التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

نفحات من سيرة الامام الحسن العسكري عليه السلام 

الإمام الحسن بن علي العسكري (ع) هو الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام وهو الامام المعصوم الحادي عشر من ائمة أهل البيت عليهم السلام .

ولد عليه السلام في المدينة المنورة سنة 223 هجري في شهر رمضان الموافق 847 ميلادي واستشهد في سنة 260 هجري في الثامن من ربيع الأول الموافق سنة 874 م . كنيته أبو محمد .. لقبه العسكري، نسبه نسبة الى المحلة التي كان فيها بيت أبيه عليه الاسلام الامام علي بن محمد.. وكانت هذه المنطقة فقيرة , وأصبحت مقراً للعسكر. عدد أولاده واحد وهو الإمام الحجة المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.

نشأ وتربَي في ظلَ ابيه الذي فاق اهل عصره علما وزهدا وتقوي وجهادا. وصحب أباه اثنين وعشرين سنة وتلقَي خلالها ميراث الامامة والنبوة فكان كآبائه الكرام علما وعملا وقيادة وجهادا وإصلاحا لامة جده محمد (ص).

تولي مهامَ الامامة بعد أبيه واستمرت إمامته نحو ست سنوات ، مارس فيها مسؤولياته الكبري في أحرج الظروف وأصعب الايام علي اهل بيت الرسالة بعد أن عرف الحكام العباسيون – وهم احرص من غيرهم علي استمرار حكمهم – أن المهدي من اهل بيت رسول لله (ص) ومن ولد علي ومن ولد الحسين (عليهم السلام ) فكانوا يترصدون أمره وينتظرون أيامه كغيرهم ، لا ليسلَموا له مقاليد الحكم بل ليقضوا علي آخر أمل للمستضعفين.

فقد عاصر الامام الحسن العسكري عليه السلام خلال عمره القصير الذي لم يتجاوز ال(28) عاماً، فئة أكثر قساوة من بين حكام بني العباس وتعرض أكثر من أبائه عليهم السلام للأذى فأنهم كانوا يتخوفون مما بلغهم من كون الامام الحجة المهدي منه، لذا حبسوه عليه السلام عدة مرات وحاولوا قتله فكان ينجو من محاولاتهم، وهم المعتز بن المتوكل، وبعده المهتدي بن الواثق، ثم المعتمد احمد بن المتوكل الذي حكم ثلاثاً وعشرين سنة، وكانت شهادة الإمام العسكري، في أوائل حكم هذا الطاغية اللعين. وبشكل اكثر وضوحا فقد عاصر الإمام العسكريّ عليه السّلام بقيّة حكم المعتزّ العبّاسيّ، ثمّ حكم المهتدي، ثمّ شطراً من حكم المعتمد العبّاسيّ، حيث قضى شهيداً بالسمّ بعد مُضيّ خمس سنين من حكم المعتمد، فالتحق بركب آبائه الأطهار عليهم السّلام. وقد رُوي عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال:”واللهِ، ما منّا إلاّ مقتولٌ شهيد”.

الإمام الحسن العسكري عليه السلام قام بأدوار متعددة، أسهمت إسهاماً كبيراً في الحفاظ على الرسالة المحمدية، واهم تلك الأدوار، هما دوران: التمهيد لغيبة الإمام المهدي عليه السلام، والتصدي للانحرافات العقدية والشبهات التي أُثيرت من لدُن بعض المفكرين والعلماء في ذلك الوقت؛ نتيجة لاختلاطهم بالثقافة الإغريقية، ولولا هذا الدور لتزعزعت ثقة الناس بالقرآن الكريم، وبالإسلام ومفاهيمه.

وبالنسبة الى دوره عليه السلام في قضية، التمهيد لغيبة الإمام المهدي عليه السلام، فلقد اشترك الإمام العسكري مع أبيه الهادي عليهما السلام، في القيام بدور التمهيد لغيبة الإمام المهدي عليه السلام، والسبب في القيام بهذا الدور، كي تتهيأ الأمة الإسلامية، ولا تتفاجأ بالغيبة، وبالتالي يؤدي ذلك إلى إنكار وجود الإمام المهدي عليه السلام، والإنسان بطبيعته إذا تلقى شيئاً بشكلٍ مفاجئ تحدث له ردود فعل متعددة تجاهه؛ ولذلك، نحتاج دائماً إلى التمهيد في جميع أمورنا، كي نتلقى ذلك الشيء الغريب بمقبولية أكبر، ولهذا طرح الإمام العسكري عليه السلام قضية المهدي وإمامته على مختلف الأصعدة وانه الخلف الصالح الذي وعد الله به الامم، وأن يجمع به الكلم، كما اتخذ الإمام العسكري عليه السلام، إجراءات تتناسب والظروف المحيطة بهما. غير أن النقطة الاخرى التي تتلوها في الأهمية هي مهمة إعداد الامة المؤمنة بالإمام المهدي عليه السلام لتقبل هذه الغيبة التي تتضمن انفصال الامة عن الامام بحسب الظاهر وعدم إمكان ارتباطها به وإحساسها بالضياع والحرمان من اهم عنصر كانت تعتمد عليه وترجع إليه في قضاياها ومشكلاتها الفردية الاجتماعية، فقد كان الإمام حصناً منيعاً يذود عن أصحابه ويقوم بتلبية حاجاتهم الفكرية والروحية والمادية في كثير من الأحيان. ولاجل عدم تعرض المؤمنين الذين كانوا قد اعتادوا على الارتباط المباشر بالامام عليه السلام، ولو في السجن او من وراء حجاب وكانوا يشعرون بحضوره وتواجده بين ظهرانيهم ويحسون بتفاعله معهم، فلقد بذل الامام العسكري عليه السلام جهد مضاعف لتخفيف آثارها وتذليل عقباتها، ولهذا مارس الإمام العسكري تبعا للإمام الهادي عليهما السلام، نوعين من الإعداد لتذليل هذه العقبة ولكن بجهد مضاعف وفي وقت قصير جدّا.

الأوّل: الإعداد الفكري والذهني.

الثاني” الإعداد النفسي والروحي.

من هنا نجد أنّ الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام مهدا بشكلٍ فاعل ومؤثر لغيبة الإمام المهدي عليه السلام؛ كي لا ينحرف أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام عن خطهم وعن مدرستهم.

ولقد مُورِس التمهيد لغيبة الإمام المهدي عليه السلام بشكلٍ جزئي في حياة الإمام الهادي عليه السلام وبشكل أكبر في حياة الإمام العسكري عليه السلام. ولذا، نجد أنّ الإمام الهادي عليه السلام يحتجب عن شيعته ومواليه، فلا يتصدى لإدارة الأمور الاقتصادية أو الإجابة عن أسئلتهم بشكلٍ مباشر، وإنما كان يركز على مبدأ الكفاءة الذاتية في العلم مع التقوى المتوفرة في تلامذته، فهو يرجع الناس إلى من توفرت فيهم مجموعة من المواصفات، كالعلم والتقوى والإيمان، والصبر؛ ليديروا أمور الناس وشؤونهم الخاصة والعامة، ومن أمثلة هؤلاء، أحد أصحاب الإمام الخلص، ومن وكلائه الموثَّقين، الذي كان يتخفى بصورة بائع للسمن، فيقوم بتوصيل الحقوق الشرعية، ويُعطي الإمام الأسئلة التي يحتاج الناس إلى أجوبتها، وقد كانت ممارسة الإمام الهادي عليه السلام لهذا الدور تمهيداً لكي يعتاد أتباع أهل البيت على الارتباط بالإمام المهدي عليه السلام من خلال الوكلاء، وبالتالي، يتهيئون لغيبته، وهذا الدور للإمام الهادي، وإن كان محدوداً وبشكل جزئي إلا أنّ آثاره ونتائجه كانت باهرة ومؤثرة في نطاق واسع. ثم جاء بعده، الإمام العسكري عليه السلام الذي استطاع أن يمارس الدور بالتمهيدي لغيبة الإمام المهدي بصورة أكبر؛ وفي جوانب متعددة، كإخفاء ولادة الإمام المهدي عليه السلام وإخبار المخلصين من أصحابه بولادته، وإيضاح علاقة الناس بالإمام في غيبته الصغرى، ولم يقتصر الإمام العسكري عليه السلام على هذه الأمور، بل، أوضح وظائف ومهام في عصر الغيبة الكبرى، وأهمها، التأكيد على الارتباط بالعلماء كقيادة ومرجعية للأمة في الأمور الدينية، وذلك، من خلال بيان المؤهلات والخصال، التي يتميزون بها، ولذا، كان عليه السلام يقول: ‹‹فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه››، بل، لم يكتفِ عليه السلام بهذا القدر من بيان صفات العلماء، وإنما أكد على دورهم الكبير، والجهود الجبّارة التي يقومون بها، ولذا، قال عليه السلام: ‹‹لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم عليه السلام من العلماء الداعين إليه، والدالين عليه، والذابين عن دينه بحجج الله والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته…لما بقي أحد إلا ارتدّ عن دين الله››، فهذه الرواية تُبين الدور العظيم، الذي يقوم به العلماء، والتركيز من لدُن الإمام العسكري عليه السلام على جهود هؤلاء العلماء الحثيثة في عصر الغيبة الكبرى، لحفظ الدين ومعالمه. لقد كان هذا الدور التمهيدي لغيبة الإمام عليه السلام له فائدة عظيمة على المجتمع الموالي، بحيث توافرت فيه الأرضية المناسبة كي يعتاد الناس على غيبة الإمام عليه السلام، وبالتالي، تكون لديهم مقبولية كاملة وفهم واعٍ في الرجوع إلى العلماء والسفراء الذين أُوكلت إليهم الأمور، كما كانوا في عهد الإمامين العسكريين عليهما السلام. ولو لم يمارس الإمام العسكري عليه السلام هذا الدور التمهيدي، لأدى ذلك، إلى أن يُصدم أتباع أهل البيت عليهم السلام بواقع لم يعتادوا عليه في مسيرة الأئمة السابقين، وهذا بدوره سوف يؤثر على عقيدة هؤلاء الموالين في الإمامة، وقد يحرفهم ذلك عقدياً وفكرياً عن خط أهل البيت عليهم السلام.

اما الدور الاهم الثاني للامام العسكري عليه السلام هو الذود عن حمى الإسلام ودفع الشبهات.

فلقد مارس الإمام العسكري عليه السلام الذود عن حمى الإسلام ودفع الشبهات المثارة من قبل المشككين والمنحرفين، والذين كانوا يتفننون في وضعها وافتعالها، ولا ريب أنّ هذه الشبهات لها أثر كبير في نفسية من يقتنع بها؛ خصوصاً إذا صدرت مثل هذه الشبهات من ذوي الرتب العلمية والشخصيات الكبيرة، التي تملك مجموعة من التلامذة المتعددين، والذين لهم اعتبار علمي ثقيل. ان تصدي الإمام العسكري عليه السلام ومواجهته للشبهات أعطى الحصانة المنيعة لكل فرد من المسلمين، ولو انتشرت الشبهات والكتب الضالة في وسط الأمة الإسلامية آنذاك، لكان مادة دسمة للمستشرقين في العصر الحاضر، كي يلصقوا تهمة تناقض القرآن إلى بعض علماء الإسلام. في الحقيقة ان هذه أهم الأدوار التي قام بها الإمام الحسن العسكري عليه السلام للتمهيد للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.

لقد كان الامام العسكري عليه السلام، استاذ العلماء وقدوة العابدين وزعيم المعارضة السياسية والعقائدية في عصره، وكان يشار إليه بالبنان وتهفو إليه النفوس بالحب والولاء، كما كانت تهفو الي ابيه وجده اللذين عُرف كل منهما بابن الرضا عليه السلام، كل هذا رغم معاداة السلطة لاهل البيت عليهم السلام وملاحقتها لهم ولشيعتهم. من هنا فلقد ازداد غيض المعتمد من إجماع الامة – سنة وشيعة – علي تعظيم الامام (ع) وتبجيله وتقديمة بالفضل علي جمع العلويين والعباسيين في الوقت الذي كان المعتمد خليفة غير مرغوب فيه لدي الامة. فأجمع رأيه علي الفتك بالامام واغتياله فدسَ له السمَ ، وقضي نحبه صابرا شهيدا محتسبا ، في الثامن من ربيع الاول عام 260 للهجرة، وعمره الشريف دون الثلاثين عاما، ودفن الامام العسكري عليه السلام الي جانب ابيه الامام الهادي عليه السلام في سامراء.

وخير ما نختتم به مقالنا هذا مجموعه من حكمه واحاديثه الشريفة:

* لاتمار فيذهب بهاؤك، ولا تمازح فيجترا عليك.

* من التواضع السلام على كل من تمر به.

*من الجهل الضحك من غير عجب .

* الغضب مفتاح كل شر التواضع نعمة ٌلا يحسد عليها.

* جرأة الولد على والدهِ في صِغَرهِ، تدعو إلى العقوق في كِبَرهِ.

* لا يشغلك رزق مضمون عن عمل مفروض.

*ومن وصاياه عليه السلام: “أوصيكم بتقوى الله والورع في دينكم والاجتهاد لله، وصدق الحديث واداء الامانه الى من ائتمنكم من بر أ وفاجر، وطول السجود و حسن الجوار، فبهذا جاء محمد (صلى الله عليه وآله) صلوا في عشائرهم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم وأدوا حقوقهم، فان الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق فى حديثه وأدى الأمانه وحسن خلقه مع الناس، قيل هذا شيعي، فيسرني ذلك اتقوا الله وكونوا لنا زيناً ولا تكونوا شينا. جروا الينا كل مودة وادفعوا عنا كل قبيح، فإنه ما قيل فينا من حسن فنحن أهله، وما قيل فينا من سوء فما نحن كذلك. لنا حق في كتاب الله وقرابة رسول الله وتطهير من الله لا يدعيه أحد غيرنا إلا كذاب .أكثروا من ذكر الله وذكر الموت وتلاوة القرآن والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله)، فإن الصلاة على رسوله (صلى الله عليه وآله) عشر حسنات .. احفظوا ما أوصيتكم به واستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام” .

السَّلامُ عَلَيْكَ يا وَلِيَّ الله السَّلامُ عَلَيْكَ يا حُجَّةَ الله وَخالِصَتَهُ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا إِمامَ المُؤْمِنِينَ ، وَوارِثَ المُرْسَلِينَ ، وَحُجَّةَ رَبِّ العالَمِينَ. صَلّى الله عَلَيْكَ وَعَلى آلِ بَيْتِكَ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ.

بقلم / صلاح بسطامي

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق