معركة الجنوب السوري ورسائل التوقيت والمضمون
مناورة جديدة شهدها الجنوب السوري خلال الساعات الماضية في محاولة تهدف لحصد مكاسب عدّة في ضربة واحدة.
تأتي المحاولة الجديدة لحصد مكاسب ميدانية، بالتزامن مع انعقاد مؤتمر “الأستانة” الذي تأجل إلى يوم غد الخميس، ومواجهات دامية تجري في إدلب بين هيئة تحرير الشام وجند الأقصى، الأمر الذي يدفعنا لطرح جملةً من التساؤلات تتعلّق بالتوقيت والأهداف.
لا بد من الوقوف على أبعاد الهجوم الأخير في الجنوب السوري الذي يعدّ نقضاً للتفاهم الروسي-الأردني القاضي بتجميد الأعمال القتالية هناك، وانتهاكاً لوقف إطلاق النار المعلن رسميا في الثلاثين من ديسمبر الماضي، فهل هناك رسالة أمريكية إلى روسيا أم الأمر يتعلّق بغرفة الموك والحديث عن دخول أردني مباشر على شاكلة التدخّل التركي شمال البلاد؟ أم هناك أمر آخر يتعلّق بمحاولات هيئة تحرير الشام بشكل عام وجبهة النصرة على وجه الخصوص لاستعادة حاضنتها في درعا خاصّة أنها تقف خلف الهجومين المتزامنين في درعا وإدلب؟
ليست المرة الأولى التي تشهد فيها الجبهة الجنوبية خرقاً لتفاهم الأعمال القتالية، أو بالأحرى تجميداً لوقف إطلاق النار المعلن رسميا في الثلاثين من ديسمبر الماضي، باعتبار أن النصف الثاني من العام الماضي شهد معركتين فاشلتين هما “لهيب حوران” و”قادسية الجنوب”. كذلك، لا تختلف المعركة التي أطلق عليها “الموت ولا المذلّة” عن سابقتها في الشكل فحسب حيث تستهدف مدينة درعا نفسها وليس الأرياف كما في المعارك السابقة، بل تتعدّاها إلى المضمون الذي يتعلّق بالظروف الإقليمية والدولية القائمة والحقائق الجيوسياسية التي لا يمكن تخطّيها.
في الشكل، بدا واضحاً التدخّل الروسي المباشر عبر سلسلة من الغارات التي استهدفت القوّات المهاجمة وحوالي 2000 انغماسي في حي المنشية حيث تدور المعارك منذ أيام، الأمر الذي يعدّ سابقة لم تحدث بهذه الشاكلة من قبل، لناحية التدخّل الروسي الذي وجد فيه البعض رسالة من موسكو إلى واشنطن. وأمّا في المضمون، فإضافةً إلى كون المعركة تهدف حسب بيان إطلاقها من غرفة عمليات “البنيان المرصوص” إلى السيطرة على حيّ المنشية الذي يُشرف على جمرك درعا القديم ويُطلّ على وادي الزيدي الذي يفصل بين حيّ درعا المحطّة والبلد، تجدر الإشارة إلى النقاط التالية:
أوّلاً: إن التدخّل الروسي الواسع في الجنوب السوري يعد رسالة واضحة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي تحدّث عن منطقة عازلة. فالحراك المكثّف الذي شهدته محافظة درعا بعد دعوة ترامب لإنشاء مناطق آمنة في سوريا، وسط تسريبات أن هذه المحافظة، هي إحدى تلك المناطق الآمنة المزمع إنشاءها، دفع بالقوّات الروسيّة للتدخّل سريعاً رغم وعودها السابقة للكيان الإسرائيلي بالابتعاد عن هذه المنطقة. هنا تجدر الإشارة إلى الجنرال الأمريكي ديفيد بترايوس الذي تحدّث مؤخراً عن “منطقة سنّية تمتد من درعا إلى دير الزور تدخل في تكوين الفيدرالية السورية”.
ثانياً: لا تقتصر الأبعاد الروسيّة على مشروع المنطقة الآمنة، بل هناك تحدّ روسي لواشنطن في هذه المنطقة التي تتواجد فيها قوّات لحزب الله التي دعمها الطيران الروسي. ترامب الذي أعلن مؤخراً عبر أحد مستشاريه تعارض ما وصفها بـ” ميليشيات حزب الله” مع رؤية الإدارة الأمريكية، لاقى ردّاً سريعاً من الجانب الروسي عبر وزير الخارجيّة سيرغي لافروف الذي دعا واشنطن للاعتراف بأنّ حزب الله يقاتل داعش في سوريا.
ثالثاً: آخرون وجدوا في الهجوم العسكري لجبهة النصرة، والذي تزامن مع هجوم مماثل ضد “جند الأقصى” في ريف إدلب، محاولة من قبل الجبهة لاستعادة حاضنتها في سوريا بشكل عام، والجنوب السوري تحديداً بعد الخسائر التي تكبّدتها في أدلب وحلب أثناء المواجهات الدامية مع حركة أحرار الشام المدعومة تركيّاً. في التوقيت، تزامن الهجوم مع بدء المرحلة الثانية من مفاوضات الأستانة التي أجمعت قواها على محاربة جبهة النصرة وعدم تحييدها كبقيّة الفصائل المسلّحة. وأما في مضامين الهجوم، يتحدّث مراقبون عن خشية الجماعات المسلّحة من معركة كبرى يشهدها الجنوب السوري على شاكلة معركة حلب، لذلك حاولت الجبهة القيام بعميلة استباقيّة للسيطرة على حيّ المنشيّة الاستراتيجي والانطلاق منه نحو مناطق أخرى.
رابعاً: البعض ذهب بالتحليلات إلى أبعد من ذلك متحدّثاً عن تمهيد أردني بالاتفاق مع روسيا وأمريكا، من أجل مرحلة جديدة تقوم باستلامها في مدينة درعا. أي استنساخ تجربة “درع الفرات” التركيّة في الجنوب السوري لمواجهة تنظيم داعش الممثل بجيش خالد بن الوليد وجبهة النصرة. يسوق هؤلاء مبرّراتهم لتبنّي هذا السيناريو عبر الإشارة الى الحضور الأردني اللافت في الأستانة بالتنسيق مع روسيا، وكذلك لقاء ملك الأردن للرئيس الأمريكي دونالد ترامب كأول زعيم عربي يلتقي الأخير بعد وصوله إلى البيت الأبيض.
ختاماً، إن اشتعال الجبهة الجنوبية في هذا التوقيت يحتمل سيناريوهات عدّة كما أسلفنا أعلاه. هذه المنطقة التي تشكّل أهمية استراتيجية بخريطة العمليات العسكرية السورية باعتبارها نقطة وصل بين مناطق جنوب سوريا ووسط سوريا، قد تكون عنواناً لمرحلة جديدة من عمر الحرب. ربّما تُنسف كل التفاهمات التي تم التوصل إليها بين الروس والسوريين والأردنيين حول تحييدّ ملف الجنوب السوري والحديث عن حل سياسي، وربّما يتدخّل الكيان الإسرائيلي لدعم هذه الفصائل في بناء حزام أمني.
المصدر / الوقت