الإلتباس السعودي حيال “الإتفاق النووي”: هل تعلم ما يعنيه ذلك؟
يقع البعض في فخّ إطلاق الأحكام على الظاهر، أي المواقف المعلنة، رغم أنّها السبيل الوحيد لذلك. هذا السبيل المنطقي يغيب عنه تلك المواقف التي تحيكها هذه الجهات خلف الستار أو تحت الطاولة، ما يجعل النتيجة أو الخلاصة غير كافية للوصول إلى الحكم الصحيح.
إلا أن هذه الظاهرة المستفحلة في عصرنا الحالي تستثني تلك الجهات الرصينة في سياستها الخارجية، أو على الأقل التي تمتلك باعاً في صدق المواقف وعدم اللعب على أوتار الخلافات لتمرير المشاريع الخاصّة، بخلاف العديد من دول العالم التي تعتمد مبدأ الخداع في سياتها الخارجيّة تحت عنوان “الغاية تبرّر الوسيلة”.
لا أبالغ إذا قلت أن العديد من الأزمات التي نشاهدها اليوم، لا تعدوا عن كونها نتيجة لهذه الظاهرة حيث يعد احتلال العراق أصدق نموذجاً على ذلك، عندما ورّطت أمريكا العديد من دول العالم، بينها العديد من الدول العربية، في احتلال العراق تحت ذريعة أسلحة الدمار الشمال التي تراجعت عنها في وقت لاحق، إلا أن هذا التراجع جاء بعد تدمير العراق وقتل وتهجير الملايين، فضلاً عن زرع نطفة التكفير والإرهاب التي تسمّى اليوم بـ”داعش وأخوتها”.
وكثيرة هي النماذج المماثلة لذلك، آخرها الإتفاق النووي الإيراني الذي عاد إلى الواجهة من جديد عبر بوابات ثلاث: الأولى أمريكية، والثانية إيرانية، وأما البوابة الثالثة فهي خليجية، وتحديداً سعودي.
الإتفاق النووي
الموقف الأمريكي بدا ملتبساً بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض، فبعد تهديد الرئيس المنتخب بإلغاء الإتفاق النووي بين أمريكا والدول الخمس من جهة، والجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة من جهة أخرى، سارع المسؤولون الأمريكيون والأروبيون والأمميون إلى التحذير من خطورة تصريحات ترامب. وفي حين تعهد البيت البيض بالوفاء بالالتزامات التي يتضمنها الاتفاق النووي الإيراني حتى موعد تسليم السلطة إلى إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترمب في العشرين من يناير/كانون الثاني المقبل ، وصف الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، الاتفاق حول برنامج إيران النووي، بأنه “ثابت” داعيا القادة العالميين إلى الالتزام به.
في المقابل، لم تقف ايران مكتوفة الأيدي حيال التهديدات الأمريكية فقد أكّد قائد الثورة الإسلامية السيّد علي الخامنئي خلال استقباله حشداً من قادة وعناصر قوات التعبئة “البسيج”، إن “تنفيذ التمديد الأميركي للعقوبات على إيران لعشر سنوات هو بالتأكيد نقض للاتفاق النووي وسيستدعي ردّ فعل إيراني”. كما أن وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف قد أوضح في وقت سابق أنه “من مصلحة الجميع أن يتعامل بطريقة إيجابية، ويظل ملتزما بالاتفاق. ولكن إذا وجدنا شكوكا حول الالتزام به، فإن إيران سيكون لديها خيارات أخرى أيضا”.
الموقف السعودي
البوابة الخليجية، بدت فعّالة حيال مستجدات الإتفاق النووي، ففي حين نصح الأمير تركي الفيصل رئيس جهاز الاستخبارات السعودي الأسبق، والمسؤول عن ملف العلاقات “السرية” السعودية الإسرائيلية، الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بعدم المضي قدما في تعهداته بإلغاء الاتفاق النووي مع ايران، لما يمكن ان يترتب على هذا الالغاء من تداعيات خطيرة، انعقدت ندوة في ابو ظبي قبل في “منتدى صير بني ياس”، بدعوة من وزير الخارجية الشيخ عبد الله بن زايد، شاطرت الأمير الفيصل أفكاره، وأكدت “على ضرورة الحفاظ على الاتفاق النووي مع ايران، والتركيز على الحد من سلوكها العدواني، لأن البديل سيكون امتلاك ايران أسلحة نووية، وعودة التوتر، وربما الحروب الى منطقة الخليج (الفارسي)”، وفق زعمهم.
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم، يتعلّق بالتباس الموقف الخليجي من الإتفاق النووي، فهل تؤيد السعودي الإتفاق أم تعارضه؟ ولماذا التناقض في المواقف؟
رغم التراجع السعودي الأخير، إلا أنه هناك مئات المواقف السابقة المطالبة بإلغاء الإتفاق النووي قبيل الإنتخابات الأمريكية ووصول ترامب إلى البيت الأبيض، الأمر الذي يؤكد ما أسلفناه في المقدّمة حول التباس الموقف السعودي، بين المخفي والمعلن، فما هي حقيقة الموقف السعودي إزاء الإتفاق النووي؟ ربما يكون ذلك هو السؤال الأهم في هذا الموضوع وسوف نوجزه في النقاط التالية:
أولاً: إن مطالبة السعودية، بإلغاء الإتفاق النووي يعد اعترافاً بسلميّته، إلا أنها لا تتوانى عن إتهام ايران بالسعي للحصول على أسلحة نووية. الإتهام السعودي، وكذلك مطالبة الغرب بالغاء الإتفاق يهدف لتشويه سمعة ايران لا أكثر. أيضاً، تسعى السعودية من خلال التحذير من مخاطر “الإتفاق النووي” الحد من نتائجه الإيجابية على العلاقة والثقة بين ايران والمجتمع الدولي، إلا أن مطالبتها بإلغائه يعد اعترافاُ حقيقياً بسلميته، ولكن، رغم ذلك تعمد إلى سياسة التشويه.
ثانياً: المنطق يقول أن موقف ترامب يخدم الرياض المعارضة الشرسة لهذا الإتفاق، وقلقها الكبير من تبعاته، إلا أن ما نشاهده اليوم على الأرض شيئ آخر. وهذا إن دلّ على شيئ فإنّما يدلّ علی “براغماتية” المواقف السعودية التي تعمد اليوم إلى سياسة التخويف من ايران عبر الحديث عن “تسرّب الإشعاعات إلى الواء والماء ومجالات البيئة كافّة، وعدم التزام ايران بالشفافيّة في برنامجها النووي”، وفق الدكتور عدنان التميمي، مدير مركز مجلس التعاون الخليجي لإدارة حالات الطوارئ.
ثالثاً: لا تنحصر “براغماتية” المواقف السعودية بالإتفاق النووي، بل تسري على العديد من الملفات الإقليمية الساخنة، سواءً فيما يخص الملف السوري الذي تتنطح به تحت شعار الدفاع عن الشعب رغم أنّها قدّمت وعوداً بإنهاء الأزمة في حال ابتعد الرئيس الأسد عن ايران، أو فيما يخص العدوان على اليمن تحت ذريعة دعم الشرعيّة، رغم أن الرئيس اليمني المستقيل والمنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي قد اعترف في فيديو مسرب تداوله نشطاء على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، أنه تفاجأ “بانطلاق العملية العسكرية للتحالف العربي الداعم للشرعية في اليمن والتي تتزعمها المملكة العربية السعودية”.
لا نعوّل على تهديدات ترامب الذي تراجع في الملف الفلسطيني عندما أبدى رغبته بأن يكون هو “صانع السلام بين إسرائيل والفلسطينيين”، تماماً كما هو الحال بالنسبة للموقف السعودي حيال الإتفاق النووي.
المصدر / الوقت