انقسام في الشارع الأمريكي حول روسيا
بالتزامن مع خروج الرئيس الأمريكي باراك أوباما المنتهية صلاحيته من البيت الأبيض، وبدء التحضيرات التي تجري حالياً لمراسم تنصيب دونالد ترامب رئيساً جديداً للولايات المتحدة الأمريكية، تشهد أمريكا انقساماً حاداً في المواقف بشأن العلاقة مع روسيا.
حيث انضم إلى محور أنصار سياسة إدارة أوباما في تشديد العقوبات على روسيا التي تُتهم بالتدخل في الشؤون الداخلية للولايات المتحدة، الجزء الأكبر من أعضاء الكونغرس الجمهوريين والديمقراطيين ورؤساء الأجهزة الأمنية، أما المحور الثاني الذي يدعو أنصاره إلى تحسين العلاقات مع روسيا، فضم دونالد ترامب وبعض الأعضاء في الحزب الجمهوري الذين رفضوا انتقاد الكرملين في وقت سابق وشككوا في مصداقية الاستخبارات الامريكية حول تقريرها الأخير الذي يتهم روسيا بعمليات قرصنة بهدف التدخل في انتخابات الرئاسة الأمريكية، ولأول مرة تاريخياً أصبح تأييد روسيا أو معارضتها معياراً للوطنية في الولايات المتحدة.
ودعا أوباما في حديث إلى قناة “إي بي سي” التلفزيونية الجمهوريين والديمقراطيين إلى نبذ الخلافات أمام التهديدات الخارجية لأمريكا التي تأتي من موسكو. وقال: “يجب أن نتذكر أننا فريق واحد، وأن فلاديمير بوتين ليس ضمن فريقنا”. وأضاف أن دعم عدد من الجمهوريين لبوتين أمر غير مقبول.
ولا شك أن تقرير الأجهزة الأمنية الأمريكية “وكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الأمن القومي” حول تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، أدى إلى تعميق هذا الانقسام في النخبة السياسية الأمريكية، وخصوصاً أن رد فعل الرئيس المنتخب دونالد ترامب على الجزء السري من التقرير لم يكن كما توقع معدو التقرير، ورغم ذلك فقد شكر ترامب الأجهزة الثلاث على مجهودها.
وقال أوباما في المقابلة التلفزيونية “كان لدى روسيا تفضيلها الخاص فيما يتعلق بنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي جرت في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني2016”. وزعم أوباما أن موسكو حاولت التدخل في العملية الانتخابية الأمريكية عبر القيام بهجمات إلكترونية.
من جانبهم نفى مسؤولون روس مراراً هذه الاتهامات، حيث قال “ديمتري بيسكوف”، المتحدث باسم الكرملين في وقت سابق، متوجهاً للأمريكيين: “توقفوا عن الحديث عن الأمر أو قدموا إثباتات، وإلا سيبدو الأمر غير لائق”.
وكان موقع ويكيليكس نشر آلاف الرسائل الإلكترونية لأحد أقرب مستشاري كلينتون ما زعزع حملة المرشحة الديمقراطية لأسابيع عدة. وتقول واشنطن إن أجهزة الاستخبارات الروسية هي التي نقلت هذه الرسائل إلى ويكيليكس الأمر الذي نفاه مؤسس الموقع جوليان اسانج.
يذكر أن إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته فرضت عقوبات جديدة على مسؤولين روس، في هذا السياق قال وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر خلال آخر مؤتمر صحافي له في البنتاغون:
“إن التدابير الانتقامية التي اتخذتها الولايات المتحدة مؤخراً ضد روسيا بسبب أنشطة القرصنة الإلكترونية المزعومة ليست نهاية المطاف”.
وفي التعليق على العقوبات الأمريكية الجديدة بحق روسيا وصف فياتشيسلاف فولودين رئيس مجلس الدوما هذه العقوبات بأنها دليل على “الهستيريا”.
وكانت إدارة أوباما طردت الشهر الماضي 35 دبلوماسياً روسياً على خلفية مزاعم باختراق قراصنة روس لأجهزة كمبيوتر الحزب الديمقراطي الأمريكي للتأثير على الانتخابات الرئاسية.
وأعلن الرئيس فلاديمير بوتين في حينها أنه لن يرد بالمثل. وصرح مسؤولون روس بأن السلطات بانتظار مواقف الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب.
من جانبه يعتبر الرئيس الامريكي المنتخب ترامب أن الولايات المتحدة وروسيا لديهما ما يكفي من المشكلات، وبرأيه فإن “إقامة علاقات جيدة مع روسيا، أمر جيد”، والأغبياء أو الحمقى فقط يمكنهم التفكير بأن هذا أمر سيئ، وأضاف ترامب أن روسيا وأمريكا بإمكانهما القيام بعمل مشترك في حل العديد من المشكلات الجدية والآنية في عالمنا.
يذكر أن عدم رغبة ترامب بالموافقة على مضمون تقرير الأجهزة الأمنية بشأن التدخل الروسي قبيل مراسم تنصيبه، وتعهده بتحسين العلاقات مع موسكو، يهددان باستمرار المواجهة بين المعسكرين في المجتمع الأمريكي.
هذه المسألة ستطرح على الكونغرس للمناقشة، حيث أُعلن عن تشكيل لجنة فرعية لشؤون القوات المسلحة لشؤون الأمن الالكتروني والسلاح الالكتروني سيترأسها السيناتور ليندسي غرهام، الذي ينتقد الكرملين في كل مناسبة. فقد دعا هو وماكين إلى تشديد العقوبات على روسيا، وطلبا من الرئيس المنتخب عدم التخلي عن نهج أوباما بشأن العلاقة مع موسكو، مبررين ذلك بأن جهودهما ليست موجهة ضد ترامب، بل ضد القوة الخارجية التي تهدد الولايات المتحدة “روسيا”، التي يجب مواجهتها بصورة مشتركة.
المصدر / الوقت