التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

كابوس سباق التسلح الأوروبي: قراءة موضوعية في الأبعاد والدلالات 

يبدو أن سباق التسلح العالمي وتحديداً الأوروبي سيبقى جوهر الأزمات بين موسكو والغرب. فيما شكلت مسألة الحشد العسكري للناتو في دول البلطيق قرب الحدود الروسية وقيام روسيا بنقل صواريخها الباليستية ذات القدرات النووية إلى كالينينغراد، منعطفاً تفجرت معه حرب المخاوف بين هذه الأطراف. فيما تُطرح تساؤلاتٌ حول العقيدة العسكرية ومدى إيمان البعض بأن سباق التسلح هو ما يصنع التوازن. فماذا في مستجدات التحذير الألماني؟ وما هي صورة سباق التسلح في العقيدة العسكرية للدول؟ وكيف يمكن وصف أبعاد ودلالات ذلك في أوروبا؟

التحذير الألماني: لسان حال أوروبا والغرب؟!

حذر وزير خارجية ألمانيا “زيغمار غابريل” مما وصفه بخطر “سباق تسلح” جديد مع روسيا، بعد تقارير عن نشر موسكو صواريخ في مدينة كالينينغراد. وأكد أنه إذا نشرت روسيا صواريخ إسكندر بصورة دائمة ربما يكون ذلك سببا لقلق بالغ وسيمثل ضربة للأمن الأوروبي بحسب تعبيره. وأكد غابرييل أنه ونظيره الروسي “سيرغي لافروف” اتفقا خلال اجتماعهما في موسكو على ضرورة استمرار المحادثات الرباعية لإنهاء العنف في شرق أوكرانيا. حيث سيُمهد ذلك الطريق أمام المزيد من إجراءات نزع السلاح.

لماذا هذا التحذير اليوم؟

فيما يخص الوضع القائم اليوم، يمكن قول التالي:

أولاً: إن ما يُثير مخاوف الدول الأوروبية بالإضافة الى ألمانيا، هو أن روسيا أدخلت تعديلات عسكرية على الصاروخ “إسكندر-أم” تجعله يصل لأهداف على بعد 700 كيلومتر، مما يجعل العاصمة الألمانية برلين في مرمى الصواريخ المُنتشرة في منطقة كالينينغراد.

ثانياً: أشارت روسيا منذ عدة أشهر الى أنها نقلت صواريخها الباليستية ذات القدرات النووية إلى كالينينغراد وقامت بنشر نظام دفاع جوي صاروخي من نوع إس – 400 هناك. واضعة ما يجري في إطار تدريبات روتينية، الأمر الذي اعتبره مسؤولون عسكريون غربيون مناورة لجعل هذا الوضع العسكري وضعاً قائماً بشكل دائم.

الصورة بشكل أوضح: هل باتت العقيدة العسكرية تؤمن بأن التسلح يصنع التوازن؟

يمكن من خلال تسليط الضوء على سباق التسلح العالمي لا سيما الغربي، ملاحظة التالي:

أولاً: بحسب الإحصاءات الرسمية لمعهد أبحاث السلام الدولي في ستوكهولم، فإن العديد من البلدان تُكثف ميزانياتها العسكرية وتستثمر في الوسائل التقليدية للحرب. الأمر الذي يعني بحسب الخبراء استمرار مسار التسلح التقليدي للدول بالإرتفاع. وبحسب الإحصاءات فإن الصين زادت من ميزانيتها العسكرية بنسبة 132 % بين عامي 2006 و 2016. كما ارتفعت النفقات العسكرية للسعودية بنسبة 97 % وروسيا بنسبة 91 %، خلال عشر سنوات من العام 2006. أما أمريكا فقد بقيت حتى بداية العام 2016، القوة التي لديها أعلى نفقات عسكرية تصل الى 600 مليار دولار سنوياً.

ثانياً: باتت عقيدة التسلح الذي يصنع التوازن، هي العقيدة التي تحكم السياسية العسكرية للدول الكبرى والغربية. حيث يجد خبراء، أن خطط الناتو لزيادة عدد قواتها في دول البلطيق قرب الحدود الروسية، والمناورات العسكرية الأخيرة الأميركية في الخليج الفارسي وانفتاح الصين في بحرها الجنوبي والشرقي، ليست سوى مؤشرات على أن النظام العالمي أصبح أكثر هشاشة وعرضة للإنفجار.. الأمر الذي يجعل التورط في حربٍ تقليدية شيئاً ممكناً، خصوصاً بعد أن باتت لغة الإستفزاز هي السائدة.

سباق التسلح في أوروبا: دلالات وأبعاد

يمكن قراءة سباق التسلح الأوروبي ضمن منظومة العالم العسكرية على الشكل التالي:

أولاً: جعلت أمريكا الدول الغربية تؤمن بأن روسيا تُشكل اختبار القوة الأساسي في العالم، خصوصاً فيما يتعلق بمستوى طموحاته في إعادة الإعتبار للنفوذ الجيو سياسي والجيو عسكري لروسيا، لا سيما بعد انهيار الإتحاد السوفييتي. الأمر الذي يجعل الدول الغربية تزيد من مخاوفها تجاه تطور النزاعات في ظل غياب إمكانيات الردع، والتوازن الإستراتيجي.

ثانياً: تُشكِّل تركيا وموقعها في الأزمات أهمية في تحديد موازين القوة العسكرية الأوروبية. وهو ما لا يمكن للغرب أن يُنكره. حيث أن احتمالية انسحاب تركيا من حلف الناتو نتيجة المشكلات القائمة بين أنقرة والغرب، يعني نفوذاً أكبر لموسكو. وهو ما يخشاه الحلف العسكري الأوروبي الأمریكي. فيما مثلت الأزمة السورية فرصة لتركيا، من أجل تحديد خياراتها، لكنها ما تزال تُدير مصالحها على قاعدة استغلال نقاط ضعف الأطراف كافة.

ثالثاً: بالنسبة لواشنطن، فإن الضغط على روسيا وجعلها سبباً في استفزاز الغرب ومثالاً للخطر على الأمن القومي العالمي، هو من الأهداف الأساسية. فعلى الرغم من أن ألمانيا تُعتبر بوابة العبور الغربي نحو موسكو، فإن علاقاتها الجيدة مع روسيا، لم تحد من مخاوف الدول الغربية بشكل جدي، بحسب ما يؤكد خبراء. فيما تُعبر أمريكا دوماً عن مخاوفها من انهيار التوازنات التي قامت بعدد الحرب الباردة، خصوصاً أنها تؤمن بأن لروسيا تاريخ يتسم بعدم الإلتزام، بأيٍ من الإتفاقيات والمعاهدات الدولية القائمة.

رابعاً: يبدو واضحاً أن الحال الذي تتصف به العلاقة بين روسيا والغرب، تُعبِّر عن زيادة في عدم الثقة. الأمر الذي يجعل التنافس الجيوسياسي والجيوعسكري مُحتدماً، ويؤدي إلى تفاقم المشكلة وقيام حرب تسلح غير مُعلنة بين الدول. وهو ما يمكن إطلاق توصيفه على المواجهة القائمة بين موسكو وواشنطن في أوكرانيا، والتي يُعتبر الحشد الأوروبي جزءاً منها، وتابعاً لأمريكا.

إذن، بين سياسة التسلح الهجومي وسياسة التسلح الدفاعي، تمضي الدول في سباقٍ يضع العالم على شفير الهاوية. فعلى الرغم من أن تكنولوجيا الحرب الحديثة آخذة في التطور بطرق جديدة كالحرب السیبرانیة
أو الإلكترونية، إلا أن الحروب التقليدية بين الدول الكبرى تزداد خطورة مع الإيمان بأنه لا بديل عن التسلُح التقليدي. حيث يجد البعض أن أصل التوازن مبنيٌ على إفهام العدو بوجود قدرة على الردع أو قدرة على الهجوم لا يمكن منعها. وفي أوروبا، يعيش المسؤولون العسكريون دائماً في حالةٍ من التأهب، أمام ارتفاعٍ في منسوب القوة الروسية، تضعه موسكو في خانة الردع للتحركات الغربية تجاه دول البلطيق.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق