لهذه الأسباب هاجم الإعلام الأوروبي الرئيس الأمريكي الجديد!
يعكس التشاؤم المسيطر على الإعلام الأوروبي عموماً، والبريطاني على وجه الخصوص، حجم الهوّة التي أوجدها فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية ووصوله إلى البيت الأبيض.
ورغم أن الوضع الداخلي ومسألة الشرق الأوسط استحوذوا على حصّة الأسد من موافق ترامب الداخلية والخارجية على حدّ سواء، إلا أن لأوروبا حصّتها من تصاريح ترامب الاستفزازية، سواءً لناحية وصفه قرار البريطانيين بالخروج من الاتحاد الأوروبي بالأمر العظيم، أو لناحية الهجوم على “الناتو” حيث اعتبر أن الحلفاء “لا يسددون حصتهم العادلة”، ووصف الحلف الذي يضم 28 دولة بأنه “عتيق”.
وبعيداً عن المطالبات الأوروبية الرسميّة لترامب بتوضيح موقفه حول العديد من الأزمات العالميّة، تناولت الصحف الغربيّة صدمة فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية بتشاؤم واضطراب غير مسبوق، حيث عبر عديد من الكُتّاب عن عدم تفاؤلهم بالمرحلة المقبلة التي قد تدفع أوروبا إلى الدفاع عن نفسها وحيدة، لاسيّما بعد الإعجاب الذي أعربه ترامب حول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأمر الذي دفع بوزيرة الدفاع الألمانية، أورسولا فون دير ليين، لتحذير ترامب من التقارب أكثر مما ينبغي مع الرئيس الروسي، مذكّرة ترامب بوقوف حلف شمال الأطلسي “الناتو” إلى جانب أمريكا بعد هجمات 11 سبتمبر.
ترامب في الإعلام الأوروبي
وقبل الدخول في تفاصيل ودلالات الموقف الإعلامي الأوروبي من وصول الملياردير دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، إليكم بعض ما ذكرته الصحف الأوروبيّة حول ترامب:
رغم التقارب بين بريطانيا وأمريكا، كان آخرها دعوة الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب رئيسة وزراء بريطانيا، “تيريزا ماي” إلى زيارة أمريكا في أسرع وقت ممكن، إلا أن ما ورد في الإعلام البريطاني يعكس حجم الهوّة بين الجانبين، فقد عنونت صحيفة “الغارديان” الحدث بـ”القادة الأوروبيون لا يستطيعون إخفاء توترهم عند تهنئة ترامب”، معتبرةً أن فوز ترامب يعني عدم معرفة استراتيجية أمريكا المستقبلية. من جهتها، اعتبرت صحيفة فايننشال تايمز، أحد أبرز الصحف البريطانية، استدلت من فوز دونالد برئاسة أمريكا كـ”دليل على وجود أزمة في الديمقراطية الغربية”، معتبرةً أننا نعيش ” لحظة خطر حقيقي”. بدوره أشار الكاتب في صحيفة “ذي إندبندنت”، ليام يونغ، إلى الحماس الذي أبداه اليمين المتطرف في عموم أوروبا على خلفية فوز ترامب، داعياً “اليسار التحرري” إلى الخوف من المرحلة القادمة.
أما ما ورد في الصحف الألمانية، فقد تناولت صحيفة “دير شبيغل” فوز ترامب في تقرير لها بعنوان “هل يجب أن نخاف؟”، مؤكدة أنه لا داعي لخوف الأوروبيين من فوز ترامب، بل يجب أن يتحلوا بالصبر والقوة. في حين خصصت صحيفة “دي تسايت” صفحتها الأولى بالكامل لانتخاب ترامب، وعنونت تقريرها بـ”يا إلهي”، وأرفقته بـ”تمثال الحرية” ملفوفاً بعلم أمريكا، معبرة عن تشاؤمها من فترة رئاسة ترامب وكيفية تعامله مع السياسة الدولية.
لم يختلف المشهد الفرنسي كثيراً، ففي حين تناولت صحيفة “لوفيغارو” الحدث تحت عنوان “اضطراب كبير”، ونشرت تقريراً تحليلياً في موقعها الإلكتروني بعنوان “من التهريج إلى الرئاسة” عنونت صحيفة “ليبراسيون” تقريرها عن فوز ترامب بـ”المختل الأمريكي”.
الخشية الأوروبيّة
هناك عدّة أسباب تفسّر الخشية الأوروبية، الرسمية والإعلامية، من وصول ترامب إلى سدّة الحكم، أبرزها التالي:
أولاً: يأتي وصول ترامب اليمني في ظل مناخ أمريكي ودولي يميل إلى اليمين، مما يعني تعزيز اليمين المتطرّف على حساب اليسار المعتدل في أوروبا، الأمر الذي سيؤدي إلى بروز أصوات مطالبة بالانفصال عن الاتحاد الأوروبي بدأت ببريطانيا، ومن يدري ربما تصل مفاعيلها معهم لاحقاً فرنسا وألمانيا وهولندا والدانمارك وبولندا، ما يعني انهيار الاتحاد الأوروبي بشكل كامل.
ثانياً: لا تخفي دول الاتحاد الأوروبي في حلف شمال الأطلسي (الناتو) خشيتها من التقارب الأمريكي الروسي الذي سيكون على حساب الحلف. الناتو الذي مثل حجر زاوية في سياسة أمريكا الخارجية لعشرات السنين، وكذلك الأمر بالنسبة لأوروبا التي تستخدمه حصناً في مواجهة “الدب الروسي”، سيكون عرضة لنيران “ترامب”، ما يعني عجز أوروبي في مواجهة أي التحديات الأوروبية. أبلغ تعبير حيال الموقف الأوروبي في هذا الصدد هو ما أوضحه الكاتب في صحيفة “تليغراف”، جولييت صموئيل، حول الموقف السلبي الذي ينتهجه ترامب تجاه حلف شمال الأطلسي (ناتو)، قائلاً: إن أوروبا قد تضطر إلى الدفاع عن نفسها وحيدة.
ثالثاً: تعي بريطانياً جيّداً، ومن خلفها الاتحاد الأوروبي، أن خروجها من الاتحاد يعني انسحابها نحو أمريكا، إلا أن فوز ترامب يعني عدم معرفة استراتيجية أمريكا المستقبلية، ولا شك في أن تركيز على الداخل الأمريكي للوصول إلى “أمريكا العظمى” سيكون على حساب الحلفاء، وفي مقدّمتهم بريطانياً. تحتاج بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي إلى حليف قوي كأمريكا، لاسيّما بعدما أبدى عدد من قادة الاتحاد الأوروبي رغبتهم في إرسال إشارات تهديد قوية لدول وأحزاب أوروبية تسعى لتفكيك الاتحاد، من خلال سلك أقسى الطرق الممكنة لإجراء انفصال بريطانيا المرتقب عبر العقوبات التي لوّح بها الرئيس الفرنسي والمستشار الألمانية، إلا أن سياسة ترامب لا تنذر بالخير بالنسبة للبريطانيين.
رابعاً: لا تقتصر الخشية الأوروبية من سياسة ترامب على العلاقات الثنائيّة، بل برزت مطالبات أوروبيّة بدأها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند خلال محادثة هاتفية مع الرئيس الأمريكي المنتخب، لتوضيح موقف الأخير من القضايا الساخنة كالحرب على الإرهاب وأوكرانيا وسوريا والاتفاق النووي مع إيران واتفاق باريس لمواجهة تغير المناخ.
قد يحاول البعض تبرير الهجوم الإعلامي البريطاني، والأوروبي، على ترامب بسبب يساريّة هذه الصحف، إلا أن الواقع يشي بان الخلاف هو أبعد من ذلك، ولذلك يحاول الاتحاد الأوروبي فرض شروط التعامل مع ترامب أولاً قبل أن يفعل هو ذلك.
المصدر / الوقت