هل تسعى أمريكا لتأسيس حكومة كردية مستقلة في المنطقة؟
الموضوع المهم الذي يشغل بال الكثير من المحللين والسياسيين هو أنه بعد القضاء على داعش في العراق وسوريا وخروج هذين البلدين من الأزمة، ماهو مستقبل الأكراد؟ في هذه الأثناء نرى بأنّ تعامل أمريكا مع الأكراد ومتطلباتهم يعتبر أمر مهم وأساسي بالنسبة للأكراد من ناحية وبالنسبة لبعض دول المنطقة ومنهم تركيا من ناحية أخرى، بالإضافة إلى تعيين النظام الأمني لمستقبل الشرق الأوسط.
الكثير يعتقدون أنّ أمريكا تقوم بأعمال قذرة في نهاية كل حرب. فقد تخلت الولايات المتحدة خلال مسيرتها في الخمسة عشر سنة الماضية؛ عن الكثير من العراقيين والأفغان ممن عرّضوا حياتهم للخطر في سبيل تعاونهم مع أمريكا. لذلك فهم يعتقدون أنّ الأمريكان سيعيدون الكَرّة مع الأكراد أيضاً ويتخلون عنهم في مواجهتهم مع الحكومات الوطنية في العراق، سوريا وتركيا.
من جهة أخرى يعتقد بعض المحللين أنه يجب توقع تغيير جذري في السياسة الأمريكية. فمن المحتمل أن تقوم الحکومة الامریکیة بدعم تأسيس حكومة كردية لتقوم بتغيير النظام الأمني في الشرق الأوسط.
في هذا السياق، أشار “جنكيز تومار” أستاذ معهد دراسات الشرق الأوسط (ODE) في موضوعه الذي نشر في وكالة أنباء الجزيرة إلى أنّ قرارات الرئيس الأمريكي ترامب فیما يتعلق بعمليات تطهير الرقة سيظهر للملأ سيناريو أمريكا في المنطقة. وإذا أراد ترامب إستخدام حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) و وحدات حماية الشعب الكردي(YPG) لتحرير الرقة – كما تظهر التطورات على الصعيد السياسي – حينها سيطبق خطة “قوة المطرقة في شمال العراق” على الشمال السوري. وبعد ذلك ستحاول أمريكا اقتطاع أراضي من تركية وإيران لتأسيس حكومة كردية علمانية تابعة لأمريكا.
من جهته أكّد “أميتاي إتزيوني”استاذ العلاقات الدولية في جامعة جورج واشنطن أنّ: “على أمريكا دعم تأسيس حكومة كردية مستقلة. وبالطبع سيقابل هذا الأمر باعتراض حکومتي بغداد وأنقرة. ومع ذلك يجب أن يحصل الأكراد على استقلالهم. بالإضافة إلى أنّ هذا الأمر سيرسخ الثقة والإطمئنان لدى حلفاء أمريكا في المنطقة وبالأخص في أوروبا وجنوب شرق آسيا. مما يعني أنّ أمريكا ستقف بجانبهم ولن تترك الأكراد وحدهم كما فعلت في السابق”.
أضاف أميتاي: “إذا انتهت الحرب في سوريا، فإنّ رأي الواقعيين أن تبقى الولايات المتحدة إلى جانب العراق وتركية، لأنهما سيتعاونان مع الولايات المتحدة في المستقبل، كما أنه يجب تجاهل الأكراد بالنهاية. هذه الإدّعاءات لا تعتبر هزيمة أخلاقية فحسب وإنما هي في الواقع سياسة خاطئة وغير منطقية. لأنّ حلفاء أمريكا في كل العالم يترقبونها، وعندما يتم الإستغناء عن بقية المحاربين، فإنهم سيراقبون كيفية تعاطي واشنطن مع الأكراد، وسيعتبرون سلوكها مع الأكراد اختبار لمدى مصداقيتها. وبناء على النتائج سيتخذون قرارهم في البقاء إلى جانب الولايات المتحدة أو عدم البقاء، وحينها سيتأكدون أنهم إذا ما تعرضوا لأخطار كبيرة بسبب دفاعهم عن السياسات الأمريكية في مواجهتهم مع روسيا والصين و… هل ستبقى الولايات المتحدة لجانبهم أم أنها ستتخلى عنهم؟.
ففي الوقت الراهن يعتقد الكثيرون أنّ الولايات المتحدة ستدعم الاكراد في تأسيسهم حكومة كردية في العراق وسوريا بعد خروج البلدين من أزمتهم، ومع ذلك يبدو أنّ قبول وجهة النظر هذه ليس بالأمر السهل، فبلا أدنى شك يعتبر تأسيس حكومة كردية جديدة في المنطقة عامل لزعزعة الأمن أكثر من أن يكون عامل إستقرار أمني كما أنه سيخلق فوضی عارمة جديدة قبل أن يكون عاملاً في إيجاد نظام أمني جديد للشرق الأوسط.
يبدو أنّ الأمريكان يفهمون جيداً مخاطر تأسيس حكومة كردية في المنطقة. و إن واشنطن إذا أرادت تأمين مصالح الأكراد في بلد مثل سوريا فإنها لاتستطيع تنفيذ مشروع الحكومة الكردية المستقلة في سوريا؛ لأنّ الحلّ الوحيد هو إيجاد حكومة فيدرالية ذات صلاحيات محدودة للأكراد في الشمال السوري، وفي الوقت نفسه يعتبر هذا الأمر بحد ذاته تحدي وسيواجه بقيود كثيرة.
المصدر / الوقت