السعودية نحو “تحالف عربي” هش في مواجهة مصر
هناك إصرار خليجي، سعودي تحديداً، على المواجهة مع مصر. هذه المواجهة وصلت إلى ما فوق الخطوط الحمراء مع زيارتين خليجيتين إلى أثيوبيا التي يربطها خلاف جوهري مع مصر حول سدّ النهضة، الأولى سعودية والثانية قطرية.
لم يكن التوجّه السعودي القطري إلى أثيوبيا عبثياً، بل يأتي في سياق رسائل الرعب التي يوجّهها كل طرف للآخر، وهو ما وجد فيه الإعلام المصري مادّة دسمة لمهاجمة السعودية التي “لا تطيق موقفا مستقلاً لمصر”، فضلاً عن قطر التي وجدت مصر في زيارتها استفزازاً يؤكد أن “للدوحة مواقف عدائية من مصر ومصالحها في المنطقة”، وفق البرلمان المصري.
جاءت زيارة قطر إلى أثيوبيا بعد أيام على كسر مستشار ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز أحمد الخطيب المحرّمات المصرية بزيارة أثيوبيا، فضلاً عن زيارته لموقع إنشاء السد الذي يشكل نقطة خلاف جوهري مع مصر، الأمر الذي أثار حفيظة السلطات المصرية.
لا نستغرب أن تستمر السعودية في مواقفها وحتّى لو تطلّب الأمر الاستثمار السريع في بناء السدّ الذي تخشى مصر من إتمام بناءه، بسبب مخاوفها من تأثر حصتها المائية من نهر النيل، وهي مخاوف قديمة تعود إلى عهد الرئيس المصري الأسبق أنور السادات قبل أكثر من 45 عاماً، عندما قال كلمته الشهيرة “من الأفضل أن يموت الجنود المصريون في ميادين القتال بإثيوبيا على أن يموتوا من العطش في بلادهم”.
نعم إنه العطش المائي، كما العطش النفطي الذي تريده السعودية لمصر اليوم بغية إعادتها إلى العباءة الخليجية، السعودية تحديداً، وتكريس زعامتها للعالم العربي في ظل غياب سوريا والعراق بسبب انشغالهما بالأزمات الداخلية، إلا أنّ لمصر أوراق قوّة أخرى قادرة على استعمالها في وجه السعودية ومن لفّ لفها في مقدّمتها سوريا واليمن وايران.
لا شكّ في أن السعودية لا تريد قطع العلاقة مع مصر، بل أرادت توجيه رسالة حزم إلى مصر عبر أثيوبيا، علّها تنجح في كسب كباش “القارّة السمراء”، وبالتالي إخضاع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي بدأ الخلاف معه في قضيتي تيران وصنافير اللتين رفض القضاء المصري التنازل عنهما، وبلغ ذروته المصرية في مجلس الأمن، لترد السعودية عبر قطع الإمدادات النفطية لشركة “أرامكو”، ولاحقاً عبر الحديث عن إنشاء قاعدة عسكرية سعودية على أراضي جيبوتي، ما أثار غضب القاهرة حينها “على اعتبار أن تلك المناطق محسوبة على نفوذ دبلوماسي مصري، يقع في نطاق أمنها القومي، باعتباره عمقاً استراتيجياً مصرياً في أقصى الجنوب”، حسب مصادر مصرية.
الهدف السعودي الأول والأخير، إقرار مصر بتبعيتها للرياض، خاصّة مع الإنسحاب الأمريكي المتوقّع من المنطقة مع وصول الرئيس دونالد ترامب الأمر الذي قد يحدث فراغاً جزئياً تسعى السعودية لاستغلاله، ولكن الخطوة الأخيرة ليست موجّهة إلى الرئيس المصري، إنما تستهدف بالدرجة الأولى حياة مئة مليون مصري باعتبار أن تقليص حصّتها من سدّ النهضة، الذي يحظى بدعم وتحريض إسرائيلي يهدف لإضعاف مصر على شاكلة العراق وسوريا، يشكّل خطراً وجودياً، وسيؤثر بشكل كبير على النيل باعتبار أن 85 بالمئة من مياهه من النيل الأزرق.
خيارات الردّ
يبدو أن التوتر في العلاقات بين البلدين بات مسألة “كسر عظم”، بسبب تجاوز السعودية لكافّة الخطوط الحمراء، فالمناكفة السعودية القطرية لمصر هي قضايا ذات أمن استراتيجي من المفترض أن تبقى بعيدةً عن المناكفات السياسية، لكن لمصر خيارات ردّ واسعة:
أولاً: تتسم مواقف القاهرة بالواقعية وتنطلق من مصالح الأمن القومي المصري، وتحديداً فيما يخصّ الملف السوري، بخلاف السعودية التي تعمد اليوم للمناكفة السياسيّة مع مصر من خلال اللعب على الوتر الأثيوبي.
ثانياً: كثيرة هي خيارات الردّ المصري، نذكر بعض ما تناقلته وسائل الإعلام المصرية. فقد قال أستاذ الدراسات السياسية والاستراتيجية بالجامعة الأمريكية، المقرب من المخابرات المصرية، طارق فهمي، أن “مصر لديها أوراق ضغط كثيرة لم تستخدمها، ولم تلوح بها، وإذا أرادت أن تستخدمها في هذا التوقيت ستستخدمها”، وأضاف: “يمكننا دعم الأمراء المعارضين للملك”. الإعلامي محمد علي خير لوّح هو الآخر بالورقة الإيرانية، وتابع: السعودية تحاول الضغط على مصر على مدار 40 عاما؛ حتى لا تقيم علاقات مع إيران برغم أن هناك دولا خليجية لديها علاقات مع إيران، وفق وصفه.
ثالثاً: إن مصر قادرة اليوم على طرح الورقة السوريّة بقوّة، فضلاً عن الأزمة اليمنيّة. لا نعتقد أن تلجأ إليها مصر حالياً، لأن ذلك يعني ترحيل العمالة المصرية من السعودية وبقيّة دول مجلس التعاون. وبالتالي، لا نستغرب أن تلجأ السعودية لخطاب إلغائي ضد مصر، كما هو الحال مع ايران.
إن مواقف السعوديّة الأخيرة “سوداء لن ينساها التاريخ”، وفق وزير الموارد المائية المصري السابق، لكن الرياض غير قادرة تشكيل أي تحالف عربي ضد مصر. نعم، قد تنجح في ضم قطر والبحرين، وربّما الكويت وجيبوتي، إلا أنها عاجزة عن ضم سلطنة عمان وحتّى الإمارات إلى جانبها، فضلاً عن بقيّة الدول العربيّة، فهل ستقطع شعرة معاوية بين الطرفين؟ هل ستنقسم الجماعة العربيّة؟ وهل سيحصل الأمر ذاته في مجلس التعاون الخليجي؟. إجابات تبقى برسم الوقت.
المصدر / الوقت