الرابح والخاسر من التحالف السعودي- الإسرائيلي ضد إيران؟
لم يكن كلام نتنياهو الأخير حول العلاقة مع العرب أمراً سارّاً، إلا أنّه بالتأكيد ليس بالأمر الجديد. رئيس الوزراء الإسرائيلي تحدّث بوضوح كبير هذه المرّة حول “تغير وضع “إسرائيل” في العالم العربي”، موضحا أن الكيان الإسرائيلي لا يعدُّ عدوا، بل يعدُّ على الأرجح حليفا للعالم العربي في معركته الحتمية مع قوى “الإسلام المتطرف”، إن كانت متمثلة في “إيران الشيعية” أو “داعش السني المتطرف”.
لم يكتفِ رئيس الوزراء الإسرائيلي بذلك، بل أضاف في مقابلة مع برنامج “60 دقيقة” على شبكة “CBS” الإخبارية الأمريكية، أنّه لا داعي لإقامة تحالف مع السعوديّة ضدّ إيران، لأنه ” يعد قائما في الواقع”!
يبدو واضحاً لعب نتنياهو على الوتر المذهبي، إلا أنه في الوقت عينه لا يمكن إنكار تشابه مفردات الخطاب الدعائي بين البلدين، السعودية والكيان الإسرائيلي، تحت شعار “مواجهة التهديدات المشتركة”، وهو ما أعلنه مستشار نتنياهو السياسي، “دوري غولد” قبل ثلاثة أعوام تقريبا (ديسمبر/كانون الأول 2013) عندما كتب في صحيفة ” إسرائيل اليوم” أن “السعودية و”إسرائيل”، تعاونتا منذ عشرات السنين في مواجهة تهديدات مشتركة”، مشيراً إلى أن “أحداث الحادي عشر من سبتمبر مثلت في الواقع نقطة تحول فارقة أفضت إلى تحول أيدلوجي فارق في السياسة السعودية.
قد لا نحتاج إلى كلام “نتنياهو” و”غولد” لإثبات حقيقة التناغم، وربّما العلاقة بين البلدين، حيث تتبنى كل من “إسرائيل” والسعوديّة الخطاب السياسي نفسه، وتتقاطع أولوياتهما الإقليمية إلى حد التطابق.
لسنا هنا في وارد إثبات العلاقة بين البلدين، خاصّة بعد أكثر من زيارة سعودية “غير رسميّة” إلى الكيان الإسرائيلي، مقابل وصول وفد إسرائيلي رفيع إلى الرياض، وفق صحيفة “هآرتس”، ولكن ماذا عن حسابات الربح والخسارة في هذه العلاقة؟
الربح والخسارة
لسنا من دعاة التصديق بكلام نتنياهو، فمن يتمسكن أمام المجتمع الدولي ويظهر نفسه كالحمل البريء رغم أنّه يفتك بأبناء الشعب الفلسطيني أطفالاً وشبّاناً وشيبة، لن يتوارى عن الكذب لتحقيق مصلحة هنا أو هناك. إلا أن كثرة الشواهد تفرض على عقولنا القبول بوجود تحالف سعودي إسرائيلي غير معلن، رغم أن قلوبنا لا زالت تلفظه حتّى الساعة.
لست أنا لوحدي كذلك، بل إن كافّة الشعوب العربية لا زالت تعتبر الكيان الإسرائيلي عدوّها الأوّل والأخير، وهو ما أراد نتنياهو نفيه خلال مقابلته الأخيرة عند حديثه عن “تغير وضع “إسرائيل” في العالم العربي”، ولكن هيهات أن تتغيّر الشعوب العربيّة حتى لو تحالف الكيان الإسرائيلي مع كافّة أنظمتها.
ولعل هذا ما تصبو إليه السلطات الإسرائيلية اليوم بغية صهر الوعي والهويّة والقضيّة في بوتقة التطبيع، لتحقّيق أهدافها في التأقلم مع محيطها العربي، ولكن نسأل: إذا كانت “اسرائيل” تبحث عن التأقلم في محيطها، كيف تسمح لليهود الأشكناز من القوقاز بالوجود على أرض فلسطين، وتمنع أصحاب الأرض من العودة إلى بيوتهم التي احتفظوا بمفاتيحها؟
لا شكّ في أن الكيان الإسرائيلي هو المستفيد الأكبر من أي تحالف مع السعودية، أو أي دولة عربية، ولكن ماذا عن السعودية؟
لا يختلف إثنان على العداء الإسرائيلي السعودي المشترك لإيران، ولكل أسبابه، إلا أن هذا العداء لا يبرّر انسحاب السعودية نحو الكيان الإسرائيلي، خاصّة أنها ستكون أبرز الخاسرين بسبب العداء الشعبي، العربي والإسلامي، لهذا الكيان، وهو الأمر الذي دفع ببعض المؤسسات الإعلاميّة للعمل على تدجين الرأي العام العربي، لكن تدجين الرأي العام لقبول التحالف مع “إسرائيل” يتطلب خطاباً مذهبياً وعدائياً ضد إيران. هذا ما تفعله السعودية اليوم، وتشاطرها “إسرائيل” الأمر ذاته.
ندرك جيّداً حجم الورطة السعوديّة بعد تخلّي الإدارة الأمريكية الجديدة عنها، ولكن تخطئ إذا ما اعتقدت أن التحالف مع الكيان الإسرائيلي سيعزّز من دورها الإقليمي بعد خسارتها لليمن ومصر والعديد من الدول العربية، تماماً إذا ما اعتقدت أنه باستطاعة نتنياهو إعادتها للأحضان الأمريكية.
في الخاسرين أيضاً، يبدو أن الشعب الفلسطيني الذي يعاني اليوم من نقص الأمن والماء والغذاء أحدهم، باعتبار أن التقارب مع السعودية، وهو أمر سينسحب بالتأكيد على دول أخرى، سيخفّف من الضغوط على الكيان الإسرائيلي، سواءً العربي أو الدولي، ما يعني ارتفاع حجم المعاناة للشعب الفلسطيني.
لم تجب السعودية بشكل رسمي حتّى الساعة عن حقيقة العلاقات، نأمل أن يكون الأمر سحابة صيف، ولكن ما نخشاه، خشيةً على السعوديين قبل غيرهم، هو تظهير العلاقة الذي سيكون بالتأكيد متأخراً كثيراً عن حقيقة ما يدور بعيداً عن الأضواء، وهو أمرٌ ألفناه في العلاقات الإسرائيلية العربية.
قد تعتقد السلطات السعودية أن إيران ستكون أبرز الخاسرين من هذا التحالف، ولكن على العكس تماماً، يعكس هذا التحالف صوابيّة الموقف الإيراني الداعم للقضيّة الفلسطينية، الأمر الذي سيعيد الكثير ممن تلوّثت أفواههم بالخطابات المذهبيّة بسبب اللحن السعودي، سيعيدهم إلى المربّع الأول، المربّع الإسلامي الذي يتّخذ من القضية الفلسطينية بوصلةً له، وتعد الجمهورية الإسلاميّة الإيرانية أحد أبرز أركانه.
حتى لا نكون من دعاة التشاؤم عبر طرح المشكلة دون ذكر الحلول، هل تمتلك السعوديّة خياراً أفضل؟ نعم بالتأكيد، عبر إعادة البوصلة إلى فلسطين، واللجوء إلى منطق الحوار مع إيران بغية حل الخلافات، وذلك بعد إيجاد تحالف عربي – إيراني ضد الكيان الإسرائيلي.
المصدر / الوقت