التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

أمارة قطر… وطريقها المشبوه نحو العالمية ملفات فاسدة وانتهاكات حقوقية وفضائح لاتنتهي 

  قطر دولة خليجية تحتوي ثروات تفوق حجم سكانها، ولكن لا تفوق طموحاتها، كما يصرح بذلك بعض المحللين والمتابعين لسلوك دولة قطر على المستوى الإقليمي والعالمي.

الغاز والنفط، وجه السعادة الاقتصادية لقطر الحديثة، التي حاولت استثمارها في مجالات كبيرة، ربما لا تتناسب ومساحتها الجغرافية الصغيرة جداً (11,437 كم مربع) وعدد نفوس سكانها القليل (2 مليون نسمة).

قطر التي اعتمدت على عوامل معينة للبروز الى العالمية، أخفقت في بعضها، بينما نجحت نجاحاً ضمنياً في البعض الاخر، تحاول اليوم مزاحمة الكبار في الخليج، لوضع قدمها في طريق التوازنات الدولية، والتي ولدت لها الكثير من المشاكل والتعقيدات التي لم تستطع الخروج من بوتقتها، كما يرى متابعون.

سياسياً، تبنت قطر وجهات داعمة لحركات ما يسمى بـ الربيع العربي، وشجعت الحركات والأحزاب الإسلامية “الاخوان المسلمين” لتولي مناصب سيادية، مما شكل مواجهة دبلوماسية أدت الى قطيعة وخلافات حادة مع الدول الخليجية الأخرى، خصوصاً السعودية والإمارات والبحرين، كما دعمت بعض الحركات المسلحة التي تقاتل في سوريا، إضافة الى العراق، كما اشارت بذلك تقارير استخبارية.

اعلامياً، أنشئت قطر قناة الجزيرة التي تحولت لاحقاً الى امبراطورية إعلامية، بثت من خلالها تقارير ونشرات وبرامج موجه، اثارت الكثير من ردود الأفعال، والقطيعة بينها وبين دول معينة، كما حدث بينها وبين السعودية بعد عرض برنامج وثائقي يتناول تاريخ ال سعود الذين حكموا شبه الجزيرة العربية، فيما ردت السعودية بالمقابل على إطلاق قناة العربية كردة فعل إعلامية.

رياضياً، حاولت قطر الى استقطاب فئة واسعة من محبي وعشاق الرياضة، من خلال إقامة واستضافة الاحداث الرياضية العالمية، من اجل التعريف بقطر الحديثة، وربما مونديال كرة القدم لعام 2022 مثال على هذا التوجه، الا انها واجهت العديد من المطبات وتهم الفساد والتهديد بسحب الموافقة من قبل الفيفا.

فقد ذكرت صحيفة “صنداي تايمز” البريطانية أن رئيس الاتحاد الآسيوي السابق، القطري محمد بن همام، دفع 5 ملايين دولار لمنح بلاده استضافة نهائيات كأس العالم 2022 لكرة القدم، وأكدت الصحيفة أنها حصلت على الملايين من رسائل البريد الإلكتروني ووثائق أخرى متعلقة بدفعات مزعومة من بن همام، عضو المكتب التنفيذي للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) آنذاك، وقالت الصحيفة إن بن همام وضع مبالغ تصل إلى 200 ألف دولار في حسابات مصرفية لرؤساء 30 اتحادا إفريقيا لكرة القدم، فضلا عن استضافته أحداثا في إفريقيا حيث سلم مزيدا من الأموال مقابل دعم ملف قطر.

واتهم بن همام في 2011 بشراء بعض أصوات اتحاد كونكاكاف قبل الانتخابات لمنصب رئيس الفيفا ضد الرئيس الحالي السويسري جوزيف بلاتر، ثم انسحب من السباق قبل أن يتم إيقافه مدى الحياة، ووجدت محكمة التحكيم الرياضي لاحقا “عدم وجود أدلة مباشرة”، مشيرة في الوقت نفسه إلى أنها لا تستطيع أن تحكم ببراءة بن همام وتركت الباب مفتوحا أمام الفيفا “لمواصلة تحقيقاته” في حال التوصل إلى أدلة جديدة بخصوص هذه القضية.

وأعلن بن همام عقب ذلك استقالته من منصبه كرئيس للاتحاد الآسيوي ومن عضوية الفيفا، لكن الأخير قرر إبعاده مدى الحياة “طالما أن لجنة الأخلاق هي صاحبة الصلاحية في إصدار قرار بحق أي شخص حتى في حال استقالته”، كما ذكرت الصحيفة البريطانية أن بن همام وضع أيضا 1.6 مليون دولار في الحسابات المصرفية للترينيدادي جاك وارنر، نائب رئيس الفيفا ورئيس اتحاد الكونكاكاف السابق، 450 ألفا منها قبل التصويت على استضافة كأس العالم، وكان وارنر واحدا من 22 شخصا صوتوا في 2010 لاستضافة روسيا مونديال 2018 وقطر مونديال 2022، لكنه استقال من منصبه في 2011 بعد اتهامه بتلقي الأموال مقابل التصويت لقطر.

وذكرت “صنداي تايمز” أن بن همام لم يجب على أسئلتها، وأن ابنه رفض التعليق بدلا منه، وتأتي هذه المزاعم بعد شهرين من نشر صحيفة “دايلي تيليغراف” البريطانية أيضا تقريرا قالت فيه إن وارنر تلقى رشوة بقيمة مليوني دولار من شركة قطرية يملكها بن همام للتصويت لملف قطر، وكتبت دايلي تيليغراف في حينها أن وارنر حصل على 2ر1 مليون دولار بعد فوز قطر بملف الاستضافة، فيما استلم ولداه 750 ألف دولار وأحد الموظفين 400 ألف دولار بحسب وثائق تملكها، وأضافت أن إحدى شركات بن همام دفعت 2ر1 مليون دولار لوارنر عام 2011.

وكانت قطر تعرضت لانتقادات شديدة بسبب إقامة النهائيات في فصل الصيف الحار في منطقة الخليج، وبسبب ظروف عمل وإقامة الأجانب العاملين في المشاريع المرتبطة بالمونديال، وأشارت تقارير صحافية إلى تسجيل نسب وفيات مرتفعة بين العمال، كما أن بلاتر اعترف بأن اختيار قطر لاستضافة مونديال 2022 في فصل الصيف كان “خطأ بسبب الحرارة المرتفعة في الإمارة الخليجية خلال فصل الصيف”.

إلغاء نظام الكفالة

من جانبها دعت مديرة الشؤون العالمية في منظمة العفو الدولية أودري غوغران الدوحة إلى إلغاء نظام الكفالة، الذي يفرض على العمال الحصول على إذن من كفيلهم لمغادرة البلاد، وقالت في هذا السياق إن “إذن الخروج هو خرق سافر لحقوق الإنسان”، مشددة على أن منح هذا الإذن لا يجب أن يكون في يد أرباب العمل، كما دعت الحكومة القطرية إلى اتخاذ تدابير “فعالة” لحماية العمال، مؤكدة أمام المشاركين في المؤتمر في الدوحة، على مسؤولية الحكومة عن أي تجاوزات تحصل على الأراضي القطرية.

وقالت غوغران “يتعين على الحكومة حكما أن تحمي حقوق العمال”، إلا أنها إشارات إلى “الانفتاح” الذي تبديه الحكومة وأقرت بالخطوات التي تتخذها السلطات واللجنة الخاصة بتنظيم المونديال من أجل وضع حد للتجاوزات، وذكرت غوغران أنها التقت مع عشرة عمال نيباليين يعيشون في “ظروف مقززة” بعد أن اختفى كفيلهم القطري وبحوزته جوازات سفرهم، وقالت المسؤولة في المنظمة الحقوقية إن هؤلاء العمال يعيشون من الصدقات وهم غير قادرين على العودة إلى بلادهم، بالرغم من أن بحوزتهم بطاقات سفر صالحة، وذلك لأن السلطات تشترط عليهم الحصول على جوازات سفرهم وعلى إذن بالخروج.

أكدت قطر، التي ستستضيف كأس العالم لكرة القدم في 2022، أنها ملتزمة أخلاقيا بالحفاظ على حقوق العمال الأجانب، وشدد وزير العمل والشؤون الاجتماعية القطري عبد الله الخليفي، خلال ذات المؤتمر، على “الالتزام الأخلاقي والمبدئي بحقوق العمال وحفظها”، وتنفق قطر مليارات الدولارات في مشاريع البنية التحتية منذ سنوات، وقد سرعت هذه المشاريع منذ فوزها بحق استضافة المونديال في 2022، وذكرت الصحف المحلية أن الحكومة اعتمدت اقتراحا بإجبار أرباب العمل على تحويل الأجور الكترونيا للعمال.

وبحسب صحيفة “غلف تايمز”، فإنه يتعين على الشركات بموجب التدبير الجديد تحويل الراتب إلى الحساب المصرفي للعامل إلكترونيا، على أن تتم معاقبة الشركات المتخلفة، وقال الوزير في هذا السياق “نأمل بأن يحقق نظام تحويل الأجور هدفه”، وعن ظروف إقامة العمال، قال الخليفي إن السلطات تخطط لإنشاء مدينة للعمال في المنطقة الصناعية في الدوحة بقدرة استيعابية تصل إلى مئة ألف شخص، وذكر أنه يتم أيضا بناء خمسة مجمعات أخرى للعمال بقدرة استيعابية تصل إلى 120 ألف شخص إضافي.

ورفعت وزارة العمل عدد المفتشين والمترجمين والمستشارين القانونيين الذين يتكلمون لغات العمال، لاسيما لغات الدول الأسيوية التي يفد منها غالبية العمال، وذكر تقرير للاتحاد الدولي للنقابات أن حوالى أربعة ألاف عامل قد يلقون مصرعهم في ورش البناء في قطر قبل انطلاق مونديال 2022، ونددت قطر بهذا التقرير مؤكدة أنه مليء بالمغالطات، كما نشرت سلسلة من المعايير التي اتخذتها لضمان حماية حقوق العمال الأجانب.

وكشفت قطر النقاب عن خطط لإصلاحات على قانون العمل بعد انتقادات مستمرة من منظمات حقوقية لأسلوب تعاملها مع العمال لكنها لم تحدد إطارا زمنيا لذلك كما أن التغييرات لن تضع حدا أدنى للأجور أو إنشاء نقابات للعمال، وقطر بها أعلى نسبة من العمالة الوافدة في العالم بالنسبة لعدد السكان وأثارت قضية حقوق العمال اهتماما عالميا، وتزايدت الضغوط على قطر بعد أن ذكرت صحيفة الجارديان البريطانية في سبتمبر ايلول ان العشرات من عمال البناء النيباليين لاقوا حتفهم وان العمال لا يتلقون ما يكفيهم من الطعام والماء، ونفى المسؤولون القطريون والنيباليون هذه الانباء.

وقال مسؤولون في الدوحة إن الاصلاحات المقترحة تشمل استبدال نظام الكفيل المثير للجدل والذي يتعين على العمال بموجبه الحصول على اذن من رب العمل للانتقال إلى مهنة اخرى بموجب عقود العمل، وسيتم ايضا تعديل نظام مأذونية الخروج الحالي والذي يتطلب من العمال الحصول على موافقة رب العمل قبل مغادرة قطر، وتأتي المقترحات في أعقاب مراجعة اجرتها شركة دي إل ايه بايبر للمحاماة ومقرها بريطانيا لقانون العمل القطري برعاية قطر، وطرحت الشركة عددا من التوصيات منها وضع حد أدنى للاجور لكل فئة من عمال البناء.

ويقول إتحاد النقابات الدولي إن أكثر من 1200 شخص لاقوا حتفهم في أعمال التشييد منذ ان نالت قطر في عام 2010 حق استضافة البطولة، وتقول قطر إنه لم يمت أي عامل في اي موقع بناء خاص بكأس العالم، وردا على الاصلاحات المقترحة قال اتحاد النقابات الدولي إن ما أعلنت عنه قطر لا يعطي اي ضمانات للعمال هناك، وأضافت في بيان “لم يتم الاعلان عن أي خطوات لمنع حالات الوفيات والإصابة بين العمالة الوافدة”، ولا تشمل الاصلاحات المقترحة إقامة نقابات عمالية أو وضع حد أدنى للأجور، وقال المسؤولون خلال مؤتمر صحفي إن تحديد الأجر يكون وفقا للعرض والطلب في السوق.

وبموجب الاصلاحات الجديدة سيتقاضى العمال أجورهم الكترونيا لتجنب أي تأخير في دفع الرواتب، وستعتمد الدولة “معايير موحدة تخص أماكن إقامة العمال” وهو إجراء يهدف فيما يبدو إلى تحسين نوعية المسكن للعمال الوافدين، ويقترح المسؤولون أيضا رفع الغرامة على صاحب العمل الذي يحتجز جواز سفر موظفيه إلى 50 ألف ريال بدلا من الغرامة الحالية التي تصل إلى 10 الاف ريال، واحتجاز جواز سفر الموظفين امر شائع بين معظم شركات البناء والشركات الاخرى في قطر، وهذه الغرامة نادرا ما تطبق في الوقت الراهن.

وقال عبد الله صقر المهندي مدير ادارة حقوق الانسان بوزارة الداخلية إن نظام الكفالة الحالي سيتم استبداله بنظام يتركز على عقود العمل الذي سيحكم العلاقة بين صاحب العمل والموظف، لكن محمد أحمد العتيق مساعد مدير الادارة العامة لجوازات المنافذ وشؤون الوافدين بوزارة الداخلية قال إن هذه المقترحات يتعين أن تمر على مجلس الشورى وأيضا الغرفة التجارية القطرية والادارات الحكومية قبل أن تصبح قانونا، وأضاف انه يأمل أن يحدث ذلك قريبا لكن من الصعب تحديد اطار زمني. بحسب رويترز.

والنقابات العمالية محظورة في قطر وغالبا ما يتم ترحيل العمال الذين يضربون عن العمل، ووصفت منظمة العفو الدولية المعنية بحماية حقوق الانسان الاصلاحات المقترحة بانها “فرصة ضائعة” لقطر، واضاف جيمس لينش الباحث بمنظمة العفو الدولية بشأن حقوق العمالة الوافدة في الخليج في بيان “بناء على المقترحات التي اعلنت اليوم فانها تبدو فرصة ضائعة، الحكومة تدعي انها ستلغي نظام الكفالة لكن هذا أشبه بتغيير الاسم وليس اصلاحا حقيقيا”، وتابع “بعض الاجراءات التي اعلنت اليوم تتسم بالايجابية واذا طبقت ستحسن اوضاع العاملين لكنها ليست كافية”.

الثروة وسعادة قطر

الى ذلك مكّن النفط والغاز دولة قطر من أن تكون الأغنى بين دول العالم، بثروة جعلتها مستعدة (على ما يبدو) لإنفاق 200 مليار دولار (120 مليار جنيه إسترليني) على الملاعب والبُنى التحتية لاستضافة كأس العالم 2022، لكن هل جلبت الثروة التي لا حدود لها تقريبا السعادة لهذا البلد؟، لا يزال الطقس باردا بما يكفي للجلوس في الخارج، في العاصمة القطرية، الدوحة، لكنه وخلال أسابيع قليلة سيكون حارا للغاية، وسيلجأ أكثر الناس، ممن لا عمل لديهم خارج البيت، إلى البقاء بالداخل للاستمتاع بتكييف الهواء.

ورغم ذلك، تستمتع الأسر في الوقت الحالي بالتنزه في هذا الجو المشمس وقت الظهيرة بالسير على الكورنيش بالدوحة، لكنّ المشهد في السنوات القليلة الماضية تغير بصورة هائلة يتعذر معها التعرف عليه، وارتفعت الأبراج الزجاجية والمصنوعة من الصلب مثل الغابات الاصطناعية من مكانٍ كان يوما ما عبارة عن خط من الرمال على شاطيء البحر، وتقول كلثم الغانم، الأستاذة في علم الاجتماع بجامعة قطر: “أصبحنا متحضرين، لكن حياتنا الاجتماعية والاقتصادية تغيرت، وتفرقت أسرنا، وسيطرت على مجتمعنا ثقافة الاستهلاك”، وكان للحكومة القطرية دور في إضفاء النظرة الإيجابية على وتيرة التغيير تلك.

ومن فقر مدقع قبل أقل من قرن، أصبحت قطر أغنى دولة في العالم، إذ بلغ متوسط دخل الفرد فيها 100 ألف دولار (60 ألف جنيه إسترليني) سنويا، غير أن ما لا نفهمه جيدا هو تأثير مثل هذا التغير السريع في المجتمع القطري نفسه، ويمكنك الشعور بالضغط في العاصمة الدوحة، فهي مدينة تشبه موقع بناء كبيرا، بها مناطق كاملة إما تحت التشييد أو يجرى إزالتها لإعادة إعمارها، فيما تطيل حالة المرور التي تشهد ازدحاما متواصلا ساعات العمل الأسبوعية، ما يؤجج حالة التوتر والضيق. بحسب بي بي سي.

وتفيد تقارير إعلامية محلية بأن 40 في المئة من حالات الزواج بين القطريين تنتهي بالطلاق، ويعاني أكثر من ثلثي القطريين، من البالغين والأطفال، من السمنة، ويستفيد القطريون من التعليم والرعاية الصحية المجانيين، وضمانات العمل، ومنح لا تُرد من أجل السكن، حتى الماء والكهرباء يستخدمها القطريون مجانا، وهو الوفرة التي تسبب مشكلات خاصة، ويقول أحد الأكاديميين في الجامعة الأمريكية بقطر: “يقع خريجو الجامعات في حيرة بعدما يتلقون 20 عرض عمل فالناس هنا يشعرون ببالغ الضغط من أجل اتخاذ قرار مناسب.

في مجتمع يفوق فيه عدد المغتربين المواطنين القطريين بنسبة سبعة إلى واحد، يتحدث قطاع من المقيمين لفترة طويلة في البلاد عن حالة متزايدة من الإحباط بين الخريجين من أنه يتم استرضاؤهم بوظائف سهلة لكنها تدر دخلا كبيرا، في حين تذهب غالبية الوظائف المرضية إلى الأجانب، وثمة شعور متزايد بأن شيئا ما قد فُقد، وذلك في حالة الاندفاع في التنمية، وتعاني الحياة الأسرية في قطر حالة من التفكك، إذ يجري تربية الأطفال على أيدي مربيات من الفلبين ونيبال وإندونيسيا، وهو ما يؤدي إلى اتساع الفجوات الثقافية بين الأجيال.

أم خلف، سيدة في الستين من العمر، تخفي ملامحها خلف “البطول”، وهو الغطاء التقليدي للوجه، تحدثت معي عن بساطة الحياة الجميلة، عندما كانت شابة، وقالت “كان لدينا القدرة على مواجهة الصعوبات في الماضي، من المؤلم فقدان الحميم العائلي.”

وفي منطقة أم الأفاعي ذات السهول الترابية، غرب الدوحة، قدم لي على الجهيني في وعاء مصنوع من الصفيح لبن الإبل الدافئ كامل الدسم. أحضره طازجا من ضرع الناقة، وقال وهو يضع تمرا حلو المذاق في زبد اللبن ثم يضعه في فمه “في السابق، يمكن أن تحقق الثراء إذا عملت، ولن تصل إليه إذا لم تعمل، كان الوضع أفضل من الآن، والحكومة تحاول أن تساعد، لكن الأمور تسير بسرعة”، وهناك آخرون يرددون مشاعرهم تجاه السياسيين بعيدا مع الناس، خاصة فيما يتعلق بالجهود المضنية، ومزاعم الفساد، لمنح قطر تنظيم نهائيا كأس العالم عام 2022، وتناول وسائل الإعلام لهذا الأمر بفحص وتدقيق غير مسبوق، بالتزامن مع اضطراب أعمال البناء، الخاصة بملاعب البطولة.

مريم دحروج، خريجة كلية الإعلام، عدلت وضع النقاب على وجهها، بينما كانت تتحدث حول الشعور بالتهديد، وقالت “الناس في قطر خائفون، فجأة العالم كله يريد رؤيتنا، ونحن مجتمع مغلق، وهم يريدون الحضور هنا ويجلبوا معهم الأشياء الغريبة المختلفة، فكيف يمكننا التعبير عن قيمنا؟”.

ويستفيد القطريون من التعليم المجاني والرعاية الصحية المجانية، وكذلك ضمانات العمل، من خلال إلغاء نظام “الكفيل” الذي يحول العمال المهاجرين إلى ما يشبه العبيد، أو من خلال السماح للغرباء بالحصول على حقوق المواطنة، ثم الخوف على الاستقرار سوف يقوض القيم الثقافية، لكن الاستقرار بالفعل يتقلص في قطر، كما أن القيم تغيرت حاليا، ففي الوقت الذي تنهار فيه التحالفات الإقليمية القوية مع المملكة العربية السعودية والدول المجاورة الأخرى، وانتشار الخوف والقلق بين القطريين من تأثير تنظيم كأس العالم عليهم، والذي يحل بعد ثمانية أعوام، فإن الحكومة لم تجد نفسها في حاجة لمواجهة ضغوط الإصلاح، حتى الآن.

وخلف الكورنيش، يستمتع محبو القهوة ومدخنو الشيشة بهواء المساء البارد في سوق واقف، وهو نسخة طبق الأصل، من السوق القديم الذي تم هدمه قبل عقد من الزمان، وأعيد بناؤه ليبدو مثل القديم تماما، إنه السوق الوحيد الذي أعرفه، حيث يذهب الرجال هناك معهم المجارف والفرش، فالنظافة هاجس آخر في الدوحة، ويقول العالم، الذي قضى أعواما في الدوحة إن القطريين فقدوا تقريبا كل شيء مهم بالنسبة لهم.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق