التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, سبتمبر 30, 2024

حسابات ما بعد الضربة الأمريكية: ماذا لو صعَّد حُلفاء الدولة السورية؟! 

ينتظر العالم ردود الأفعال ليبنوا على الشيء مُقتضاه. لكن الواضح أن قيام واشنطن بالتهور لا يعني قيام أعدائها بذلك. فهناك فرقٌ بين الطرف الأمريكي الذي يضع مصالحه كما يراها كأولوية أمام مصلحة سوريا وشعبها. فيما تتصرف روسيا وإيران من منطلق ما يخدم مصلحة الشعب السوري كحدٍ أدنى. لنقول أن الخطوة الأمريكية لن تبقى دون رد. لكنه سيكون رداً مدروساً ومحسوباً. وهو ما يجب قراءة من موقع القوة والقدرة على إدارة القوة. فكيف يجب رؤية مشهد ما بعد الضربة؟ وما هي القراءة الصحيحة لردود الفعل التي صدرت من روسيا وإيران بعد الخطوة الأمريكية؟

ما بعد الضربة: المشهد كما يجب أن نراه اليوم

عدة مسائل تُحدد المشهد والذي يجب على أساسه بناء حسابات المستقبل، نُشير لها كما يلي:

أولاً: من الواضح أن ترامب ومن خلال الضربة سعى لتحقيق مكاسب أميريكية داخلية، عبر تخفيف الضغط الذي يتعرض له من النُخب السياسية والأمنية والعسكرية في أميركا، ليس أكثر. لذلك أرادها ضربة محدودة، يظن أن الطرف الروسي قد يتفهمها.

ثانياً: يبدو أن ترامب سعى لإيجاد نقطة تحوَّل في السياسة الأمريكية التي يُمثلها كجمهوري، من منطلق أنه لن يتعاطى مع أي ملف خارجي أو داخلي، على طريقة سلفه الديموقراطي باراك أوباما. في محاولة لوضع حد للأحادية الروسية الظاهرة على الصعيد الدولي في إدارة الملف السوري.

ثالثاً: من الناحية الميدانية في سوريا، فإن الضربة لم تُحقِّق أي نتيجة عسكرية. بل هي بنتائجها وطبيعتها وأهدافها، لم تؤسس لمعادلة جديدة على الصعيد العسكري السوري. حيث أن الأضرار اقتصرت على السلاح وهو الأمر الذي له العديد من الدلالات، لكنه في معادلات الصراع الميداني السوري يُعتبر من دون أثر.

رابعاً: أثبتت الضربة والسياق الذي جاءت فيه وما سبقها من حملة إعلامية الى أن كل مسألة الهجوم الكيميائي مُفتعلة. حيث أنه لا يمكن الفصل بين الضربة وما سبقها، وما لحقها من حفلات جنون وفرح، في تركيا وقطر والسعوديّة والمعسكر المحسوب على أمريكا. في حين أعلنت الجماعات الإرهابية والتي تُسمى معارضة إبتهاجها، وعاد رياض حجاب الى الشاشات العربية مُحللاً إستراتيجياً!

خامساً: أثبتت أمريكا من خلال الضربة أن مشاريعها في الحرب بالوكالة فشلت. من العراق الى أفغانستان، وسوريا ولبنان واليمن وليبيا. وهو ما يعني بالضرورة عودة واشنطن الى الساحة وبشكل يعتمد على الإدارة المباشرة وليس عبر الوكلاء.

ردود الفعل من حلفاء الدولة السورية: قراءة في الدلالات

وضعت أمريكا نفسها مقابل روسيا على الصعيد الدولي. وهو ما له حساباته الخاصة في ظل وجود أُطر مفتوحة للتنسيق بين موسكو وواشنطن. الأمر الذي يختلف عن الطرف الإيراني والذي ينطلق في صراعه مع أمريكا ضمن قواعد ثابتة لا مكان فيها للتنسيق. الأمر الذي يعني أن الفعل الأمريكي لن يُغيِّر في النظرة الإيرانية لواشنطن، وإن كان لما جرى حسابات خاصة به لدى الجانب الإيراني. وهنا نُشير للتالي:

أولاً: أعلنت روسيا أنها ستُعزز منظومة الدفاع الجوي في سوريا، عقب الضربات الأميركية التي اعتبرتها طائشة ومخطط لها قبل حادث إدلب. فيما أشار المتحدث بإسم الكرملين الى أن بوتين يرى في الضربات الأميركية عدواناً على دولة ذات سيادة، وانتهاكاً لمعايير القانون الدولي. وهو ما يعني أن موسكو قرَّرت إزالة أثر الضربة الأمريكية عبر إعادة تعزيز أنظمة الدفاع الجوي السورية كحد أدنى، وهو ما يُعيد الأمور الى ما كانت عليه قبل الضربة.

ثانياً: لا شك أن روسيا ستتعامل بجدية مع الخطوات الأمريكية خصوصاً أن العالم ينتظر رد فعلها. وهو ما ستسعى واشنطن للحد من تأثيراته لتحقيق الهدف بتأمين الضغط على موسكو وتمكين واشنطن من رفع سقفها السياسي والميداني في خطواتها المستقبلية.

ثالثاً: من الواضح وجود رؤية متكاملة في قراءة آثار الخطوة الأمريكية من قبل روسيا وإيران. حيث اعتبر الطرفان أن اتخاذ أيّ خطوات عسكرية أحادية الجانب، سيؤدي إلى نتائج خطيرة ومدمرة وهو ينتهك المواثيق الدولية خصوصاً أنه جرى الإعتداء على دولة ذات سيادة. الأمر الذي يعني فشل المسعى الأمريكي في إبعاد روسيا عن حليفها الإيراني، والذي كانت تسعى أمريكا لإنجازه. فيما جاءت الضربة لتدل على عمق التحالف وإستراتيجيته وديمومته بناءاً لرؤية متناغمة تتعلق بالخطر الأمريكي.

رابعاً: إنه لمن الطبيعي الإدراك، بأن حلفاء الدولة السورية سيُنسقون جهودهم للرد على العمل العسكري الأمريكي، بالطريقة المناسبة والخطوات المدروسة. مع الأخذ بعين الإعتبار وجود توافق واضح لدى كافة الأطراف يهدف لتعزيز العمل السياسي لحل الأزمة السورية. وهو ما يعني أن إيران وروسيا تجدان في المصلحة السورية أولوية على عكس الطرف الأمريكي الذي قد ينظر الى مصالحه فقط.

خامساً: لن يستطيع دونالد ترامب، تحقيق أي من طموحاته فيما يخص الملف السوري والتي تتعلق بحلفاء الدولة السورية لا سيما إيران وحزب الله. حيث أن العمل العسكري الذي أمر به، يُثبت أن أمريكا ما تزال تعتبر نفسها كما كانت مسؤولة عن أمن الكيان الإسرائيلي. حيث لا يجب فصل الضربة الأمريكية عن سابقتها الإسرائيلية والتي جاءت أيضاً في إطار مواجهة نقاط القوة التي يمتلكها محور المقاومة في الصراع مع تل أبيب. وهو ما يجب أن يفهم الجميع أنه يُشكل أولوية لحزب الله وإيران من خلفه.

إذن، لم تُغيِّر الضربة من موازين الحرب في سوريا. بل على العكس، أثبتت أمريكا مرة جديدة أمام منافسيها الدوليين، أنها طرف مخادع في السياسة الدولية. لكن الجديد هو أن بوادر التنسيق بين أمريكا وروسيا باتت في خطر، وأُعيد خلط الأوراق في المنطقة. فيما عاد الطرف الروسي ليتمسك بالحليف الإيراني الذي لم يُخطئ يوماً في قراءته للخطوات الأمريكية. أما المستقبل فيبقى وفق الخيارات التي تحددها الأطراف!
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق