لماذا كرّمت الـ”C I A” ولي العهد السعودي محمد بن نايف؟
كثيرة هي المفارقات في اللقاء التكريمي لولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف وتسلّمه ميدالية “جورج تينت” التي قدمتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “C I A”، وذلك “تقديرا لعمله الاستخباراتي المميز في مجال مكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى إسهاماته غير المحدودة لتحقيق الأمن والسلم الدوليين”.
المفارقة الأولى والأبرز تتعلّق بشكل اللقاء الذي هندسه مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية الجديد مايكل بومبيو بحضور ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حيث جاء لينهي مرحلة من الضبابية والغموض التي اتسمت بها السياسة الأمريكية تجاه الرياض في الآونة الأخيرة.
والمفارقة الثانية التي لم نعتد عليها منذ سنتين على الأقل هي جلوس بن سلمان إلى جانب بن نايف دون أن يحظى الأول بأي اهتمام يذكر، وهو ما يشبه انقلاب سياسي في العلاقات الأمريكية السعودية باعتبار أنّ بن سلمان محط أنظار الجميع حالياً، بخلاف بن نايف الذي ردّ التحيّة الأمريكية بأحسن منها قائلاً أن “علاقتنا مع أمريكا تاريخية استراتيجية ولن ينجح من يحاول أن يزرع إسفيناً بين السعودية وأمريكا”.
مفارقات عدّة تتعلّق أيضاً بتفاصيل اللقاء وتصريحات بن نايف الذي ادّعى “أنّنا أول من تضرر من الإرهاب من مختلف مصادره”، لنسأله عن المنبع الفكري والمالي للجماعات التكفيري سواءً ما قبل القاعدة أو ما بعدها.
لسنا في وارد سرد مفارقات اللقاء بين بومبيو وبن نايف، نظراً لما يحمله هذا اللقاء من رسائل تتعدّى إطار التكريم، فضلاً عن الدور الاستراتيجي الذي تلعبه وكالة الاستخبارات المركزيّة في صنع القرار الأمريكي الجديد الذي بدا مرتاباً في علاقته مع السعودية خلال الفترة الماضية، كما أسلفنا أعلاه.
رسائل عدّة حملها وسام “مكافحة الإرهاب”، ولعل أبرز هذه الرسائل هي استمرار أزمة الإرهاب في المنطقة في حقبة ترامب، إلا أنّ هناك جملة من الرسائل الفرعية لا يمكن التغافل عنها، نذكر منها:
أولاً: إن تسلم ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف ميدالية “جورج تينت” التي تقدمها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية للعمل الاستخباراتي المميز في مجال مكافحة الإرهاب من قبل مدير وكالة الاستخبارات الأميركية مايكل بومبيو تؤكد على التطلع الأمريكي للإبقاء على العلاقات الجيّدة مع السعوديّة. يوضح برورس ريدل، المحلل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية، أن اللقاء السريع بين الرئيس الجديد لـ”CIA” ومحمد بن نايف طمأن الجانب السعودي لناحية تحسين العلاقات مع أمريكا في عهد ترامب بخلاف أحداث الانتخابات وما بعدها.
ثانياً: البعض تساءل عن تجاهل محمد بن سلمان الذي كان جالساً بجانب بن نايف خلال اللقاء، وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ هذا التجاهل لم يكن عبثياً، بل هو مدروس وعن سابق قصد. ربما يقول قائل أن وزارة الداخلية هي التي تتولّى مكافحة الإرهاب في المملكة، وهو أمر صحيح، إلا أن تجاهل بن سلمان الذي يسطع نجمه من سنتين في الإعلام العالمي لا يخلو من إشارتين. الأولى تتعلّق بالرغبة الأمريكية في تولّي بن نايف الدفّة بعد الملك سلمان رغم أن العديد من التوقعات ترجّح العكس. والثانية إدراك واشنطن واقع العائلة الحاكمة بعد فشل بن سلمان واحتراق أوراقه على أكثر من صعيد سواءً فيما يتعلّق بالعدوان على اليمن، أو التحالف العسكري الإسلامي.
ثالثاً: إن هذا اللقاء يعد شبه ضمانة من قبل الاستخبارات الأمريكية لعدم مضي إدارة الرئيس ترامب في قانون “جاستا” الذي أثار امتعاض الرياض، ما يؤكد تحسين العلاقات الأمنية بين الرياض وواشنطن. وأما فيما يتعلّق بأسباب هذا التقارب، فيرجح العديد من الخبراء وقوف العداء المشترك لإيران خلف هذا التقارب، رغم إدراك كل من واشنطن والرياض دور الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة في مكافحة الإرهاب.
يبدو أن زمان الانقلابات الأمريكية “السياسيّة” قد بدأ سريعاً، وأولى هذه الانقلابات كانت على يد شخص متعصب ومهووس بفكرة التخويف من الإسلام أو ما يعرف بــ”الإسلام فوبيا”، هو”مايك بومبيو”، وفق ما وصفته الكاتبة والمحللة السياسية “ميشيل غولدبرغ” في مقال نشرته مجلة “اسلیت” الأمريكية.
ولكن، في ظل الاتهامات الأمريكية السابقة للرياض بدعم الإرهاب، وهو الاتهام الذي أيّدته العديد من دول المنطقة والعالم، يبقى ترامب الذي رفع شعار أسلافه في مكافحة الإرهاب أمام تحدي كبير، فكيف له تحقيق أهدافه في مكافحة الإرهاب في الوقت عينه الذي يدعم فيه الدول التي تدعم الإرهاب. الإجابة بسيطة وهي أن الإرهاب سيبقى ناشطاً وفعالاً خلال دورة ترامب الأولى على أقل تقدير.
المصدر / الوقت