تظاهرات إسرائيلية تأييداً لحل الدولتين: الداخل الإسرائيلي يضجّ من تطرّف اليمين!
تزامناً مع اقتراب الذكري الخمسين لاحتلال ما بعد حدود العام 1967، وفي حين كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعتمد سلسلة من القرارات التي من شأنها مواصلة تعزيز تهويد مدينة القدس المحتلة، خرج آلاف الإسرائيليين السبت للتظاهر في تل أبيب تعبيرا عن تأييدهم لحل الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية.
الخطوة الجديدة التي جاءت بدعوة من حركة “السلام الآن” الإسرائيلية، لاقت دعم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس حيث رفع المتظاهرون على المنصة لافتة كبيرة كتب عليها “دولتان، أمل واحد”، فيما أكد رئيس “السلام الآن” آفي بوسكيلا أن التظاهرة تهدف إلى رفض “غياب الأمل جراء حكومة تواصل الاحتلال والعنف والعنصرية”.
“الطريق الوحيد لإنهاء النزاع ومحاربة الإرهاب في المنطقة والعالم كله هو حل دولتين لشعبين وفق حدود حزيران 1967.. قبلنا قرار الأمم المتحدة، واعترفنا بدولة إسرائيل، ووافقنا على حل الدولتين، واعترف العالم بدولة فلسطين. في الوقت الراهن، آن الأوان أن تعترف إسرائيل بدولة فلسطين وتنهي الاحتلال”، كتب أبو مازن في رسالة قرأها المنظمون أمام الجمهور الغفير.
محمود عباس الذي يرجوا السماحة من “البخيل” نتنياهو قد شاهد بأم عينه كيف عقدت حكومة الاحتلال الإسرائيلي، جلستها الأسبوعية اليوم الأحد، بالقرب من ساحة البراق بمدينة القدس المحتلة في الذكرى الـ50 لاحتلال المدينة، كما صادقت على خطة تهويد جديدة بموازنة 50 مليون شيقل، فعلى من تقرأ مزاميرك يا داوود؟
الخطوة تعدّ مرحلة جديدة في الحراك الداخلي الإسرائيلي وتحديداً من حركة “السلام الآن” المناهضة لسياسة الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية والتي تنتهجها الحكومة اليمينية برئاسة بنيامين نتانياهو، فقد طالب زعيم المعارضة اليسارية إسحق هرتزوغ أمام المتظاهرين الذين وصلوا إلى الـ20 الف بالحل المذكور منددا بسياسة الحكومة، ما يعني أن قسم لا بأس به من الداخل الإسرائيلي قد ضجّ من إجراءات الحكومة الأكثر تطرّفاً في “اسرائيل”، فكيف الحال بالنسبة للشعب الفلسطيني؟
العدد ليس الرقم بالضخم، إلاّ أنه ليس بالقليل أيضاً، وهذا ما يدلّ على تنامي التيارات اليسارية والعلمانيّة في المجتمع الإسرائيلي، هذه التيارات التي لا تعنيها الشعارات الدينية التي يرفعها نتنياهو لا من قريب ولا بعيد، لا بل على العكس ترى في “الحريديم” والمجتمعات اليمينية أعداء لها.
إن هذه التظاهرات، وفي هذا الوقت تحديداً، تعدّ رسالة قويّة إلى حكومة نتنياهو، كما أنّها تصب صورياً في صالح حراك عباس، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى النقاط التالية:
أوّلاً: لا ينتابنا أيّ شكّ بأن فلسطين هي كامل فلسطين بحدود العام 1948 من النهر إلى البحر، إلا أن ما يحصل اليوم هو خير دليل على أن الشارع الإسرائيلي (أو بالأحرى الشوراع الإسرائيلية نظراً لقدومهم من عشرات البلدان في العالم) يعيش حالة من الاضطراب الداخلي، في ظل هجرة الكثيرين.
ثانياً: يكشف ارتفاع الصوت الداخلي حجم الاستياء من التطرف اليميني في حكومة نتنياهو التي يدعوا بعض وزرائها علنا إلى ضم الضفة الغربية، فكما أسلفنا أعلاه، إذا كان الداخل الإسرائيلي مستاءً من الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، فكيف هو حال الفلسطينيين المحاصرين في غزّة، أو المصادرة أراضيهم في الضفّة الغربيّة.
ثالثاً: يتحدّث البعض عن وجود أطراف خارجيّة خلف هذا الحراك، أي أن هذه الخطوة مقدّمة لخطوات مماثلة بغية الضغط على نتنياهو للقبول بحلّ الدولتين على حدود العام 1967. نعتقد أن نتنياهو لن يرضى بحدود العام 1967، لا بل الوحدات الاستيطانيّة التي تمّ بناؤها في العام 2016، بل حتى العام 2017!
رابعاً: تعطي الخطوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصهره اليهودي هامشاً أكبر في فرض تصفية القضيّة الفلسطينية عبر مؤتمر إقليمي. أي أن الجانب الأمريكي سيستخدم هذه المظاهرات لتخدير الجانب الفلسطيني إزاء التحرّك أمام أي إجراء إسرائيلي، مقابل الضغط على نتنياهو عبر هذه الورقة.
خامساً: إن الجرائم الإسرائيلية من قتل الأطفال وسلب الأراضي، لا يمكن تجاهلها بتصرفّ محدود هنا أو هناك. هناك تحرّكات مدروسة في الكيان الإسرائيلي للتطبيع مع العرب سواءً بدولة فلسطينية أو دونها. على سبيل المثال ذكرت صحيفة “يديعوت احرونوت” العبرية، اليوم الأحد، ان بلدية تل أبيب أنارت مساء الأمس مبنى المقر الرئيس لها في تل ابيب بالعلم المصري، وذلك تضامنا معها بعد الهجوم الذي أسفر عن مقتل 29 قبطيا في جنوب مصر.
لا ندري الجهات التي تقف أو قد تقف خلف هذا الحراك، إسرائيلية كانت أو عربية أو أمريكية، إلا أن جملة من المؤشرات تؤكد أن الكيان الإسرائيلي يستعد لـ “مخطط ترامب”، الرئيس الذي يسعى لإتمام الصفقة الكبرى ضمن ولايته. النتائج ليست بالمعلومة حتّى الساعة، إلا أن النتيجة التي نراها قائمة هي ابتعاد الحرب الإسرائيلية إلى اجل غير مسمّى سواءً في الجنوب العزاوي أو الشمال اللبناني من ناحية، واستياء الإسرائيلين أنفسهم من الحكومة اليمينية المتطرّفة من ناحية أخرى.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق