بريطانيا و”اللعب على الحبال” اليمنية
تواصل بريطانيا سياسة اللعب على الحبال في الملف اليمني. ففي حين استضافت عاصمتها قبل أشهر المؤتمر الدولي لدعم اليمن والذي طالب “بالوقف الفوري للعدوان السعودي والتحقيق في جرائم الحرب وإحترام إرادة الشعب اليمني”، وكذلك نظمت معرضاً فوتوغرافياً يوثق الجرائم التي ارتكبها العدوان السعودي الامريكي بحق الشعب اليمني، تواصل السلطات البريطانيّة، ومنذ اليوم الأول، دعمها للعدوان السعودي على الشعب اليمني سياسيّاً وعسكرياً، آخرها التصريحات التي أطلقها وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، والتي اعتبر فيها أن السعودية لم تتجاوز الخطوط الحمراء، وإن لندن لا ترى في الغارات التي يشنها الطيران السعودي خطرا واضحا يهدد بانتهاك حقوق الإنسان.
تصريحات جونسون التي أثارت ردود افعال كبيرة، وامتعاض شديد لدى الشعب اليمني، لم تكن بالأمر المستغرب على بريطانيا التي “تجاهلت الدعوات الحقوقية والدولية المتزايدة، لوقف دعمها لتحالف العدوان وتزويده بالأسلحة، وفق موقع “ميدل إيست أي” الأمريكي.
دبلوماسيّة الحبال
تتقن بريطانيا جيّداً سياسة أو فنّ اللعب على الحبال، ففي حين تعد لاعباً أساسيّاً في صناعة الوهابيّة السعودية، تستضيف كل من المرتد سلمان رشدي، وشيخ الفتنة ياسر الحبيب، والعديد من المعارضين السياسيين في بلادهم. أي أنّها تسعى للعب على جميع الحبال، وهي سياسة أتقنتها منذ زمن بعيد.
قد يتساءل البعض عن أسباب سطوع نجم بريطانيا في سياسة اللعب على الحبال، إلاّ أنّ مطالعة العلوم البريطانيّة يفسّر هذه السياسة، حيث تعد الدولة الأولى عالمياً في إنتاج “العلوم الناعمة”، وهي العلوم التي تختص بفن التعاطي مع الأزمات الواقعية، أقصد هنا بالواقعية، تلك العلوم التي تأخذ بعين الاعتبار كافّة تأثيرات المحيط، بخلاف العلوم المخبرية.
إذاً، ليس غريباً على بريطانيا سياسة اللعب على الحبال، فرغم أنّها “من أكبر المستفيدين من الحرب العدوانية الدائرة في اليمن بسبب بيعها للسلاح”، وفق ما كشف مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين، إلاّ أنّها في الوقت عينه تتولّى الإشراف على الملف اليمني في مجلس الأمن الدولي، فضلاً عن إرسالها مساعدات انسانية لليمن، في الوقت عينه الذي ترسل فيه القنابل العنقودية المحرمة دوليا للسعودية.
إن الموقف البريطاني في الملف اليمني يعد أحد أوجه السياسة البريطانيّة في اللعب على الحبال، وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى النقاط التالية:
أولاً: لا يمكن فصل تصريحات وزير الخارجية البريطاني حول “الخطوط الحمراء السعودية” عن حضور رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي في قمة دول مجلس التعاون التي تريدها ماي “بداية لفصل جديد من العلاقات بين بريطانيا ودول مجلس التعاون”. في الحقيقة، تحاول بريطانيا خطب ودّ السعودية عبر تصريح جونسون في الملف اليمني، لـ” تشجيع الاستثمارات الخليجية التي تضفي الكثير من التجديد على المدن في بريطانيا أو مساعدة الشركات البريطانية الدول الخليجية على تحقيق إصلاحات اقتصادية على المدى الطويل”، وفق تصريحات رئيسة الوزراء التي أوردتها تصريحات هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.
ثانياً: بريطانيا ستناقش على هامش هذه القمة الأوضاع في سوريا واليمن والعلاقات مع إيران، وبالتالي قد يسري داء الموقف البريطاني في الملف اليمني على الملفات الأخرى بغية تطوير التجارة مع الدول الخليجية في مرحلة ما بعد الخروج من دول الاتحاد الأوروبي، خاصّة أن “هناك فرصا تقدر قيمتها بـ 30 مليار جنيه إسترليني للشركات البريطانية في 15 مجالا مختلفا في المنطقة خلال الخمس سنوات المقبلة”، وفق ماي.
ثالثاً: تدرك رئيسة الوزراء جيّداً ووزير خارجيتها دور لندن في العدوان على اليمن، فإضافةً إلى المطالبات الحقوقية الصادرة عن العديد من المنظمات الدوليّة، هاجم تقرير برلماني الحكومة البريطانية مطالباً بالوقف الفوري لمبيعات الأسلحة إلى السعودية، التي تستخدمها في قتل المدنيين اليمنيين، فضلاً عن مطالبة عدّة دول أوروبية وغربية بالوقف الفوري لمبيعات الأسلحة إلى السعودية، خاصة بعد الاتتقادات التي تم توجيهها للعملية العسكرية السعودية التي استهدفت المستشفيات وأدت إلى مقتل الآلاف من المدنيين، إلاّ أن “بريطانيا قابلت تلك الدعوات بآذان صماء”، وفق موقع “ميدل إيست أي” الأمريكي.
رابعاً: الأرقام تكشف أسباب التصريحات البريطانيّة، فقد تصدّرت بريطانياً قائمة الدول التي تبيع أسلحة للسعودية، ففي حين بلغت مبيعات الأسلحة البريطانية إلى السعودية حوالى 2.95 مليار جنيه استرليني في عام 2015، فضلاً عن أضعافها في العام 2016، يتحدّث بعض الخبراء العسكريين أن قيمة العقود العسكرية الموقعة ما بين الدول الغربية والسعودية بلغت 150 مليار دولار. هنا تجدر الإشارة إلى أن صحيفة الغارديان أكدت في وقت سابق أن الحكومة البريطانية منحت الإذن بتصدير شحنات الأسلحة إلى السعودية 37 مرة منذ بدء العدوان السعودي على اليمن، لكنها امتنعت عن إخبار مجلس العموم بنوعية هذه الأسلحة.
خامساً: لم تقتصر سياسة اللعب البريطانية على ممارساتها التسليحيّة، فعندما يشتد الضغط عبر البرلمان أو منظمة هيومن رايتس ووتش التي جدّدت مؤخراً اتهاماتها للحكومة البريطانية بممارسة الكذب والمشاركة بتوريد مزيد من صفقات الأسلحة البريطانية للسعودية، تسارع الحكومة، للقول بأن ” لندن تراجع سياسة مبيعات السلاح للرياض”،وتدعو ” السعودية إلى التحقيق بشأن استهداف مدنيين في اليمن”، في الوقت التي ترسل فيه صفقة أسلحة جديدة، ولكن بعيداً عن الإعلام والبرلمان البريطاني هذه المرّة.
سادساً: دبلوماسيّة الحبال البريطانية، نشاهدها في مجلس الأمن أيضاً، فقد قدّمت بريطانيا نص مشروع كرد فعل على الجريمة التي حدثت يوم (08/10/2016) عندما قصف طيران التحالف الذي تتزعمه السعودية، مجلس عزاء في العاصمة صنعاء، إلا أن هذا المشروع كان ركيكاً للغاية في مضمونه، وبدل أن يدين السعودية حاول تبرئتها حيث لم يذكر بالاسم من الذي نفذ الغارة الجوية، على الرغم من أن التحالف وبزعامة السعودية اعترف بمسؤوليته عن تنفيذ الحادث.
المصدر / الوقت