الجزائر والتحديات الأمنية الكبيرة؛ هل تعود بلد الميلون شهيد لدوامة العنف؟
بالتزامن مع فشل الدعوات للعصيان المدني في الجزائر، طفت على السطح من جديد التحديدات الامنية والسياسية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد، في ظل انكشاف الجزائر على تطورات أمنية خطيرة وسط محيط مضطرب، وكون البلاد خرجت للتو “نسبيا” من معارك عنيفة أرهقت آلاف الأرواح وهي الفترة الزمنية التي أصبحت تعرف بـ” العشرية السوداء “.
فعلى الرغم من اندلاع إضرابات واحتجاجات في الجزائر منذ بضعة أعوام، إلا أن الجزائر لم تعيش أحداث مشابهة كالتي شهدتها دول عربية عديدة، وبقيت البلاد بمنأى عن الأحداث التي أدت الى تدمير بعض البلدان العربية في ظل أزمة هوية تعيشها دول عربية اخرى.
وفي هذا الصدد أكد عدد من المسؤولين الجزائريين وجود تدخلات خارجية تحاول العبث بأمن و استقرار البلاد مثلما تفعل بالكثير من الدول التي تعيش أوضاعا أمنية و اقتصادية صعبة، مشددين على أن أطرافا عديدة تتربص بالجزائر و تحاول المناورة بها مستغلة الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد و إجراءات التقشف التي اتخذتها الحكومة.
وتشير الدراسات السياسية الى أن قطاعات المجتمع الجزائري فقدت الثقة بأحزاب المعارضة والاسلامية منها على وجه الخصوص بعد احداث التسعينات الدموية، وما رافقها من مجازر مرعبة وضرر اقتصادي كبير لحق بالبلاد، مما جعل المجتمع الجزائري يعيش بمرحلة أفضل ما يمكن توصيفها باسم “مرحلة نقاهة” بعد تلك التجربة المريرة للبلاد مع العشرية السوداء وذلك خلال فترة التسعينيات وما أعقبها من تداعيات سلبية راح ضحيتها نحو 200 ألف جزائري خلال الفترة من عام 1992 وحتى عام 2002، بخلاف المفقودين والنازحين.
وعلى الرغم من عزوف الجزائريين عن الانخراط بموجة “الربيع العربي” مستفيدين من تجربتهم الخاصة بالمرتبة الأولى وتجربة الدول العربية التي اجتاحتها موجة التغير والاضطرابات في المرتبة الثناية، لكن البلاد لم تكن بعيدة عن خطط المؤامرة الخارجية وهو ما تجلى بما يلي:
– سعي الاستخبارات الاسرائيلية (الموساد) لنشر الفوضى في الجزائر كما هو حاصل في سوريا وليبيا وعدد من الدول العربية، وها ما تمثل قبل أيام، باعلان السلطات الأمنية الجزائرية تمكنها من تفكيك خلية تجسس تعمل لصالح الكيان الاسرائيلي في ولاية غرداية، وبحسب الجهة الأمنية فان الشبكة تتكون من 10 أشخاص يمثلون 7 جنسيات، وهي مالية وليبية واثيوبية وليبيرية وكينية ونيجيرية وغانية، كما تم ضبط معدات تجسس متطورة مع أفراد الشبكة.
– اطلاق عدد من الدعوات المشبوهة للعصيان في بعض المدن الجزائرية، ومن مواقع ومؤسسات مجهولة المصدر، تعامل معها غالبية الجزائريين بعدم الاكتراث، وبعد فشل تلك الدعوات، تم الايعاز لبعض المخربين بالتحرك ضمن نطاق تهديد أمن الأشخاص والمؤسسات من خلال نشر شبكات منظمة للسرقة لإجبار أصحاب المحلات التجارية والمؤسسات على إغلاق أبوابها، وبالتالي خلق صور لعصيان مدني.
– اشغال الأمن الجزائري بمجموعة من العمليات الأمنية المتفرقة هنا وهناك، والمتمثلة بالقضاء على مجموعات ارهابية متعددة قرب الحدود سعت وماتزال لانشاء مراكز انطلاق داخل الحدود الجزائرية تكون مراكز لشن عمليات لاحقة في عمق البلاد.
– تحذير الوزير الأول عبد المالك سلال قبل أيام، وأمام رؤساء الدول والحكومات المشاركين في القمة الـ27 إفريقيا-فرنسا، من الإرهاب و الجريمة المنظمة العابرة للأوطان و تهريب المخدرات والأسلحة والاختطاف والمتاجرة بالبشر والهجرة والتي باتت تهدد الساحل الشمالي للقارة الأفريقية.
– أحداث سوريا والتي دفعت آلاف الإرهابيين من تونس (التي كان لها وضع خاص بداية 2011 تمثلت في فتح حدودها للمتشددين) والنتائج المترتبة على عودة المئات منهم وهو ما يؤرق السلطات الجزائرية بشكل خاص، الأمر الذي تظهر خطورته مع ادارك اتساع الحدود المشتركة بين تونس والجزائر وليبيا، وامكانية انتقال هؤلاء الأشخاص بخبراتهم الارهابية المكتسبة من سوريا الى العمق الجزائري.
الى ذلك، تؤكد القراءة السياسية المتأنية لمجمل الأحداث العربية وما افرزته من وضع امني غير مستقر ووضع سياسي غير مستقل عدة نقاط أسياسية لا يمكن تجاوزها في أي قراءة موضوعية للوضع الأمني في الجزائر وتتمثل بما يلي:
– تسعی بعض الدول العربية لمعاقبة الجزائر التي رفضت الانصياع لأوامر البترودولار، وسيطرة دول مجلس التعاون على القرار العربي، فانتهجت الجزائر سياسة مخالفة لقراءة الأوضاع العربية، تجلى ذلك برفضها اعتبار حركات المقاومة للاحتلال الاسرائيلي كمنظمات ارهابية، والتأكيد على حق المقاومة في الدفاع عن قضايا الأمة العربية والاسلامية.
– وجود مساعي خارجية متعدة الاطراف لنشر الفوضى والفتنة داخل الجزائر، وتحويل الحدود الجزائرية الى حدود مفتوحة لتحرك الارهاب كما هو حاصل في ليبيا خدمة لمصالح غربية معروفة تتمثل بتفتيت الهوية المستقلة للجزائر وصلا الى تفتيت البلاد وفق اسس عرقية (عرب وامازيغ)، وهو ما أكده وزير الداخلية الجزائري، نور الدين بدوي، مطلع العام الحالي، الذي أكد “التحدي الأول والأساسي للجزائر في سنة 2017 يكمن في الحفاظ على أمنها واستقرارها من كل التهديدات الإرهابية”، كما كشف بأن: “سنة 2016 تم خلالها حجز كميات هائلة من الأسلحة والذخيرة الحربية والقضاء على العشرات من الإرهابيين بفضل مجهودات ويقظة المصالح الأمنية وفي مقدمتها الجيش الوطني الشعبي”.
– المقاربة المغايرة التي تنتهجها الحكومة الجزائرية للأوضاع في سوريا، وهو ما تمثل باستمرار التواصل الدبلوماسي بين دمشق والجزائر وعلى اعلى المستويات، والتي ظهرت مؤخراً بزيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم للجزائر واستقباله بحفاوة كبيرة،كذلك وتهنئة الجزائر لدمشق بتحرير الجيش السوري لمدينة حلب وطرد الارهابيين.
اذا وعلى الرغم من وجود تراجع كبير نسبياً للمواطن الجزائري من العودة إلى حالة العنف والعنف المضاد التي تصدرت المشهد الجزائري لأكثر من عشرة أعوام خلال تسعينيات القرن الماضي، الى أن البلاد ما تزال ضمن دائرة الخطر القادم من وجود رغبة كبيرة لدى بعضل الدول (غربية وعربية) بتصدير العنف والارهاب لهذه البلاد التي ما زالت تتمتع بقرار مستقل وهدوء أمني نسبي في محيط عربي وإفريقي مضطرب.
المصدر / الوقت