ترامب والاتحاد الأوروبي: هل بعد 20 يناير 2017 كما قبله؟
على بعد أقلّ من أسبوع على تنصيبه الرسمي كرئيس لأمريكا، كرّر الرئيس المنتخب دونالد ترامب موافقه السابقة إزاء العديد من الملفات العالمية الأمر الذي أثار حفيظة “الجميع”، وفي مقدّمتهم الاتحاد الأوروربي الذي نال النصيب الأكبر من “قذائف” ترامب.
مواقف ترامب المثير للجدل أثارت جملة من ردود الأفعال، إلا أن هذه التصريحات تبقى حتّى الساعة برسم الإعلام، لأن هناك كثيرون يرون أن ترامب قبل 20 كانون الثاني/ يناير 2017، يختلف كثيراً عن ترامب بعد هذا التاريخ.
تصريحات ترامب
في آخر مواقفه، وزّع الرئيس المنتخب تصاريح ناريّة في كل حدب وصوب، ففي حين أكّد أن حلف شمال الأطلسي “تخطاه الزمن”، شدّد على أن المستشارة الأمريكية أنجيلا ميركل ارتكبت “خطأ كارثيا” بشأن المهاجرين، موضحاً أنّه كان يجدر ببرلين بدل استقبال اللاجئين، العمل على إقامة مناطق حظر جوي، وأضاف: “كان يجدر بدول الخليج أن تدفع نفقات ذلك، فهي أكثر ثراء من أي كان”.
لم تتوقّف تصريحات ترامب الناريّة عند هذا الحد، بل طالت تصريحاته الداخل الأوروبي وقضاياه الاستراتيجيّة حيث اتهم المانيا بالسيطرة على الاتحاد الأوروبي، واصفاً “بريكست” بالأمر العظيم. وفي حين توقع ترامب ان “تخرج دول اخرى” من الاتحاد الأوروبي، أكّد أن واشنطن قد تبرم اتفاقا مع روسيا.
ردود أفعال
كلام الرئيس الأمريكي أثار جملةً من ردود الأفعال، ففي حين أكّد الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند أن الاتحاد “ليس بحاجة لنصائح خارجية بشأن ما عليه فعله”، قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بعد الانتقادات التي وجهها دونالد ترامب للاتحاد الأوروبي، وإشادته بخروج بريطانيا من الاتحاد، إن مصير الأوروبيين يبقى “في أيديهم”، وأضافت: أريد أن أواصل السعي حتى تعمل الدول الأعضاء الـ 27 سوية نحو المستقبل، لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين”.
لم تقتصر الإدانات على الجانب الأوروبي، بل سرت على الإدارة الأمريكية “منتهية الصلاحيّة” حيث قال وزير الخارجية جون كيري إنه لم يكن من اللائق أن يتدخل الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب في سياسات دولة أخرى، بوصفه قرار المستشارة الألمانية انجيلا ميركل لعام 2015 بشأن اللجوء بـ “الخطأ الكارثي”، كما أن المدير المنصرف لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية جون برينان قد حذّر الرئيس ترامب ضرورة تجنب الإدلاء بتصريحات عفوية وارتجالية بعد تسلمه مهام منصبه. وقال برينان إن “الكلام والتغريد” ليسا خيارين بالنسبة لترامب الذي يستلم مهام منصبه الرئاسي يوم الجمعة المقبل، وأضاف: “إن العفوية والتلقائية لا تحميان مصالح الأمن الوطني، ولذا عندما يتكلم (ترامب) أو يرد، ينبغي أن يفهم أن تأثيرات وعواقب ذلك على الولايات المتحدة قد تكون وخيمة.”
ترامب بعد 20 يناير
إذاً، كثيرة هي القضايا الخلافيّة بين الجانبين إذا لا تقتصر على مهاجمته للاتحاد الأوروبي، بل تتعلّق بقضايا “أمن قومي” أوروبيّ سواءً فيما يخص العلاقة مع روسيا، أو بنية الاتحاد وحلف الناتو أو الاتفاق النووي الإيراني الذي وصفته وزيرة خارجية الاتحادالأوروبي فيديريكا موغيريني، أمس، بالاتفاق “الغاية في الأهمية” الذي سيلتزم الاتحاد الأوروبي بتطبيقه، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يبقى ترامب بعد تنصيبه، كترامب في مرحلة ما قبل 20 يناير/كانون الثاني؟
لسنا من هواة التحوّل النوعي في سياسات الدول، ولا نصدّق بحصولها، سلباً كان الأمر أم إيجاباً، سريعاً إلى في حالات “الثورات” أو “الانقلابات العسكريّة”.
إن السبب الرئيسي في عدم قدرة ترامب على إيجاد تحوّل نوعي سريعـ يتعلّق بقناعة المؤسسات الأمريكية الحاكمة، من الجيش والاستخبارات والنواب والشيوخ والقضاء..، بسيادتهم على العالم، وبالتالي نستبعد أن يبقى الرئيس المنتخب على مواقفه بعد وصوله إلى البيت الأبيض، لأسباب عدّة، نذكر منها:
أولاً: إن أي تقارب روسي أمريكي يعني ابتعاد الأخيرة تدريجيّاً عن الاتحاد الأوروبي الذي يفرض وأمريكا عقوبات اقتصاديّة على موسكو بسبب الأزمة الأوكرانيّة. الابتعاد عن أوروبا يعني خساراتها تدريجياً على الصعد السياسيّة والاقتصادية والعسكرية. أضف على ذلك، أن آخر استطلاع للرأي أجرته “رويترز ومؤسسةإبسوس” لاستطلاعات الرأي، أظهر أن الأمريكيين باتوا أكثر قلقاً من التهديد المحتمل الذي تشكله روسيا، مما كانوا عليه قبل بدء حملة انتخابات الرئاسة الأمريكية في 2016.
ثانياً: هناك العديد من الملفات قد تدفع أوروبا التي تتمتّع بحصانة أمريكية للبحث عن سبل جديدة لتحقيق الأمن الذاتي. إن إضعاف الناتو والمواجهة السياسية مع دول الاتحاد، فضلاً عن الحثّ على تقسيمه، تدفع الدول الأوروبية الـ27 لبناء استراتيجية أمنية جديدة تختلف عن تلك القائمة منذ حوالي العقدين من الزمن، وهذا ما يؤسس لضعف أمريكي على الصعيد الخارجي.
ثالثاً: فيما يخص الإتفاق النووي، يؤثر قرار ترامب على الاتحاد الأوروبي الذي سارعت العديد من دوله لفتح شركات في إيران، فضلاً عن الزيارات السياسيّة الأوروبية إلى طهران لحصد مكاسب اقتصاديّة. هل سنكون أمام فيتو وفيتو مضاد في مجلس الأمن؟ وهل تنفرد أمريكا بالعقوبات على إيران دون الاتحاد الأوروبي؟ النظام الأمريكي لن يرضى بذلك.
النظام أم الرئيس
لسنا من دعاة سيطرة الرئيس الأمريكي على النظام، ولا العكس، بل الأمر أشبه بتوافق بين الجهتين، وبالتالي من الصعب على ترامب تنفيذ كل ما يصبوا إليه، لأنه سيكون حينها على خلاف مع الحزب الجمهوري، ولا نسبعد حينها أن يلوّح الكونغرس بعزل الرئيس، باعتبار أن نهاية البند السادس من الفقرة الأولى من المادة الثانية من الدستور الأمريكي خوّلت الكونغرس إصدار قانون بعزل الرئيس.
تاريخياً، لقد صوت مجلس النواب مرتين على إجراء من هذا النوع بحق رئيس امريكا، مرة ضد الرئيس “اندرو جونسون” عام 1868، والمرة الثانية ضد الرئيس “بيل كلينتون” في عام 1998، إلا أن المجلس لم يعزل أيا منهما، وبرأهما حرصا على أهمية مقام الرئاسة الأمريكية ، فهل تكون الثالثة ثابتة مع ترامب، أم أنّه سيتراجع؟
المصدر / الوقت