“قطبة مخفية” في معركة الموصل: أين هي؟
بعد إصراره في وقت سابق على أن يكون 2016 هو عام نهاية تنظيم داعش الإرهابي في العراق، يبدو أن الواقع الميداني لم يكن حسب توقّعات رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الذي أعلن في وقت سابق أن “القضاء على تنظيم داعش في العراق سيستغرق ثلاثة أشهر أخرى”.
التمديد الجديد، يعني أن “العام 2017 سيكون عام النصر على الإرهاب” في العراق، ولكن ما الذي يؤكد ذلك، فربّما يكون العام 2018 وربّما ما بعد العام 2019!
لا يمكن لأحد إنكار حجم الإنجازات التي تحقّقها القوّات العراقيّة في مدينة الموصل ومحافظة نينوى، لاسيّما في ظل المواجهات الشرسة مع مقاتلي التنظيم الإرهابي الذي يعتمد أسلوب المواجهة بالمفخخات، إلاّ أن التدقيق في التصاريح العسكرية العراقيّة يؤكد وجود “قطبة خفيّة” في المعارك الدائرة منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر 2016.
قد لا ندري ماهيّة “القطبة الخفيّة” حتى الساعة، فربّما الحماس دفع بالعبادي لإطلاق شعارات تتخطى حدود الواقع، وربّما هناك عرقلات حصلت بالفعل حالت دون تحرير العراق في العام 2016، إلاّ أن ما بدا واضحاً وجود تباطؤ في عمليات تحرير الموصل، ردّه البعض لأسباب إنسانيّة تتعلّق بالمدنيين الذين يتّخذ منهم تنظيم “داعش” الإرهابي دروعاً بشريّة، في حين أرجعه آخرون لأسباب تتعلّق بالدعم الأمريكي وسياسة واشنطن “المبهمة”، على أقلّ تقدير، في التعاطي مع التنظيم الإرهابي.
إن كلام العبادي مؤخراً عن إعادة النظر في خطة تحرير مدينة الموصل، رغم التقدّم الميداني يعزّز من فرضية “القطبة المخفيّة”، وفي ظل هذا الغموض النسبي في ملف الموصل، والذي ارتفع مؤخراً مع انتهاء مرحلة الجمود العملياتي، لا بد من الإشارة إلى النقاط التالية:
أوّلاً: نجحت القوّات العراقيّة المشتركة في تحرير مناطق شاسعة من المدينة المحتلّة، الأمر الذي يؤكد قدرة هذه القوّات على حماية البلد وصونه، لاسيّما في ظل وجود قوات الحشد الشعبي التي كانت مخرزاً في أعين الحاقدين على العراق. إن القدرات التي أظهرتها القوات العراقية أكدت حجم الطاقات المتواجدة في الداخل العراقي والتي تمتلك القدرة على الرد السريع. ليس آخر هذه القدرات وعملية الرد السريع هي محاولة التنظيم الإرهابي انتهاز الفرصة لمهاجمة سامراء، إلا أن قوّات الحشد الشعبي قد أعلنت السيطرة على الوضع الأمني هناك وأحبطت الهجوم الإرهابي على المدينة، فضلاً عن إعلانها (سرايا السلام) إلقاء القبض على العقل المدبّر المسؤول عن المضافة التي انطلق منها الإرهابيون.
ثانياً: وعند البحث في تفاصيل التباطؤ العملياتي في المدينة، التي لا ننكر صعوبة اقتحامها، تظهر ازدواجيّة أمريكية منذ الأيام الأولى حيث تحدثت صحيفة “واشنطن بوست” حينها عن “إحباط مسؤولين عسكريين من القوات العراقية والكردية بسبب دور أمريکا في عملية استعادة مدينة الموصل من قبضة تنظيم “داعش” الإرهابي.
ثالثاً: فيما يخص الدور الأمريكي الذي يلاعب التنظيم الإرهابي ببعض الغارات التي تستخدم كغطاء على دور واشنطن، هناك العديد من التصريحات التي صدرت عن قيادات عسكرية عراقيّة تؤكد عدم وجود أي غطاء جوّي في المناطق التي تكفّل بها التحالف، وبالتالي غدت القوات العسكرية العراقيّة حينها “منسية” وبلا غطاء جوي الأمر الذي زاد من حجم الخسائر.
رابعاً: للأسف، لا يزال هناك تعويل سياسي من بعض الأطراف العراقية، على الدور الأمريكي في البلاد. إلا أن مطالعة هؤلاء لتصاريح القادة العسكريين التي اعترضت على سيطرة واشنطن على القرار السياسي والعسكري للعمليات بدءاً من التخطيط مروراً بالتنفيذ والتجميد ووصولاً إلى الاستئناف، تكشف لهم الواقع الأمريكي في العراق. ورغم سعي واشنطن للإمساك بزمام القرار السياسي للعمليات، إلاّ أن المشاركة العسكرية محدودةً جدّاً لا يمكن التعويل عليها، تتلخّص في بعض عمليات الإسناد الجوي والمدفعي مع الاشتراط المسبق على تحديد الأهداف بنفسه، ومن دون أي مشاركة بريّة في قوات المشاة. تكفي مقارنة المناطق التي نجحت قوات الحشد الشعبي في تحريرها غربي الموصل دون أي غطاء أو دعم أمريكي، وتلك التي حرّرها الجيش العراقي والأجهرة الأمنية بمساندة التحالف الدولي، لمعرفة صاحب “القطبة المخفيّة”. هذه القطبة بدت واضحة من خلال الفيتو الأمريكي على دخول الحشد الشعبي إلى مدينة تلعفر، وبالفعل ضغط العبادي على الحشد لتنفيذ القرار الأمريكي ما أثار الخلافات بين الجهتين.
خامساً: لا يمكن التغافل عن نقاط أخرى زادت حجم التحدّيات الملقاة على كاهل القوات العراقيّة المشتركة، وفي مقدّمتها الخشية على المدنيين الذين يتخذ منهم تنظيم “داعش” الإرهابي دروعا بشرية، فضلاً عن دور كل من تركيا والسعودية في عرقلة مسار العمليّة العسكرية. في الحقيقة، إن الدور التركي في عرقلة العملية العسكرية والخلاف حول معسكر بعشيقة، وكذلك التطبيل السعودي ضد قوات الحشد الشعبي بشكل خاص والجيش العراقي بشكل عام أثّر على سير معركة “قادمون يا نينوى”.
اليوم، يتحدّث العبادي عن مرحلة الحسم النهائي، ونوافقه في أن الرصيد الأساس في المعركة هم المقاتلون، وكذلك دور طيران الجيش لا الطيران الأمريكي، ولكن في ظل سيطرة واشنطن على القرار السياسي والعسكري، يبقى هذا الحسم رهن القرار الأمريكي عدا تلك الجبهات التي يتولّاها الحشد الشعبي، وإذا ما أراد العراقيون تحرير بلادهم لا بدّ من الإبتعاد عن الفلك الأمريكي، فنصر العراق والدور الأمريكي نقضيان، لا يجتمعان ولا يرتفعان.
المصدر / الوقت