التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

تساؤلات برسم موقع “الجزيرة”: لماذا أصبحتم موقع الفتنة الأول؟ 

أنا كاتبٌ عربيٌ إعتاد الإهتمام بالمواقع الترويجية والثقافية. حتى أنني وبصراحة، أُتابع كافة المواقع المعروفة وأهتم بقراءة تحليلاتها لأسبابٍ عديدة. وهو ما قد يكون غريباً حيث تختلف المواقع بتوجهاتها السياسية. لكنني أعترف أن لعددٍ من المواقع المرموقة ومنها على سبيل المثال موقع “الجزيرة” خدمات وبوابات إعلامية مميزة. لكنني تفاجأت منذ ثلاثة أيام، ومع بداية مشوار المساحة الإعلامية التي أطلقتها الجزيرة تحت عنوان “ميدان”، بالمقال الذي كان الإفتتاحية. مقالٌ حمل عنوان “كيف أصبحت إيران دولة الميليشيات الأولى؟”. قادني فضولي لقراءته، فصدمني الكم الهائل من الأكاذيب والمشاعر الحاقدة، والتي استطاعت الكاتبة الملقبة بـ “المحرر السياسي”، صياغته بأسلوبٍ تضمَّن تعابير يستحي أن يقولها عدو إيران الذي بات يعترف بأهمية دورها. وهنا، فإنني لست في وارد الحديث عن إيران وسياستها، بل أنوي تسليط الضوء على “ميدان” الجزيرة الجديد، والذي أثبت أنه ميدان الفتنة الأول، والمُروِّج لسياسات التفرقة لا سيما بين المسلمين. وهنا أتوجه بالعديد من التساؤلات، والتي سأطرها بشكلٍ مُتدرِّج ويتناسب مع مقال الجزيرة.

سلسلة تساؤلات

خَرَجَت من تدعي أنها “محرر سياسي”، وهي التي تُقدم نفسها كمُختصةٍ بالفيزياء ومُهتمةٍ بالفلك وكرة القدم، لتبدأ مقالها بالتجريح بشهداء وجنرالات الحرس الثوري، وتحديداً اللواء قاسم سليماني. وتستمر تباعاً بمهاجمة النظام الإيراني ورموزه والحضارة الفارسية. ومع كل فرصة، سعت من خلال مقالها للتعبير بسخرية عن بعض العادات التي يعتمدها الشيعة، كاللطم على الصدر و.. ولم تكتف بذلك بل اتهمتهم بالتحجُّر والجهل.

وهنا، أنا لست في وارد إعادة قول ما قيل، فالمقال موجودٌ لمن يُريد مراجعته، لكنني أسأل التالي:

أولاً: منذ متى ينتقد الكاتب – الذي يُعبِّر عن سياسة القناة حتماً – الآخرين بشكلٍ ساخرٍ، خصوصاً الشعائر الدينية؟

ثانياً: هل جرت العادة أن يتم التجريح بشهداء قضوا على درب الجهاد ومن أجل قضيةٍ مُشرِّفة؟

ثالثاً: هل تتحمل القناة مسؤولية المساس الكلامي والتجريح بقيادة الحرس الثوري وتحديداً جيش القدس والجنرال قاسم سليماني، وهو الرجل الذي لا يجرؤ أحد من جنرالات العالم على ذكر اسمه إلا بإحترام، حيث ترتعد فرائصه؟

رابعاً: لماذا الحديث عن الإفتقاد للتقاليد العسكرية الحديثة والإنضباط العقلاني والتعليم الجامعي ونسب ذلك للحرس الثوري والجنرال قاسم سليماني؟

خامساً: لماذا الحديث عن افتقاد الشيعة الى التجديد الفكري والتطور التقني والإستمرارية الحضارية واعتبار إيران نموذجاً لذلك؟

سادساً: لماذا محاولة تشويه صورة إيران عبر المس بأكاذيب حول الحضارة الفارسية ونسب إفتقادها للأسس والإستمرارية؟

سابعاً: لماذا الحديث عن “عدم وعي الشيعة في الإستنباط” واعتمادهم على الروح القبلية في الإدارة واعتبار حرس الثورة الذي أسسه الإمام الخميني(قدس سره) نموذجاً لذلك؟

ثامناً: لماذا الحديث عن دول وأطراف محور المقاومة بشكل يُظهرهم وكأنهم تابعين؟ ولماذا محاولة إظهار إيران وكأنها طرف يحكم مجموعة دول؟

إجابات مقتضبة على التساؤلات

لست بإنتظار الإجابات على تساؤلاتي، بل سأُقدم الإجابات وأيضاً بنفس التسلسل وأقول التالي:

أولاً: إن إنتقاد الشعائر الدينية، يُعبِّر عن حجم الإفلاس والضعف لدى الكاتب والقناة. فالقيام بمهاجمة القيم المذهبية يعني ضعف الأدلة والحجة.

ثانياً: إن التجريح بأي شهيد هو من الأمور المرفوضة في الإسلام بإختلاف مذاهبه، مما يُثبت عدم لياقة الكاتبة والقناة بالإنتماء لهذا الدين وتحديداً المذهب السني الذي نحترمه.

ثالثاً: نعم، إن الجنرال قاسم سليماني والذي أصبح يهزُّ العالم بإنجازاته، خرج من عائلة بسيطة وفقيرة، وهذا حال أهم قيادات العالم المُشرِّفة. حيث نصَّبته في موقعه تجربته وتفانيه وحبه لوطنه وللأمة. فيما لم تعتاد بعض الدول لا سيما الخليجية، أن يحكمها إلا ملوك وأمراء، ويستمر ذلك ليطال فقط أبناء الطبقة المخملية الذين صنعتهم دولارات النفط، وليس مدارس صناعة العقول والأدمغة.

رابعاً: من لا يُدرك الحقائق الصغيرة لا يمكنه فهم المسائل الكبيرة. فالجنرال سليماني هو نفسه الذي يصفه جنرالات العالم العسكريون بـ “الجنرال الأسطورة”. ومن يُحب أن يعرف من هو هذا الرجل، فما عليه إلا أن يقرأ الورقة البحثية تحت عنوان “لماذا لا نقتلهم؟” والتي قدمها عام 2011 الجنرال المتقاعد جون (جاك) كين، النائب السابق لرئيس هيئة أركان الجيش الأمريكي، والتي تحدث فيها عن الخطر الذي يُشكله الجنرال سليماني فقط، على الأمن القومي الأمريكي.

خامساً: إن الحديث عن بُعد الشيعة عن التجديد والتطور والإستمرارية، الفكرية والتقنية والحضارية، يدل على أن الكاتبة اختلط عليها الأمر بين الحفاظ على الأسس الإسلامية وغربنة الإسلام أو التبعية للغرب وأوروبا. وهو ما للأسف وقع به العديد من فاقدي البصيرة فيما نجح القليل بتداركه ومنهم إيران.

سادساً: إن عمر الحضارة الفارسية يعود لـ 559 ق.م. وبالتالي فهي من أقدم وأعرق الحضارات، وتُعتبر من أهم ميزاتها أنها نجحت في كسر كافة الغزوات والحفاظ على أصالتها. في حين لا نجد بين الدول العربية لا حضارة مشتركة، أو ثقافة جامعة. بينما تتمتع الدول الخليجية بالكثير من التناقض الفكري والثقافي كما أن تاريخها لا يعود لأكثر من 45 عاماً!!

سابعاً: يبدو أنه اختلط على الكاتبة الأمر بين الإدارة المؤسساتية والإدارة العسكرية. كما يبدو وبوضوح، جهل الكاتبة بالعمل المؤسساتي في إيران والهيكلية المُتبعة. كما يبدو واضحاً جهلها بأهمية الديناميكية العسكرية التي تسعى الدول الكبرى لتأسيسها عبر إيجاد أجهزة معينة تدعم خيارات وأهداف الدولة أيديولوجياً وفكرياً. بل تظن الكاتبة أن الأمر يقتصر على الأسلوب التجاري في الإدارة!

ثامناً: يخدم هذا الطرح، فكرة التخويف مما سُمي بالهلال الشيعي. فيما يمكن ومن خلال فهم واقع وأطراف محور المقاومة – وهو ما افتقدته الكاتبة – إدراك أن المحور يضم، أطرافاً غير شيعية. في حين يبدو واضحاً أن ميزة إيران في تعاطيها ونسجها للتحالفات، إعتبارها الأطراف شركاء وليسوا تابعين وهو الأمر الواضح الذي لا يحتاج لأي دليل. حيث باتت السياسة الدولية الإيرانية تُدرَّس كنموذج ناجح في كليات جامعات العالم السياسية. في حين يبدو أن الكاتبة ترعرعت على سياسات وأساليب دول مجلس التعاون!

كلمة الختام

أفهم طموحك أيتها “المُحرر السياسي”، وسعيك للنجومية. وأبارك لك إنجازك في الإختيار. فأنت نجحت في انتخاب موضوعٍ يمكن أن يكون مادةً يقرأها الكثيرون. لكنني أتأسَّف لكلماتك التي صاغها خيالك الفلكي، وطرحك الأشبه بمعادلات الفيزياء المعقدة. وأتأسف لموقعٍ عريقٍ ومرموق كالجزيرة، أن يُروِّج لمبتدئين في العمل الصحفي بهدف تعميم صورة التفرقة والفتنة من خلال جيلٍ شابٍ طامحٍ بات يستخدم الحقد بدل الدليل والفتنة بدل الحكمة في التعبير والصياغة. وأنا أفهم أهداف الجزيرة التي أثبتت في السنوات الأخيرة أنها بوق فتنةٍ لا يتوانى عن بث الخلافات والتفرقة. فيما تُعتبر كاتبتنا الصاعدة إحدى نتائج هذه السياسات. خصوصاً بأسئلتها الختامية والتي أبرزت أهمية النموذج التركي! فهنيئاً!
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق