تركيا في طريقها للانفصال عن حلفائها العرب
بعد خمس سنوات من التحالف بين تركيا ودول مجلس التعاون بقيادة السعودية بشأن الأزمة السورية، أخذت خطوط التصدع تتحرك بين الطرفين في الأيام والشهور الأخيرة، وذلك بالتزامن مع التغيير المحسوس لموقف الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” من نظام حكم الرئيس السوري برئاسة بشار الأسد، وانضمامه للمحور الروسي – الإيراني. ومن غير المستبعد أن تشهد العلاقات بين أنقرة ومجلس التعاون توتراً قد يؤدي إلى انتهاء “شهر العسل” بين الجانبين في خاتمة المطاف.
وبدأ الفتور في العلاقات بين الطرفين في الخفاء أولاً عندما ألمح رئيس وزراء تركيا “بن علي يلدريم” إلى تورط السعودية في المحاولة الانقلابية الفاشلة التي شهدتها بلاده في منتصف تموز/يوليو الماضي. وأجاب يلدريم على سؤال بشأن تقديم السعودية دعما ماديا للانقلاب بقوله “لا دخان بلا نار”.
في هذا السياق قال الكاتب “يافوز أجار” في تقرير مطول نشره موقع صحيفة “الزمان” التركية إن الرياض بدأت تشعر بالغضب تجاه أردوغان بعد تغيير موقفه تجاه نظيره السوري بشار الأسد.
ولفت “أجار” إلى أن الرئيس التركي وجّه صدمة لمجلس التعاون بعدما استمرت دعوته برحيل الرئيس السوري لمدة 5 أعوام تماهياً مع مواقف معظم دول المجلس، لكنه فاجأها في نهاية المطاف بتراجعه عن رحيل الأسد.
كما أشار الكاتب التركي في تقريره إلى حالة الفتور في العلاقات بين تركيا ومجلس التعاون خصوصاً مع السعودية بعدما توجه أردوغان نحو إيران واندفع للتحالف مع روسيا بخصوص الأزمة السورية.
العربية تصف أردوغان بـ”الرئيس المهزوم”
برز انكسار العلاقات الثنائية إلى السطح بشكل علني قبل أسبوعين عندما نعتت قناة “العربية” السعودية أردوغان بـ”الرئيس المهزوم” وذلك خلال برنامج “دي إن إيه” الذي يقدمه الإعلامي “نديم قطامش” الذي ناقش مع ضيوفه أسباب توطيد العلاقات بين أنقرة وطهران.
أما القشة التي قصمت ظهر البعير فقد تجسدت في التصريحات التي أدلى بها السفير السعودي لدى أنقرة “عادل بن سراج مرداد” لموقع “بي بي سي” والتي وصف فيها تغيير موقف أردوغان من القضية السورية بأنه “غدر” للدول العربية.
وقال السفير السعودي بأن أردوغان انقلب خلال الآونة الأخيرة على الشعار الذي كان يوماً خطاً أحمر له، متهماً إياه بتحويل ما أسماه “الانتفاضة الشعبية” في سوريا قبل 6 سنوات لمعارضة مسلحة واحتضانِ الفصائل المناهضة للرئيس الأسد.
السبب الحقيقي لغضب السعودية من أردوغان
أعربت صحيفة “الزمان” عن اعتقادها بأن تغير موقف أردوغان من القضية السورية لا يمثل مشكلة أساسية بالنسبة للسعودية، حيث إن مفهوم السياسة الذي تتبناه أنقرة يتمتع بالمرونة التي تسمح لها بتغيير مواقفها عند اللزوم، لكن سبب انزعاج الرياض إلى هذه الدرجة يعود إلى توجه أردوغان بوحده إلى الاتفاق مع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” وإقصائها من مباحثات “آستانة”، إضافة إلى انزعاج معظم دول مجلس التعاون من مبادرات أردوغان إلى التقارب مع إيران.
الفرق بين مباحثات آستانة وسابقاتها
قالت صحيفة “الزمان” إن الفارق الأساسي الذي ميّز مباحثات آستانة عن سابقاتها يكمن في أن هيئة التفاوض للمعارضة السورية تألفت من ممثلي المجموعات المقاتلة على الساحة فعلاً بدلاً من السياسيين، وهذا الأمر لم يشكل مشكلة بالنسبة لأنقرة، رغم أنه يهمش دور هيئة المفاوضين المعارضين في إسطنبول؛ نظراً لأن الهيئة التي شاركت في المباحثات تكونت من المجموعات المسلحة التي موّلتها ودربتها وسلّحتها أنقرة.
ولم تبق الرياض مكتوفة الأيدي أمام إقصائها من مباحثات آستانة، بل مارست ضغوطاً على أنقرة كي تؤثر على بنية هيئة التفاوض بحيث أسفرت عن انضمام “محمد علوش” إلى أعضاء الهيئة.
وأضافت الصحيفة: إذا قرأنا في هذا السياق زيارة وزير الخارجية الكويتي “الشيخ صباح خالد الحمد الصباح” إلى طهران الأسبوع الماضي، وحمله رسالة من أمير الكويت باسم دول مجلس التعاون إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني، يمكن أن نعتبرها مبادرة من المجلس وتحديداً من السعودية لاسترداد دورها المختطف في ملفات المنطقة، حسب تعبير الصحيفة.
ودأبت الرياض على إبداء ردود فعلها من خلال العقوبات الاقتصادية في أثناء الأزمات الدبلوماسية، كما رأينا ذلك في تعاملها مع كل من لبنان ومصر. إذ اتخذت قراراً بوقف مساعداتها إلى الجيش اللبناني في أعقاب تجنب بيروت إدانة الهجوم الذي استهدف السفارة السعودية في طهران قبل نحو عام، وكذلك اتخذت الخطوة ذاتها مع مصر عندما ظهر الخلاف بين الطرفين في مسألة تبعية جزيرتي “تيران” و”صنافير” في البحر الأحمر، وأوقفت إمداداتها النفطية للقاهرة.
في هذا الإطار، من الممكن القول بأن السعودية وقطر قد تقرران اللجوء إلى وقف مشاريعهما واستثماراتهما في الداخل التركي في حال تحولت هذه التوترات إلى أزمة حقيقية بين هذه الأطراف. وهناك محللون لا يستبعدون أن يكون أردوغان قد استهدف مجلس التعاون خصوصاً السعودية بخطاباته بعد تعرض تركيا لـما أسماه “هجمات ومؤامرات اقتصادية” في أعقاب ارتفاع الدولار أمام الليرة.
وغني عن البيان أن أردوغان لن يستطيع تعويض أضراره إذا ما خسر مجلس التعاون الذی ظلّ متحالفاً معه ودعمه اقتصادياً في وقت كانت علاقاته متأزمة مع كل من إيران والعراق وسوريا ومصر. والرئيس التركي يدرك ذلك جيداً ويحاول إيجاد طرق تكفل له بقاء حلفائه الأغنياء إلى جانبه، لكن يبدو أن هذا الأمر لم يعد بيد أردوغان وإنما بيد حليفه الجديد الرئيس بوتين.
المصدر / الوقت