تحليل النوايا والنتائج الاستراتيجية للمواجهة العلمية بين الغرب وإيران
الوقت- عند دراسة عناصر قوة البلدان الكبرى، نجد أنها تمتلك عنصر ثمين إلا وهو “العلم”، فالعلوم تؤثر على المعادلات العالمية؛ واليوم أصبح الامكانات العلمية من أركان القوة الاقتصادية والسياسية، مما جعل المواجهة العلمية على المستوى العالمي أهمية كبيرة.
إن التركيز على العلم وطلبه يصلان بالبلاد الى الاستقلال والتخلص من التبعية والخضوع للقوى الكبرى، التطور العلمي الحاصل بمختلف المجالات العلمية في إيران خلال الأعوام الماضية دفع أعدائها الى الدخول في مواجهة علمية مع البلاد.
وقد تظافر الابداع، توفر الدوافع والامكانيات الذاتية، مع الخبرة والتخصص والقدرات المكتسبة لرفع وتيرة التطور العلمي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهو ما أثار حفيظة الدول الغربية ودفعها للدخول في مواجهة علمية ضد إيران.
ومن الأمور التي أثارت قلق الغرب امكانية بلوغ إيران مرحلة استخدام الدبلوماسية العلمية في سياساتها. وتعني الدبلوماسية العلمية استخدام العلم، التقنيات، القدرات والمنجزات العلمية لتعزيز العلاقات مع الدول الأخرى. وفي الدبلوماسية العلمية يعتبر العلم اداةً لتطويد العلاقات مع الدول الأخرى، ويمنح الدول قوة ناعمة لحماية مصالحها الوطنية. كما أنها تفرض على الدول التزامات من أهمها الاستمرار في تعزيز التقدم العلمي والتقني.
إن الاحصائيات المعلنة من قبل مواقع مثل SCOPUS,ISI,ISC، تصنيف إيران في انتاج العلم، واستمرار التطور العلمي في إيران دفع الغرب الى دخول مواجهة مع إيران لمنعها من المضي نحو بناء الحضارة الإسلامية المعاصرة التي تمضي نحوها بسرعة. وفي هذا الصدد اتخذ الغرب عدة خطوات لمواجهة إيران علميا.
فصل الطلاب الإيرانيين من الجامعات وعدم قبولهم
في كل عام يُوفد عدد من الطلاب الإيرانيين للحصول على شهادات الماجستير والدكتوراه في البلدان الأوروبية، والهدف من ارسال نسبة كبيرة من هؤلاء الطلاب هو طلب العلم والخبرة والعودة بهما الى إيران. إن ابداع الطلاب الإيرانيين واندفاعهم جعل الحكومات الغربية تدخل في مواجهة معهم، وما فصل الطلاب الإيرانيين الدارسين في الجامعات الأوربية بحجج واهية إلا جزء من الخطوات الأوروبية لمواجهة إيران علميا.
ويعد الطالبان “مهدي قانع” و”حميدة كفاش” مثال على ذلك حيث تم فصلهما من الجامعات الأوربية بحجج واهية؛ كان مهدي قانع يدرس مرحلة الدكتوراه في جامعة NTNU النرويجية، حيث كان يدرس “توربينات الرياح العائمة”، وتم فصله بحجة أن مشروعه الدراسي يرتبط بمشاريع عسكرية ونووية إيرانية. أما كفاش التي كانت تدرس مشروعا بيئيا في النرويج، فقد تم فصلها هي الأخرى بحجج واهية أيضا.
إن التحركات الغربية في المجال العلمي تتم وفقا لخطة شاملة لمواجهة إيران ومثل لعبة شطرنج بين إيران والعالم الغربي. ففي حالة أخرى رفضت الحكومة الألمانية اصدار سمة دخول للطالبة الإيرانية المميزة “سحر فهيميان” التي كانت تنوي اجراء دراسة حول “رصد هجمات شبكات الهواتف الذكية والبروتوكولات الأمنية ذات العلاقة”، وتم منعها من ذلك بحجة استخدام هذه التقنية لانتهاك حقوق الإنسان في إيران، حسب زعم الحكومة الألمانية.
وفي العديد من الحالات الأخرى، ضيق الغرب على طلاب الطب وطب الأسنان والصيدلة، وهي اختصاصات لا تدخل في المجالات العسكرية.
وخلال حوار مع أحد الطلاب الإيرانيين المفصولين من الجامعات البلجيكية والذي رفض الكشف عن اسمه، أوضح انه قد تم منعه من الحصول على شهادة الدكتوراه من بلجيكا، لافتا الى أن السبب الحقيقي في فصله هو وعدد من الطلاب هو منع انتقال العلوم التطبيقية الى إيران، ولا يوجد أي سبب آخر، وقد ذكر أمثلة لفصل الطلاب الإيرانيين من الجامعات البريطانية والأوروبية بصورة عامة، وهي حالات لم يتناولها الاعلام أبدا. لقد تم فصل هؤلاء الطلاب بحجج مختلفة مثل القاء محاضرة سياسية، مساعدة الصناعات العسكرية والنووية الإيرانية، الانتماء الى قوات التعبئة الشعبية الإيرانية وحالات أخرى.
وفي مطلع عام 2008، أصدرت الحكومة الهولندية تعميما للجماعات منعت فيه قبول الطلاب الإيرانيين بسبب أمور تتعلق بالتقنيات النووية.
ويبقى السبب الرئيس لفصل الطلاب الأجانب من الجامعات الأوروبية هو منع عودة العقول الإيرانية الى بلادها والمساهمة في تطوير إيران علميا. وفي حالات أخرى يدرس الإيرانيون الساكنون في الغرب والحاصلون على جنسیات غربية هذه الفروع العلمية من دون منغصات، إلا أن الفارق هو أنهم لن يعودوا الى بلادهم.
عقوبات ضد العلماء
وفي خطوة غربية أخرى تصب ضمن اطار المواجهة العلمية مع إيران وتهدف الى منع إيران من التحول الى مركز علمي في العالم الإسلامي وغرب آسيا على أقل تقدير، قام الغرب بفرض عقوبات على الجامعات الإيرانية المرموقة والعلماء الإيرانيين. على سبيل المثال، في عام 2008، قامت أحدى منظمات الأبحاث العلمية المرموقة، وهي منظمة CNRS الفرنسية بفرض عقوبات على جميع العلماء الإيرانيين وفي جميع المجالات. وفي حالة أخرى تم منع 35 عالما إيرانيا من المشاركة في اجتماع مشروع SESAME الذي عقد في مصر. بالإضافة الى ذلك فإن العقوبات ما تزال نافذة ضد عدد من أساتذة الجامعات الإيرانية المرموقة مثل جامعة شريف الصناعية، جامعة الشهيد بهشتي وجامعة طهران.
النتيجة
منذ قيام الثورة قد دخلت إيران في حرب غير متكافئة، حيث أن الثورة هددت المصالح الغربية في البلاد، وخلال 39 عاما من عمر الثورة أصر الایرانیون على الصمود بوجه الغرب، وكلما تحقق تطور علمي لإيران تحرك الغرب سريعا لفرض عقوبات.
وإن فرض العقوبات على إيران في مجال الطاقة النووية، الطب وتقنية النانو يعني أنها استطاعت أن تغير المعادلات الدولية في هذا المجال، وإن المواجهة العلمية بين إيران والغرب لن تنتهي سريعا، وستستمر ما دامت إيران تطالب بالاستقلال وتفكر باقامة حضارة إسلامية.
المصدر / الوقت