بماذا تتذرع أمريكا لمواصلة تدخلها في الشرق الأوسط؟
دأبت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على افتعال الأزمات وإثارة الاضطرابات في الشرق الأوسط بذرائع وحجج مختلفة من أجل تعزيز تواجدها العسكري في المنطقة للهيمنة على مقدراتها والاستحواذ على خيراتها.
وهذا النمط من التفكير سبق وأن اتبعته أمريكا في المنطقة إبّان الحرب الباردة التي امتدت من نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى انهيار الاتحاد السوفيتي السابق في مطلع تسعينات القرن الماضي بحجة مواجهة المدّ الشيوعي في المنطقة.
ومن الذرائع الأخرى التي أوجدتها أمريكا لتبرير تدخلها في الشرق الأوسط الزعم بأنها تسعى للدفاع عن حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية ومحاربة الإرهاب كما فعلت في غزوها لأفغانستان عام 2001 وللعراق عام 2003.
وخلال السنوات الأخيرة سعت أمريكا للعزف على وتر التخويف من الجمهورية الإسلامية في إيران أو ما بات يعرف باسم “إيران فوبيا” لابتزاز دول المنطقة لاسيّما دول مجلس التعاون وإقناعها بعقد صفقات ضخمة لشراء الأسلحة من واشنطن بعشرات أو بمئات المليارات من الدولارات.
وتصريحات الرئيس الأمريكي الجديد “دونالد ترامب” ومستشاريه ومساعديه المتكررة ضد طهران خصوصاً ما يتعلق بتجاربها الصاروخية الباليستية تهدف في الحقيقة إلى تكريس استراتيجية واشنطن لمواصلة تدخلها في شؤون المنطقة.
وتتذرع أمريكا بمحاربة الجماعات الإرهابية كـ “داعش” و”القاعدة” و”طالبان” لتبرير تدخلها في شؤون الشرق الأوسط في وقت يعلم الجميع بأن واشنطن هي التي أوجدت أو دعمت هذه الجماعات لتنفيذ مخططاتها في المنطقة، وهو ما اعترف به الكثير من المسؤولين الأمريكيين ومن بينهم وزيرة الخارجية السابقة ومرشحة الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الأخيرة “هيلاري كلينتون”.
ومن خلال قراءة سريعة لما جرى ويجري في المنطقة خلال العقود الأخيرة يمكن الاستنتاج بأن أمريكا هي التي أوجدت الجماعات الإرهابية بدءاً من تنظيم القاعدة لمواجهة النفوذ الروسي في أفغانستان. كما دعمت حركة “طالبان” لإضعاف نفوذ القادة الأفغانيين الذين كانت تربطهم علاقات جيدة مع الجمهورية الإسلامية في إيران وفي مقدمتهم “برهان الدین رباني” الذي أغتيل بهجوم إرهابي استهدف منزله في كابول و”أحمد شاه مسعود” الذي اغتالته “طالبان” في أيلول/سبتمبر عام 2001.
ومنذ غزوها للعراق عام 2003 سعت أمريكا إلى إثارة الأزمات في هذا البلد على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية والتي تجلت بصورة واضحة في احتلال تنظيم “داعش” الإرهابي لمناطق واسعة من العراق في حزيران/يونيو 2014 لتبرير عودة قواتها العسكرية إلى هذا البلد بحجة محاربة الإرهاب.
ومنذ احتلال فلسطين من قبل الصهاينة في عام 1948 سعت أمريكا إلى توظيف هذا الاحتلال البغيض لتنفيذ مخططاتها في المنطقة بحجة السعي للتوصل إلى تسوية بين الكيان الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية في وقت يعلم الجميع بأن واشنطن ليست جادة أبداً في هذا المجال، والدليل على ذلك دعمها المتواصل لتوسيع المستوطنات الصهيونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة رغم رفض المجتمع الدولي ومنظماته الحقوقية لاسيّما الأمم المتحدة ومجلس الأمن لهذا الأمر، وكذلك عزم ترامب على نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة.
وسعت واشنطن أيضاً عبر تدخلها في شؤون سوريا ودعم السعودية في عدوانها المتواصل على اليمن منذ آذار/مارس 2015 إلى استغلال الظروف الأمنية المتدهورة في الشرق الأوسط لمواصلة مخططاتها الرامية إلى تمزيق المنطقة في إطار مشروعها المسمى “الشرق الأوسط الكبير أو الجديد”.
ولازالت الإدارة الأمريكية تغذي الصراعات والنزاعات في المنطقة لبيع المزيد من الأسلحة لدولها خصوصاً البلدان الأعضاء في مجلس التعاون لاسيّما السعودية من أجل استنزاف ثرواتها النفطية وربطها اقتصادياً بواشنطن خدمة للشركات الأمريكية العملاقة التي تعود ملكيتها لمسؤولين كبار في الإدارة الأمريكية وفي مقدمتهم ترامب نفسه.
من خلال هذه المعطيات يمكن الجزم بأن أمريكا هي السبب الأساس في جميع أزمات الشرق الأوسط والتي أدت إلى زعزعة الأمن والاستقرار بشكل لم يسبق له مثيل في عموم المنطقة وأسفرت عن مقتل وإصابة وتشريد عشرات الآلاف من أبنائها وتدمير البنى التحتية لبلدانها في شتى المجالات لإبقاء هذه المنطقة رهينة لمخططات واشنطن وحلفائها لاسيّما الكيان الإسرائيلي، ولهذا لابدّ لجميع القوى الإقليمية أن تتظافر جهودها لمواجهة هذا المخطط الرهيب من أجل وقف نزيف الدم والحدّ من استنزاف الثروات وهدر الطاقات والإمكانات الهائلة التي حبى الله بها شعوب المنطقة.
المصدر / الوقت