ازدواجيه السلوك البريطاني إزاء ظاهره الإرهاب وداعميه .. حقائق ودلالات
حقيقة تناقض السلوك الغربي إزاء القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان والديمقراطية والإرهاب والتطرف أخذت تتضح وبشكل جلي في الآونة الأخيرة وأكثر أي وقت مضى، ما يعكس طبيعة الأداء المزدوج في التعاطي مع هذه القضايا، حيث يتم التغاضي عن الانتهاكات التي ترتكبها الدول الحليفة في هذا المجال، في حين يتم تضليل الرأي العام وتهويل الأحداث التي تحصل في دول غير موالية للغرب حيال نفس القضايا.
وبرز هذا السلوك المتناقض بشكل واضح خلال زيارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” التي قام بها مؤخراً إلى الرياض. ففي الوقت الذي تتهم فيه واشنطن السلطات السعودية بالوقوف وراء الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001، تعمد ترامب عدم إثارة هذا الملف والتأكيد على ضرورة تعزيز العلاقات مع الرياض لتحقيق مصالح اقتصادية تمثلت بعقد صفقات ضخمة لبيع الأسلحة إلى السعودية.
والمثال الآخر الذي يوضح ازدواجية الغرب في التعامل مع الإرهاب يتجلى بمواقف بريطانيا التي أحجمت حتى الآن عن إدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي تحصل في الدول الموالية لها في الشرق الأوسط وفي مقدمتها البحرين، في حين عمدت السلطات البريطانية إلى إثارة الرأي العام بعد الأحداث الإرهابية التي حصلت مؤخراً في لندن ومانشستر للإيحاء بأن بريطانيا وقعت ضحية للإرهاب ولم تكن من الداعمين أو المتغاضين عن الجماعات الإرهابية التي تنفذ مثل هذه الهجمات في دول أخرى لاسيّما في الشرق الأوسط.
وتجدر الإشارة إلى أن رئيس الوزراء البريطاني السابق “ديفيد كامرون” كان قد طالب في عام 2015 بفتح تحقيق للبحث في “كيفية تحويل الكيانات الأجنبية للأموال الهادفة إلى تعزيز الأيديولوجية المتطرفة في المملكة المتحدة”. وجرى تشكيل لجنة التحقيق آنذاك بموافقة كاميرون ضمن اتفاق مع حزب الديمقراطيين الليبراليين مقابل موافقته على توسيع نطاق الضربات الجوية البريطانية ضد تنظيم “داعش” لتشمل الأراضي السورية. ورغم ذلك لم يتم الكشف عن هذه الوثائق حتى الآن.
في هذا الصدد قال وزير الخارجية البريطانية الحالي “بوريس جونسون” في تصريح صحفي إن هذه الوثائق لن يفرج عنها لدواعي أمنية، وهذا يدل على أن بريطانيا تريد التستر على الدول الداعمة للإرهاب لتحقيق مصالح اقتصادية وسياسية.
وفي وقت سابق أكدت صحيفة “الغارديان” إن الحكومة البريطانية لن تنشر نتائج لجنة التحقيق بشأن مصادر تمويل الجماعات الإرهابية العاملة في بريطانيا بعد هجوم مانشستر الأخير، بسبب تورط السعودية في دعم الإرهاب.
وقالت الصحيفة أن الحكومة البريطانية قد تلجأ إلى أن تظل نتائج التحقيق “مخفية إلى الأبد”، بسبب ما تقول الصحيفة إنها “طبيعة النتائج التي توصلت إليها اللجنة والتي ربما تدين السعودية”، منوهة إلى أن الرياض تعد الحليف الوثيق للندن والراعي الأول للأيديولوجية التكفيرية في العالم”.
وتواجه الحكومة البريطانية برئاسة “تيريزا ماي” ضغوطاً إعلامية وسياسية في الداخل للكشف عن هذه الوثائق إلاّ أنها ترفض ذلك، ما يؤكد بأن الدول المتورطة بتمويل الإرهاب تحظى بدعم بريطانيا. ويعتقد المراقبون بأن السعودية تأتي في مقدمة هذه الدول لوجود قرائن وأدلة كثيرة تعزز هذا الاعتقاد من بينها اتهامها بالوقوف وراء هجمات 11 سبتمبر.
ويولي “جيريمي كوربن” زعيم حزب العمال البريطاني المعارض أهمية خاصة لهذا الموضوع باعتباره يمثل دليلاً دامغاً على تواطئ حزب المحافظين الذي تنتمي إليه “تيريزا ماي” مع الدول الداعمة للإرهاب وفي مقدمتها السعودية كما أسلفنا.
ويطالب كوربن حكومة ماي بالتباحث مع السعودية ودول أخرى في مجلس للتعاون لإقناعها بالكفّ عن دعم الجماعات الإرهابية والمتطرفة. الأمر الذي لا تعيره ماي وطاقمها الحكومي آذاناً صاغية على الرغم من التهديدات الإرهابية التي تواجهها بريطانيا والتي حدثت على أرض الواقع ومن بينها الهجمات التي استهدفت لندن ومانشستر في الآونة الأخيرة.
كما يطالب كوربن الحكومة البريطانية بوقف صفقات بيع الأسلحة إلى السعودية باعتبارها داعم أساسي للإرهاب والتطرف في العالم.
ودعمت بريطانيا على مدار السنوات الأخيرة وبالاشتراك مع أمريكا وأنظمة إقليمية على رأسها النظام السعودي التنظيمات الإرهابية في سورية والعراق ووفرت لها الغطاء السياسي والدعم المادي واللوجستي متجاهلة جميع التحذيرات من ارتداد الإرهاب إلى أراضيها.
هذه المعطيات وغيرها تؤكد بما لايقبل الشك بأن بريطانيا تتعامل بازدواجية مع موضوع الإرهاب والتطرف خصوصاً مع وجود تقارير تشير إلى أن بريطانيا قد باعت أسلحة إلى السعودية بقيمة 5.3 مليار دولار مقابل التغاضي عن دعمها للإرهاب وانتهاك حقوق الإنسان، الأمر الذي يؤكد تواطئ الحكومة البريطانية مع الرياض والسماح لها بالتمدد في نشر الإرهاب في مختلف مناطق العالم لاسيّما في الشرق الأوسط والعديد من الدول الغربية وذلك من أجل تحقيق مصالحها الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، وهو ما يؤكد الحقيقة الثابتة وهي أن استراتيجية الغرب تنطلق في أساسها على ركيزة دعم الإرهاب والاستثمار فيه، وليس محاربته أو القضاء عليه كما يزعمون.
ويتحمل المسؤولون الغربيين بتجاهلهم كل التحذيرات التي أطلقت بشأن التعامل بجدية مع أخطار دعم الإرهاب ورفضهم كل التنبيهات بشأن ارتداده إلى داخل بلدانهم جانباً من المسؤولية عما حدث وسيحدث من اعتداءات ستطال شعوبهم، وهذا ما جرى بالفعل في عدة مدن أوروبية سواء في باريس أو بروكسل أو برلين ولندن.
المصدر / الوقت