التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

الامام الخمیني والثورة علی الخرافة 

علاء الرضائي

الثورة الاسلامیة في ایران، ثورة ثقافیة هدفها اعادة الوعي الی المجتمع وتحریر ارادة الانسان من اجل النهوض به لیرتقي الی السماء، بعد ان یسخر الارض لصالح اهدافه ولیكون في مقدمة الركب البشري، منتجاً وغیر مستهلك لانتاج الآخرین علی مستوی الفكر والثقافة والمدنیة..

ومن هذا المنطلق لم تكن الثورة معول للهدم فقط، بل بید تهدم صرح الطاغوت وباخری تشید صرحها للحیاة، ولعل هذه النقطة هي المفصل الذي میز نهضة الامام الخمیني (رض) عن غیرها من النهضات والحركات والثورات التي قامت علی مرّ التاریخ الاسلامي وخاصة بین اتباع مدرسة اهل البیت (ع)، فهذا التاریخ الحدیث في ایران والعراق والبحرین ولبنان یحدثنا عن ثورات قام اتباع مدرسة اهل البیت (ع) لكنها لم تصل الی نتیجة بسبب غیاب مشروع البناء، حتی اصبحت المعارضة فقط هي الصبغة الاساسیة للتحرك!

 

الامام الخمیني (رض) ومن خلال طرحه الحكومة الاسلامیة، بدأ من حیث انتهی الآخرون، بمعنی ثاني لم یكن مشروعه مشروع اطاحة، بل مشروع بناء یستوجب مقدمة هي الاطاحة بالنظام القائم.. ومن هذا المنطلق جاءت فكرته في الحكم منسجمة مع قناعته بالدور الذي یتوجب علی الدین وعلماء الدین القیام به، فالشریعة نهج في الحیاة یحتاج الی مفاصل الحكم لتطبق العدید من احكامها، وبالتالي جرّ خط البطلان علی الروایات التي تدعو الی العزلة والابتعاد عن الحیاة وترك ادارة المجتمع تحت عنوان فصل الدین عن السیاسة.

وبما ان هذه الفكرة، فكرة الفصل بين الديني والدنيوي، لم تكن بین مثقفي السلطة والعلمانیین الآخرین فقط، بل اخذت تعشعش منذ فترة وبالتحديد مع الاستعمار الاوروبي للشرق الاوسط، في اوساط المدرسة الدینیة وتجلت بشكل واضح في جماعة “الحجتیة” وبعض المدارس الفقهية خارج ايران، من الذین ركزوا علی محاربة كل من یرفع شعار العمل والتحرك الاسلامي والمواجهة مع الانظمة الحاكمة تحت غطاء “كل رایة تسبق قیام الحجة (عج) فهي رایة ظلال!” كان علی الامام الخميني رضوان الله علیه ابطال جهد هؤلاء قبل غیرهم او علی الاقل بموازات مواجهته للسلطة االشاهنشاهیة، علما ان كثیر من اولئك الحجتیة كانوا علی اتصال بالسلطة ویستفیدون من دعمها.

 

ان مواجهة الانحرافات والعقدیة الفكریة من اهم اولویات ایة قیادة ربانیة ترید ان یسمو افق الانسان المسلم ویتحرر من عبودیة غیر الله سبحانه وتعالی، فالخرافة لیست من الدین الحق، بل علی نقیض منه، كما انه لا ینصر الحق بالباطل والزیف..

وعلی هذا الاساس، نجد الامام الخمیني یشن حملة كبيرة علی الانحرافات التي اصابت بعض اركان المؤسسة الدینیة والتي ابتلي بها بعض كبار رجالها تحت مسمیات وعناوین مختلفة، ففي عام 1983 وفي ذروة الحرب المفروضة من قبل صدام حسین علی الجمهوریة الاسلامیة، اصدر بیانه او اعلانه المعروف بـ “منشور روحانیت” والذي هاجم فیه بشدة التیارات “السلفیة” في الحوزة ووصفها باشد واعنف الاوصاف، وبتلك القوة والصلابة الخمینیة المعهودة، رغم ما اشیر علیه بالسكوت عنهم الی حین انتهاء الحرب وعدم فتح جبهة داخلیة…

اعلان او منشور “روحانيت” اوقف مسلسل التخریب والمطالبات المتزایدة التي بدأ البعض طرحها من الحكومة الاسلامیة والتي ذهب بعضها الی حد المطالبة بالشراكة في الحكم! وفرض رؤاهم وتصوراتهم علی الثورة والشعب وقیادته التي تحملت اعباء الجهاد والمنفی والقتل في سبیل اقامة الدولة الاسلامیة، واعاد الامور الی نصابها، مع ان بعض الافاعي الرقطاء تلك (والتعبير للخميني الكبير) لاتزال تحاول النیل من الخمیني العظیم وفكره ودولته، بالخرافة حیناً وبالمكر والدهاء حیناً آخر.

ان الفكر والمنهج والمدرسة التي شیدها الامام الخمیني (رض) والتي شارك في وضع لبناتها عظماء ومجددون مثل السید الشهید محمد باقر الصدر والشهید الصدر الثاني والشهید مطهري وغیرهم من الفقهاء والفلاسفة والمفكرین داخل ايران وخارجها، اسس لقراءة جدیدة للاسلام، قراءة بعیدة عن الحكایات والاساطیر، تتحرك علی ارض الواقع كما اراد الله لشرعته وتلامس متطلبات الانسان وحاجاته، بما یجعل المسلم في مقدمته الركب الحضاري ولیس تبعا ومستهلكا لاجیال مثلت افقها الفكري ومتطلباتها الزمكانیة، او لغیره ممن هم اساساً خارج دائرة التدین.

اما الخطوات التي اتخذها الامام (رض) والنظام الاسلامي في مواجهة الخرافة والخط الانحرافي في المؤسسة الدينية فكان على اكثر من مستوى، وشمل البنى التحتية والمناهج الحوزوية والاكاديمية من جهة، والمظاهر العامة للخرافة من جهة اخرى، أما بالنسبة للظواهر فكان الامام وخليفته الامام الخامنئي صلبين في المواجهة رغم كل الحروب الدعائية والاشاعات والمؤامرات التي حيكت للنيل منهما ومن النظام.. ولعل ذاك يحتاج الى مقال مستقل.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق