تركيا و تداعيات الخطوات التصعيدية ضد الأكراد
تحظى القضايا القومية والتطورات المرتبطة بها بأهمية بالغة لدى السياسيين والحكومات التي تسعى لإقرار الأمن ودفع عجلة التنمية في بلدانها في كافة أرجاء العالم.
وتواجه معظم البلدان النامية في الوقت الحاضر مشاكل وتحديات كثيرة بسبب هيكلياتها المتصلبة وتمسكها بمفاهيم قديمة وكلاسيكية في كيفية التعامل مع القوميات الأخرى التي تعيش في إطار الدولة خصوصاً فيما يتعلق بالجانبين الثقافي والسياسي.
وتركيا لا تستثنى من هذه القاعدة والدليل على ذلك ما حصل خلال العقود الأربعة الأخيرة نتيجة الصراع بين القوات الحكومية والأكراد في جنوب وجنوب شرق البلاد والذي أدى إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة في صفوف الجانبين.
وتعتبر قضية الأكراد في تركيا واحدة من اكثر القضايا القومية تعقيداً في العالم والتي لم تتمكن الحكومات المتعاقبة في هذا البلد من إيجاد حل لها منذ تأسيس الجمهورية التركية عام 1923 وحتى الآن.
ولا تعترف الحكومة التركية الحالية على الإطلاق بمفهوم الأقلية الكردية عند الحديث عن حقوق الأقليات في البلاد، الأمر الذي خلق سلسلة من الاضطرابات الأمنية جراء العمليات المسلحة بين القوات التركية وعناصر حزب العمال الكردستاني الـ”ب.ك.ك” المحظور والمصنف كمنظمة إرهابية من قبل أنقرة وعواصم غربية وإقليمية أخرى والتي أسفرت عن خسائر بشرية ومادية جسيمة في صفوف الطرفين.
وفي أحدث التطورات طالبت النيابة التركية بحبس زعيم حزب الشعوب الديمقراطي والنائب في البرلمان التركي “صلاح الدين ديمرتاش” 142 عاماً بتهمة دعم حزب العمال الكردستاني. كما طالبت النيابة في مدينة دياربكر بجنوب شرقي البلاد حيث تقيم غالبية كردية بسجن الزعيمة المشاركة لحزب الشعوب “فيغين يوكسيكداغ” لمدة تصل إلى 83 عاماً.
وكان الأمن التركي اعتقل في نوفمبر الماضي ديمرتاش ويوكسيكداغ و10 من نواب حزب الشعوب الديمقراطي بعد زيارة النواب لمناطق اشتباكات بين الجيش التركي والمتمردين الأكراد، وذلك بعد رفع الحصانة عن هؤلاء النواب في البرلمان الذي يسيطر عليه حزب “العدالة والتنمية” الحاكم.
ويعزي حزب الشعوب الديمقراطي سبب اعتقال قادته إلى معارضتهم لمشروع تعزيز صلاحيات الرئيس “رجب طيب أردوغان” وتحويل تركيا إلى نظام رئاسي.
وحزب الشعوب الديمقراطي هو ثالث أكبر الأحزاب في البرلمان التركي، حيث يمتلك 59 مقعداً من مقاعده البرلمان وعددها 550 مقعدا.
وتأتي هذه التطورات في وقت تشهد فيه ديار بكر، “عاصمة” جنوب شرق تركيا ذي الأغلبية الكردية، توترات متزايدة مع أنقرة منذ اعتقال السلطات التركية رئيسي اثنين من بلدياتها.
هذه الصور كافية لإظهار درجة الخطورة التي وصلتها القضية الكردية في تركيا، وقد يكون من الأفضل لصانع القرار التركي عدم الانجرار خلف التصرفات الاستفزازية لقيادات وكوادر الحزب بمشاريع القضاء وسحب الحصانة البرلمانية. فالبديل الأنجع هو تشجيع الحوار السياسي وسد الثغرات أمام محاولات العودة للعمل السري.
فمنذ مدة طويلة تشهد تركيا سقوط قتلى وجرحى بين أفراد الجيش أو الشرطة أو المسلحين الأكراد في مناطق الجنوب الشرقي، أو تفجير لغم أرضي أو سيارة مفخخة في إحدى المدن، أو غارات تركية على مواقع حزب العمال الكردستاني.
وتثير الظروف الحالية التي تمر بها البلاد الكثير من علامات الاستفهام حول إمكانية تحقق المصالحة بين الحكومة والأكراد، ليس هذا فحسب؛ بل أن المرحلة القادمة تنذر بوقوع المزيد من المصادمات بشقيها السياسي والعسكري بين الجانبين، الأمر الذي من شأنه أن يعقد المشهد التركي، ومن المؤكد أن استخدام القوة لتسوية هذا الملف الشائك وتجاهل مطالب الأكراد من قبل الحكومة لن يزيد الأمور إلاّ بعداً عن الانفراج، خصوصاً وإن القضية لها امتدادات في خارج الحدود التركية لأن الأكراد تربطهم علاقات متعددة الجوانب مع نظرائهم في العراق وسوريا.
وفي حال استمرت الأوضاع على هذا المنوال، فمن المرجح أن يؤثر ذلك على مجمل الأوضاع الاقتصادية في تركيا ويرفع من مستوى التهديد الأمني لاسيّما وإن العمليات العسكرية التي ينفذها الجيش التركي ضد الأكراد باتت تلقى صدىً في الخارج، وتتعرض حكومة أردوغان باستمرار لانتقادات شديدة من قبل المنظمات الدولية تطالبها بتسوية هذا النزاع سلمياً والحيلولة دون تفاقمه أكثر من السابق قبل فوات الأوان.
المصدر / الوقت