التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

الاستراتيجية التركيّة بعد “الأستانة”: “أحرار الشام” إلى الواجهة 

يعدّ “مؤتمر أستانة” نقطة التحوّل الأبرز بعد انتصار حلب “الاستراتيجي”. ورغم أن العديد من الخبراء اعتبروا أن ما بعد المؤتمر، تماماً كما قبله، إلا أن آخرين أكّدوا نجاح إيران وروسيا وتركيا في كسر الحاجز النفسي عبر جلوس الوفدين السوريين، الرسمي والمعارض، على الطاولة نفسها، وإقناع كافّة الأطراف أن “لا حل عسكري للأزمة في سوريا وأن الحل الوحيد سيكون من خلال عملية سياسية”.

البعض ذهب أكثر من ذلك في نتائج الأستانة، مركّزاً على القتال الدائر بين الجماعات المسلّحة في ريفي إدلب وحلب في ظل سعي تركي لإبراز حركة “أحرار الشام” على حساب بقيّة الفصائل المسلّحة لأسباب نذكرها تباعاً.

أحرار الشام

تعد حركة “أحرار الشام” واحدة من أبرز الميليشيات التي يدعمها النظام التركي لتوظيفها في عملية”درع الفرات”، خاصّة أنها من أبرز الفصائل التي شرعنت القتال إلى جانب أنقرة حيث جاءت “الفتوى الشرعيّة” لتجيز التنسيق مع الجيش التركي والاستعانة به في تحرير المناطق التي تنحسر عنها داعش حتى لا تقع بيد من أسمتهم الفتوى التنظيمات المعادية لثورة أهل الشام والمقصود بذلك حزب الـ BBK والـ PYD على غرار ما حصل في منبج وتل أبيض.

كذلك، تعدّ “أحرار الشام” حركة عسكرية فعالة والحليف الأهم لتركيا في شمال سوريا، كما أنّها مكوّناً رئيسياً في جيش الفتح الذي يسيطر على مساحات واسعة في ريفي حلب وإدلب. وترتبط هذه الجماعة بعلاقات قويّة مع أنقرة التي تراقب اجتماعات “أحرار الشام” عن قرب، إذ تكفي الإشارة إلى أن لقاء”أبو جابر” قائد الحركة مع قائد جيش الإسلام السابق”زهران علوش” قد حصل في تركيا.

الاستراتيجية التركيّة

أدركت تركيا جيّداً أن رهاناتها السابقة قد فشلت، وفي مقدّمتها إسقاط النظام في سوريا، وبالتالي، لا بد من تعديل الإستراتيجية التركيّة بعد خسارتها في حلب بما يتناسب مع المرحلة، وفي مقدّمة هذه الخطوات التقارب مع روسيا، لحجز أوراقها في المرحلة السوريّة القادمة.

استراتيجية أنقرة تقوم على ثلاثة نقاط رئيسيّة تجاه الجماعات المسلّحة في الشمال السوري. النقاط الثلاث يجب أن تتوفّر في هذه الجماعات هي: الأولى مواجهة تنظيم داعش الإرهابي الذي بات يشكّل خطراً على تركيا بعد سلسلة التفجيرات الإرهابيّة في العمق التركي. لا نعتقد أن تركّز هذه الجماعات على محاربة “داعش” إلا في سياق ردود الفعل، لكن أنها سترفع الصوت ضدّه خشية أي قرار دولي يضع هذه الجماعة أو تلك على لائحة الإرهاب. الثانية مواجهة الأكراد الذين يشكّلون الهاجس الأبرز للرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، لا سيما في ظل الحديث عن تأسيس دولة كردية مستقلة في شمال سوريا. الثالثة الطابع الإسلامي لهذه الجماعة، وتحديداً “الوجه الإخواني” التركي، خاصّة أن الجماعات الإسلامية نجحت في إثبات نفسها بشكل كبير في الداخل السوري، بخلاف “الجيش الحر” الذي فشل في إثبات قوّته أمام الجماعات “الإسلاميّة”، ورغم ذلك لا تزال أنقرة تستعين بقواته في عمليتها تحت مسمّى “درع الفرات”.

إن هذه الخصائص الثلاث تتوفّر في جماعة أحرار الشام، وبالتالي ستعمد تركيا خلال الأيام القادمة على إبراز التالي:

أوّلاً: إبراز قوّة هذه الجماعة في الشمال السوري، وإعطاءها الهامش الأكبر عبر العديد من الخطوات، ليس آخرها تهديد أنقرة لبعض الفصائل المنشقة عن “الأحرار” بالتدخّل المباشر. في حين نجحت التهديدات التركيّة في إعادة ما يسمى بـ”جيش الأحرار” إلى كنف ميليشيا “حركة أحرار الشام” بناءا على توافق قادة الميليشيات الست عشر التي انشقت عن احرار الشام سابقاً، أعلنت جماعة “جيش المجاهدين” أمس الثلاثاء انصهارها في حركة “أحرار الشام الإسلامية”. وقد صرّح قائد “جيش المجاهدين” بانضمامهم إلى الحركة، وهو ما أكّده الناطق باسم الحركة، أحمد قره علي، أن انضمام “جيش المجاهدين”، جاء بعد هجوم “فتح الشام” على مقراتهم في جبل الزاوية، بحسب المصدر. تؤكد بعض المصادر، أن أنقرة ستعمد إلى استخدام سياسة “جفش فوبيا” لتخويف الفصائل والجماعات “الصغيرة” من أخطار جبهة فتح الشام بغية ضمّها لحركة احرار الشام، فضلاً عن التهديد بوضعها على لائحة الإرهاب الأمريكية الروسية في حال وقفت إلى جانب النصرة.

ثانياً: ستركّز أنقرة خلال الفترة المقبلة على إبراز “وطنيّة” و “سوريّة” هذه الجماعاة بخلاف تنظيم داعش والنصرة حيث يتواجد العديد من الجماعات الغير سوريّة وحتّى الغير عربية. هذا التركيز يهدف لتضعيف الجيش السوري عبر مهاجمة حلفاءه والدعوة لإخراجهم من الساحة السورية قبل أي مفاوضات، وهذا ما لمسناه من ممثلي الجماعات في مؤتمر الأستانة.

ثالثاً: لم يكن إعلان أحرار الشام النفير العام نصرة لجيش المجاهدين الذي انهته “فتح الشام” عن هذا الأمر ببعيد، فبعد أن شنّت “فتح الشام” صباح أمس، الثلاثاء، هجومًا على مقرات تابعة لـ “جيش المجاهدين” و”الجبهة الشامية” في ريفي إدلب وحلب، وسيطرت على مقرات للفصيلين التابعين لـ “الجيش الحر” في المحافظتين، لـ “إفشال المؤامرات والتصدي لها قبل وقوعها”، أي محاولات هذه الفصائل عزل الجبهة في مباحثات “أستانة”، أعلن “أبو عمار العمر” القائد العام لحركة أحرار الشام الإسلامية، النفير العام لكافة قطاعات وكتائب الحركة، للتدخل ووقف الاقتتال الحاصل بين الفصائل. ستشهد الأيام القادمة محاولات تركيّة، إعلاميّة ودبلوماسيّة، لإظهار حركة أحرار الشام بهيئة القوات المحاربة لإرهاب داعش والنصرة، أي تنظيف سجلّها قبل أي مرحلة سياسيّة مقبلة.

ترى تركيا أن حركة أحرار الشام تشكّل خياراً مناسباً لتحقيق كافّة أطماعها، فضلاً عن مواجهة التهديدات التي أوجدتها بنفسها. إن أي تحرك سياسي تركي أو عسكري نحو أحرار الشام له أبعاده، فالأخيرة باتت حصان “طروادة” أنقرة المتجدّد في سوريا.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق