التوجه التركي لتطوير المنظومة الدفاعية: واقع، تساؤلات، تحديات ودلالات!
شكل الإعلان التركي القديم الجديد عن توجهٍ لدى أنقرة للتعاون مع روسيا لتطوير منظومتها الدفاعية، مادة للتحليل. خصوصاً أن الطرح التركي يستوجب الكثير من قبل أنقرة، والتي يبدو أنها ما تزال تعيش حلم التعاظم دون وجود أرضية لذلك. فطرحها لن يكون فقط محطَّ تساؤلٍ من دول الناتو، بل سيحتاج لإجابة أنقرة على العديد من الأسئلة الروسية. فماذا في الإعلان التركي والتساؤلات الروسية حوله؟ وما هي مبررات وتحديات هذا التوجه؟ وكيف يتعلق ذلك بسياسة الإبتزاز التي تسود العلاقة بين تركيا وحلف الأطلسي؟ وكيف يمكن تحليل دلالات ذلك؟
الإعلان التركي
أعلن وزير الدفاع التركي “فكري إيشيق” أمس، أن بلاده تُجري محادثات مع موسكو لشراء أنظمة دفاع صاروخي من طراز “أس 400”. ولفت إيشيق إلى أن الموقف الروسي إيجابي، مشيراً إلى أن تركيا مستعدة للتواصل مع كل دولة لديها منظومة دفاع جوي. وتمنّى على الدول الأعضاء في الحلف الأطلسي أن تكون أكثر حماسة في هذه المسألة.
تساؤلات حول التوجه التركي لروسيا
إن التوجه التركي نحو روسيا يطرح العديد من التساؤلات على الطرف التركي. فعلى الرغم من أن مصادر في المجمّع الصناعي العسكري الروسي، ذكَّرت باتفاق الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان على تعزيز التعاون العسكري بين البلدين، فإن وسائل الإعلام الروسية لفتت إلى أن طلب التعاون التركي في هذا الصدد ليس بجديد، حيث طُرح عام 2013. لكن تركيا رفضت آنذاك العرض الروسي، بحجة أنه باهظ الثمن، ولجأت بعد ذلك إلى بكين، لكنها ما لبثت أن ألغت صفقة شراء الصواريخ الصينية أيضاً.
من جهتها نقلت وسائل إعلام روسية عن مصدر في مؤسسة “روس أبورون إكسبورت” المسؤولة عن الصادرات العسكرية، أن موسكو ترحّب بتعزيز التعاون مع أنقرة في مجال الدفاع الصاروخي، بما في ذلك إمكان تزويد أنقرة بمنظومات دفاع جوي روسية، ومكوّنات لدرع صاروخية تخطّط تركيا لنشرها على أراضيها. وهو ما وضعته بعض المصادر الخاصة، في خانة ردة الفعل الطبيعية من قبل موسكو، والتي لا تمانع في تعزيز ودعم التوجه التركي، لكن سلوك الطرف التركي تجاه التعاون مع روسيا يحتاج لتحديد أطره خاصة أو أنقرة تُروِّج لذلك، ثم ما تلبث أن تتراجع أمام الضغوط الغربية!
تصريحات تركيا: المبررات والتحديات
عدة مبررات يمكن تأكيدها كأسباب لمساعي تركيا تطوير منظومتها الدفاعية. في حين توجد العديد من التحديات التي ستواجهها أنقرة.
أولاً: المبررات
– تعتبر تركيا أن لها الحق في امتلاك منظومة دفاع جوي تتلاءم مع منظومة الدفاع الجوي التي يمتلكها حلف الناتو.
– تعتبر تركيا أن من حقها امتلاك “منظومة دفاعية” خاصة بها، كجزء من أمنها القومي. خصوصاً أنها لا تمتلك سوى مقاتلات “أف 14″ و”أف 16”.
– تعاني تركيا اليوم من مشكلة ضعف دفاعاتها الجوية ضد الصواريخ والمقاتلات، لا سيما في ظل تفاقم الأخطار العسكرية وهو ما يرتبط بشكل مباشر بتدخلاتها في الحرب السورية والعراقية.
ثانياً: التحديات
لا شك أن عدداً من التحديات كانت وما تزال تواجه الطرف التركي وهي تعتبر نقاط ضعفه في هذا المجال:
– يُشكّل توجّه أنقرة إلى موسكو لشراء منظومة دفاع صاروخي، قراراً سياسياً سيواجه تحديات وتساؤلات من كافة الأطراف الدولية وفي مقدمتها أمريكا والدول الغربية وروسيا، مع اختلاف أهدافهم. فيما الثابت الوحيد هو البراغماتية وعدم الوضوح التركي.
– إن واقع المنظومة الدفاعية لتركيا، هو أن كل الأنظمة العسكرية في تركيا مُرتبطة بالحلف، وهو ما يخلق مشكلة أمام الطرف التركي مفادها أن الأنظمة الروسية لا تناسبها، إلا في حال تمَّ استبدال برامج الأنظمة العسكرية الحالية التي تمتلكها أنقرة.
موقف حلف الأطلسي وسياسة الإبتزاز المتبادل مع تركيا
في تصريحات تدل على سياسة الإبتزاز الواضح والتي تسود العلاقة بين الطرفين التركي ودول الناتو، أكد الأمين العام لحلف الأطلسي “ينس ستولتنبرغ”، أن ضباطاً أتراكاً يعملون في هيكلية قيادة الحلف العسكرية، طلبوا اللجوء في الدول التي يخدمون فيها بعد محاولة الإنقلاب الفاشل في تموز الماضي. وأشار إلى أن تلك الدول ستبتّ في الأمر. كما ذكّر تركيا بأن حلف الأطلسي يرتكز على القيم الأساسية للديموقراطية وحكم القانون، مطالباً الجميع بإلتزام ذلك. وهو الكلام الذي حاول فيه ستولتنبرغ التعبير عن سخط الحلف من سياسة أردوغان الأخيرة والتي وصفها البعض بالتطهير السياسي. كلام المسؤول في الناتو تزامن مع إعلان الناطق باسم مكتب الهجرة واللاجئين في ألمانيا، ارتفاع طلبات اللجوء من الرعايا الأتراك خلال هذا العام، الى أعلى رقم خلال السنوات الأخيرة.
دلالات وتحليل: بين التوقيت والبراغماتية التركية!
إن التوجه التركي على الرغم من مبرراته مع وجود بعض التحديات، يحتاج للتحليل ضمن الأطر التي تعكس الدلالات الحقيقية للسلوك التركي وهو ما نُشير له بالتالي:
أولاً: إن التوجه التركي نحو تطور المنظومة الدفاعية ليس بجديد. كما أن التوجه نحو روسيا لتحقيق ذلك ليس بجديد أيضاً. بل حصل في العام 2013 لتعود وتُلغي تركيا التعاون لأسباب بررتها بالمالية. فيما توجهت الى الصين بعد ذلك واتفقت على تعاونٍ بقيمة 3.4 بليون دولار، ما لبثت أن تراجعت عنه متذرعةً بوجود مشكلة مالية وبرفض الصين نقل أسرار الصواريخ للطرف التركي. وهنا فإن خبراء عسكريين أكدوا حينها بأن ضغوطاً مارستها واشنطن ودول الأطلسي على أنقرة، منعت استكمال الصفقات مع كلٍ من الصين وروسيا. وهو ما قد يحصل اليوم أيضاً، على الرغم من أن البعض يتحدث عن تغيُّر في النظرة التركية تجاه سياسات الأطلسي لا سيما بعد أحداث الأزمة السورية ومحاولة الإنقلاب الأخيرة في تموز الماضي.
ثانياً: إن الطرف التركي لم يُثبت جديته في التوجه نحو روسيا على الرغم من وضوح جديته في تطوير منظومته الدفاعية. وهو ما يعني أن توجهه نحو روسيا قد يكون رسالة لكل من أمريكا والدول الغربية الى جانب الكيان الإسرائيلي من أجل تطوير منظومات الدفاع الجوية التركية، خصوصاً أن التصريحات التركية جاءت قبل يومين من انعقاد الجلسة السنوية للجمعية البرلمانية لحلف الأطلسي في اسطنبول. وهنا فإن تركيا والتي رضخت فيما سبق للضغوطات الغربية وتراجت عن تعاونها مع كلٍ من الصين وروسيا، قد تتراجع اليوم أيضاً، إلا في حال اقتناعها بأن الطرف الروسي هو الخيار الأفضل لها في ظل التبدلات الإقليمية والدولية، ما سيتطلب منها ثمناً مقابلاً لذلك.
ثالثاً: ليس من الواضح حتى الآن الخطوط الحمراء التي تضعها تركيا وما يمكن أن تقدمه أنقرة، لتحقيق هذا التعاون. وهو ما يطرح علامات استفهام كبيرة. خصوصاً أن روسيا كما الصين، لن توافق على منح أنقرة، العضو في “الأطلسي”، أسرار تشغيل منظومة “أس 400”. بل ستقوم في حال إنجاز الصفقة بتعيين فريق فني روسي لتشغيل المنظومة. وهو السبب الذي دفع تركيا لرفض العرض الصيني في نفس المجال.
إذن، يحق لتركيا أن تقوم بتطوير منظومتها الدفاعية. لكن المشكلة هي في مُترتبات هذه المحاولة. فهي لن تحصل دون مقابلٍ تركي، يجب ان تقدمه أنقرة لأي طرفٍ يدعم هذا التوجه. في حين تبقى سياسات تركيا المتقلبة وبراغماتيتها، سبباً لمزيدٍ من الضمانات التي يجب أن توفرها أنقرة لأي طرف.
المصدر / الوقت