استبعاد أي دور لتركيا والفصائل السورية المتحالفة معها في معركة الرقة.
وأضاف: “اتفقنا بشكل نهائي مع التحالف الدولي على عدم وجود أي دور لتركيا أو للفصائل المسلحة المتعاونة معها في عملية تحرير الرقة”.
أسئلة عدّة تطرح نفسه اليوم هو التوقيت التي توليه واشنطن اهتماماً خاصّاً، أو حول الكيفية التي أرداتها واشنطن دون مشاركة أنقرة. زمانيّاً، جاءت اشارة انطلاق “معركة تحرير الرقّة” في وقت انتخابي بامتياز حيث أولت الصحف الأمريكي اهتماماً خاصّاً بالمعركة أمام الشعب الذي يتوجّه غداً إلى صناديق الاقتراع لتلاقيها الـ” إف.بي.آي” في منتصف الطريق عبر تبرئة المرشّحة الديمقراطيّة الأمريكية من بريدها الإلكتروني حيث أعلن جيمس كومي مدير مكتب التحقيقات الاتحادي الأمريكي (إف.بي.آي) إن “مراجعة جرت مؤخرا لرسائل بريد إلكترونية جديدة لم تغير ما توصل إليه المكتب بعدم وجود ما يبرر توجيه تهم لهيلاري كلينتون بشأن استخدامها خادما خاصا للبريد الإلكتروني”.
عندما نتحدّث عن لعب أمريكي على وتر الخلافات، نعي جيّداً ما نقول، حيث تصب نتائج المعارك القائمة في ريف حلب الشمالي بين مجموعات “درع الفرات” و”قسد” في صالح واشنطن التي ترتبط بعلاقات قويّة مع الطرفين، مستثمرةً العداء التاريخي بين الأكراد وتركيا في “بازار” الحرب السوري والعراقي.
وبعد ساعات قليلة على إعلان “قسد” عن بدء معركة الرقّة بإيعاز أمريكي، وصل رئيس الأركان الأميركي جوزيف دانفورد إلى أنقرة ليلتقي بنظيره التركي خلوصي أكار، لكن البيان الذي صدر عن الجيش التركي لم يتحدث عن تفاصيل ما دار في الاجتماع، رغم أنّه من المسلّم أن إعلان الأكراد “الأمريكي” الذي يستثني تركيا لم يغب عن الجلسة. وتناول اللقاء كذلك، حسب البيان التركي، “ضرورة” انسحاب القوات الكردية من مدينة منبج السورية.
شرق الرقّة وغربها
تعي واشنطن جيّداً خطورة الصدام المباشر، على نطاق واسع، بين حلفائها الأعداء، الأمر الذي يفسّر عبارة “انسحاب القوات الكردية من مدينة منبج السورية” في البيان الأخير. هنا يؤكد مراقبون على طرح أمريكي جديدة لتقسيم حلبة الصراع في شمال سوريا بين حلفاء واشنطن إلى شطرين. الشطر الأول، تسيطر عليه تركيا غرب الفرات، من شرق مدينة حلب مروراً بمدينة الباب وصولاً إلى مدينة جرابلس المحاذية لنهر الفرات.
وأما شرق الفرات، سيكون كرديّاً بامتياز، وبالتالي قد نشهد انسحاب كردي من منبج بضغط أمريكي (مصادر كردية رفضت أي خطوة مماثلة)،مقابل غضّ طرف تركي عن شرق الفرات، وفي كلتا الحالتين تعد واشنطن أحد أبرز الرابحين، باعتبار أن هذا التقسيم يوطّد أرضيّة مناسبة لأي مشروع استقلال كردي في الشمال السوري، تريده واشنطن كما الأكراد.
ولكن السعي الأمريكي لوقف الصراع بين الأكراد والأتراك، تخرقه الثقّة المفقودة من قبل الحلفاء بواشنطن، فقد أوضح ” عضو مجلس سوريا الديموقراطيّة”، ريزان حدّو ، أن “التعويل الحقيقي ليس على ضمانات التحالف، بل على صمودنا ومقاومتنا وهما كفيلان بردع الاعتداءات التركيّة”.
تبقى منطقة دير الزور مجهولة “الهويّة” حتى الساعة في الخريطة الأمريكية، فهل تسعى واشنطن للتهجير الثنائي من الموصل والرقّة نحو دير الزور التي تتوسّط عاصمتي “الخلافة”؟ هل ستكون دير الزور المقعل المقبل لخلافة “داعش”؟ أسئلة تبقى برسم معركة الرقّة التي ستعيقها التجهيزات التي أعدّتها قوّات “داعش” في المدينة.
حاجة أمريكيّة ملحّة
لا تقتصر أهداف واشنطن من إعلان معركة الرقّة على الانتخابات، رغم أنها أحد أبرز الأسباب التي تفسّر توقيت الإعلان، بل تسعى واشنطن خلال الفترة الأخيرة بين إعلاني الرقّة والموصل إعادة شعار مكافحة الإرهاب إلى التحالف الدولي الذي تقوده اليوم، عبر رفد الجبهات الإعلاميّة بوابل من الأخبار والتقارير التي تتحدّث عن مكافحة الإرهاب التي استحوذت روسيا على عمودها الفقري خلال الآونة الأخيرة. التصاريح الروسيّة حاولت التركيز على أفعال واشنطن في الموصل حيث صفت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، عمليات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في إطار معركة استعادة الموصل من قبضة “داعش”، بحروب القرون الوسطى، فيما أعلن المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية، الجنرال إيغور كوناشينكوف، أمس الأحد، أن طائرات التحالف الدولي التي تقودها الولايات المتحدة، وجهت 9 ضربات، خلال الساعات الـ24 الأخيرة، إلى الأحياء السكنية بمدينة الموصل العراقية.
المصدر / الوقت