من تدمر الى دمشق ثم جنيف: رسائل إقليمية خطَّها الجيش السوري محلياً!
في وقتٍ ما تزال فيه الأطراف الإقليمية تحصد مُرَّ هزيمتها، صاغ الجيش السوري معادلاته الجديدة في دمشق مُعيداً خلط الأوراق محلياً. ليُعزز قوته التي كانت موجودة، ويوجه رسائل تصلح لكونها سياسية وعسكرية في آن واحد وعلى الصعيدين المحلي والإقليمي. كل ذلك حدث خلال أيامٍ كانت حافلة بالإنجازات على الصعيد المحلي، وكفيلة بكونها تعبيراً عن واقع القوة التي يتمتع بها الجيش السوري.
وهو ما بدأ في تدمر واستمر في دمشق بالأمس. فكيف استعاد الجيش السوري زمام المعارك في دمشق؟ وما هي أهم الحقائق التي يجب معرفتها حول الميدان، لاسيما القابون وجوبر؟ وما هي أهم دلالات ما جرى في دمشق؟
الجيش السوري يستعيد زمام المعارك
إستعاد الجيش السوري السيطرة على كراجات العباسيين في شرق العاصمة دمشق بالكامل وعلى مواقع في محيطها، والمنطقة التي تفصلها عن عقدة حي القابون. كما استعاد الجيش الطريق الدولي بين حي جوبر وحي القابون في دمشق، في وقتٍ بدأ فيه المسلحون معركة جديدة في عدة محاور شرق دمشق. وكان قد شنَّ المسلحون الأحد هجوماً مباغتاً على مواقع الجيش في حي جوبر، وتقدموا نحو حي العباسيين. وهنا فإن حي جوبر المتصل بالغوطة الشرقية لدمشق يُعد من أبرز معاقل المسلحين في ريف دمشق كما يُعتبر خط التماس الرئيسي بين الطرفين، باعتباره أقرب نقطة إلى وسط دمشق يتمركز فيها المسلحون.
أهمية القابون وجوبر: حقائق حول أسباب التحرك
تكمن أهمية القابون وجوبر عسكرياً فيما يلي من الحقائق التي أشارت لها مصادر صحفية:
أولاً: تُشير المعلومات الجغرافية إلى أن القابون تُعتبر نقطة انطلاق عسكري للمسلحين حيث تُشكِّل الخزان الأساسي للغوطة الشرقية، فيما يصل حي برزة بالغوطة عبر سلسلة أنفاق كبيرة تصل أيضاً بين القابون وعمق الغوطة الشرقية.
ثانياً: إن أكثر المسلحين الموجودين في الحي يتبعون لجبهة النصرة الإرهابية كما يُعتبرون من أكثر المسلحين المدربين على القتال.
ثالثاً: إن تحرك المسلحين في جوبر هو لأسباب تتعلق بوجود تنسيق قوي بين الأحياء وتحديداً عبر الأنفاق.
وهنا فإن الهدف من ذكر ما تقدم تبيين الصورة على حقيقتها، وليس كما يجري تقديمها في الإعلام التابع للسياسة الأمريكية.
الأهداف والدلالات: إفشال الرهان على كسر العاصمة
يمكن قراءة التطورات على الساحة السورية من خلال ما يلي:
أولاً: إنه ومن خلال الربط بين توقيت ما جرى والطريقة التي جرت فيها الأحداث، يمكن إدراك أن ذلك يُعتبر من ضمن مسار الخطة الإقليمية التي تقودها أمريكا والكيان الإسرائيلي لإضعاف الجيش السوري والدولة السورية. فيما لا يجب إغفال أن ما جرى حصل بعد إعادة النظام السوري خلط الأوراق إقليمياً من بوابة الصراع مع الكيان الإسرائيلي.
ثانياً: تدرجَّت الأحداث بشكل مُتسلسل حيث، حصلت تفجيرات داخل القصر العدلي وفي أحد مطاعم دمشق، ثم تلا ذلك غارة إسرائيلية على مواقع للجيش السوري انتهت بالفشل. ليأتي بعدها مسألة تحريك المسلحين في جوبر والغوطة الشرقية للتغطية على إنجاز الجيش والذي كان له العديد من الآثار المحلية والإقليمية لا سيما ما يخص تثبيت الوجود الداخلي ورسم المعادلات الإقليمية.
ثالثاً: إن فشل المسلحين في جوبر للتحرك إلى قلب العاصمة بهدف تخفيف الضغط عن جبهة القابون، ومنعهم من الوصول إلى ساحة العباسيين يعني الكثير في ميزان المعادلات العسكرية الميدانية على الساحة السورية. حيث أن نجاحهم في ذلك كان ليُعيد خلط الأوراق الميدانية في العاصمة دمشق.
رابعاً: إن للتحرك في العاصمة أهمية معنوية بالإضافة إلى أهميته عسكرياً. فدمشق هي عاصمة سوريا ومركز قوة وثقل المؤسسات التابعة للدولة السورية على كافة الأصعدة. وهو الأمر الذي هدف التحرك لضربه، خصوصاً بعد أن أعادت خطوة الجيش السوري بالرد على الكيان الإسرائيلي، المجد لدمشق المقاومة وسوريا الأسد، كعاصمة ودولة تحتضنن جيشاً وشعباً مُقاوماً.
خامساً: ليست الأحداث التي جرت بعيدة عن مفاوضات جينيف 5. لكنها فشلت وفشل معها الرهان على تحقيق أي تقدم يمكن أن يُكسب المسلحين ورقة تفاوض ضد الوفد الحكومي السوري. وهو ما يُسقط رهان الأطراف الإقليمية الداعمة للمسلحين بالإضافة إلى أمريكا. كما يُعبِّر ذلك على حجم الإفلاس الذي باتت تتصف به هذه الأطراف.
سادساً: أعطت هذه العمليات فرصة عسكرية ميدانية للجيش من أجل زيادة معادلات القوة في دمشق وتحويلها إلى درع حصين أمام أي محاولة للتعدي على حقوق الشعب السوري وسمعته المعنوية والعسكرية. وهو ما سيدعمه استمرار عمليات الجيش في قلب الغوطة الشرقية، بعد تقييدها ومحاصرتها بشكل كامل، بالإضافة إلى تحركه الجدي فيي باقي المناطق من سورية بشكل متتالٍ أو متزامن حسبما ترى القيادة العسكرية السورية.
إذن أعادت دمشق خلط الأوراق محلياً. للتكامل مع توجهات القيادة السورية إقليمياً. وبعد الإنجاز الإقليمي للجيش السوري جاء إنجازه في الداخل ومن قلب العاصمة، ليرسم مساراً جديداً في المعادلات، والتي تتخطى دمشق وصولاً إلى جنيف وما بعده في الآستانة.
المصدر / الوقت