التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

التوترات العرقية تعود إلى الغرب مع اليمين المتطرف 

اليمين المتطرف حركة قومية تحاول في كل بلد تظهر فيه، إحياء القيم والمثل العليا للشعب، عن طريق العودة إلى ماضيه المجيد. في هذا الصدد، يعارض أتباع هذا التوجه دخول المهاجرين إلی أرضهم و یسعون أن تکون دولة الرفاه والازدهار الاقتصادي محصورين في بلادهم فحسب.

وکان رواج هذه الفكرة في عصر ما قبل الحربين العالميتين، قد هيَّأ الأرضية لنشوب معارك رأينا ذروتها في خطط ألمانيا النازية لتوحيد عرق هذا البلد والتوسع الإقليمي. ولكن كارثة الحرب العالمية الثانية التي أدت إلی مقتل أكثر من 50 مليون شخص، لم تستطع أن تضع حداً للأفكار اليمينية المتطرفة. لدرجة أن اليوم حيث القرن الحادي والعشرون، في بعض البلدان الأوروبية مثل السويد وفرنسا والدنمارك وبريطانيا، نجحت أحزاب اليمين المتطرف عبر جذب أصوات الناخبين، الدخول في البنية السياسية وأحياناً تغيير التوجهات الاستراتيجية لبلدانهم.

ونتيجةً لنمو الأفكار اليمينية المتطرفة في بريطانيا، قبل بضعة أشهر وعن طريق أصوات غالبية الناس، خرج هذا البلد من الاتحاد الاوروبى. في فرنسا أيضاً استطاعت الجبهة الوطنية ذات التوجه اليميني المتطرف، والتي تعتبر جزءاً من التيار السياسي الرئيسي في هذا البلد، الفوز هذا العام بـ 25 في المئة من الأصوات في الانتخابات المحلية. وتشير استطلاعات الرأي أن “جان ماري لوبان” زعيم هذا الحزب سيکون واحد من المرشحين اللذين سينتقلان إلى الجولة الثانية في الانتخابات الرئاسية في عام 2017.

السير البطيء لأحزاب اليمين المتطرف في التسلسل الهرمي للسلطة في أوروبا، يخلق مستقبلاً غير واضح بالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي يعدّ رمزاً للحدود عبر الوطنية لهذه القارة. وقد تجلت هذه العملية في الساحة السياسية العالمية أكثر من أي وقت مضى بعد اختيار دونالد ترامب رئيساً لأمريکا. ولكن ما جعل الناس في أوروبا يظهرون الاهتمام لأفكار اليمين المتطرف، هو الأزمات الاقتصادية.

ففي حين أن الاتحاد الأوروبي واجه في عام 2008 الأزمة المالية في اليونان وايطاليا واسبانيا والبرتغال، انتقل العديد من المهاجرين إلى هذه القارة من أفريقيا والشرق الأوسط أيضاً. وقوع الأزمة الاقتصادية قد زاد البطالة في الاتحاد الأوروبي من تحت 7٪ إلى 11٪، ولاحقاً وبسبب الطلب المتزايد من قبل الناس والمهاجرين للحصول على المساعدات الرفاهية من الدولة، استمر التضخم والركود. في هذه الظروف، اعتبرت شعوب البلدان التي تمر بأزمات، المهاجرين عبئاً إضافاً علی حكوماتهم، ما أدی إلى شعبية الشعارات التي رفعتها الأحزاب اليمينية المتطرفة.

في عام 2015 أيضاً، تم إحصاء 250 مليون مهاجر دولي و65 مليون نازح في جميع أنحاء العالم، حيث کان لأوروبا مع 76 مليون النصيب الأكبر من المهاجرين. هذا الوضع إلى جانب قضايا أخری مثل انعدام المساواة والنمو الاقتصادي البطيء، قد زاد من المخاوف وأدی إلی تغيير رأي الناخبين ورفع مکانة قادة أحزاب اليمين المتطرف. إلى الحد الذي رأينا أن “نايجل فاراج” زعيم حزب استقلال بريطانيا، استطاع عبر هذا الطريق تغيير رأي معارضي خروج هذا البلد من الاتحاد الأوروبي، واختيار الخروج.

وهو في هذه العملية ومن خلال رفع الشعارات المناهضة للهجرة، أثار مخاوف الرأي العام البريطاني حيال أنه في حال انضمت تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، فإن العيش في بريطانيا سيكون الهدف الأول لمواطني هذا البلد، والضرر الأول لهذا الأمر هو ارتفاع نسبة البطالة.

قبل وصول دونالد ترامب إلی البيت الأبيض، لم يکن اليمين المتطرف ومن أجل المضي قدماً في خططه، قادراً علی اختيار فردٍ باعتباره مرشحاً لأحد الأحزاب الرئيسية في أمريكا. أساس الأفكار المتطرفة لترامب، کان المشاكل العرقية. فهو مثل بعض الأوروبيين الذين يوافقونه الرأي، يعتبر المهاجرين المكسيكيين والمسلمين في أمريكا سبباً للحالة المعيشية السيئة للناس في هذا البلد.

الخطاب الشعبوي هو المتحدث باسم الأفكار اليمينية المتطرفة، واستطاع ترامب الاستفادة منه بشکل جيد خلال حملته الانتخابية. في هذه الظروف، عزَّز فوز ترامب والشعارات التي رفعها، الأمل في النجاح لدی اليمين المتطرف في الدول الأوروبية، بحيث کان قادة اليمين المتطرف في أوروبا أول من هنأ ترامب علی فوزه.

معظم قادة اليمين المتطرف في أوروبا لديهم علاقة شخصية مع ترامب. فهم يعتبرون بوتين وترامب كرمزٍ لمعاداة السلطة ومعاداة النظام، والذي يمكن الاستفادة منه للتعامل مع الاتحاد الأوروبي والنخبة الوطنية في دول هذا الاتحاد، وهذا الهدف المشترك جعل هؤلاء يصطفون إلی جانب بعضهم البعض من دون أن ينووا بناء تحالف طويل الأجل.

في داخل الكونغرس الأمريكي أيضاً، هناك جمهوريون لديهم علاقات مع اليمين المتطرف في أوروبا. من هنا فإن فوز ترامب على كلينتون، کان في الواقع نجاح اليمين المتطرف في إيجاد وسيلة للتأثير على البنية السياسية الأمريكية، وهذا يمكن أن يكون تحذيراً للديمقراطيات الغربية. لأنه في هذه الظروف فإن تفاقم الفجوات والتوترات العرقية والإثنية، بما في ذلك الهجمات ضد المسلمين، السود والأمريكيين ذوي الأصول اللاتينية والآسيويين في أوروبا وأمريکا، ليس أمراً غير متوقع.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق