التحديث الاخير بتاريخ|الثلاثاء, نوفمبر 19, 2024

فتوى المرجع السيستاني ضد تنظيم “داعش” الإرهابي نموذج لحفظ وحدة المسلمين 

كان ظهور تنظيم “داعش” الإرهابي في العراق عام 2014 سريعاً ومفاجئاً جداً، وبعد أن تمكن هذا التنظيم من احتلال مناطق واسعة في العراق وسوريا لتشكيل “دولة الخلافة” المزعومة أصدر المرجع الديني آية الله السيد علي السيستاني فتوى بالجهاد الكفائي لإجهاض محاولات هذا التنظيم، ما دعا كافة شرائح الشعب العراقي إلى الاستجابة لهذه الفتوى، مثبتين أن آلة الرعب الداعشية قد انهارت إلى حد كبير عندما تواجد الشعب في الميدان.

وخلال عمليات تحرير المناطق المحتلة من “داعش” والتي كان آخرها مدينة الموصل أصدر المرجع السيستاني وصايا متعددة للقوات المسلحة العراقية والحشد الشعبي تؤكد على ضرورة مواصلة الجهاد حتى تحقيق النصر الكامل. وتضمنت هذه الوصايا النهي عن اللجوء إلى العنف وأهمية المحافظة على أرواح وممتلكات المدنيين ومعاملة سكان المناطق المحررة بالحسنى وعدم التعرض للنساء والأطفال وكبار السن والالتزام بكافة القواعد الأخلاقية والإنسانية التي أكد عليها الإسلام وفي مقدمتها ضبط النفس أمام أي حالة قد تدعو إلى الاستفزاز من جانب العدو لإثارة مشاعر الغضب والنعرات الطائفية بين المسلمين من جانب، وبينهم وبين اتباع الديانات الأخرى من جانب آخر.

كما طالب المرجع السيستاني بتسليم إرهابيي “داعش” الذين يقعون في قبضة القوات المسلحة العراقية وقوات الحشد الشعبي إلى المؤسسات القضائية العراقية المختصة لينالوا جزاءهم العادل وعدم التصرف بارتجالية في هذا المجال لتجنب وقوع أي خطأ في محاكمة هؤلاء الإرهابيين الذين كانوا يتلذذون بقطع الرقاب، واستباحة الدماء وتقطيع أوصال الأطفال وسبي النساء، ولم يردعهم رادع عن أفعال يقشعر لها الضمير الإنساني لبث الرعب في صفوف الأبرياء.

وأوصى السيد السيتساني أيضاً الحكومة العراقية وكافة الأطراف المعنية بضرورة حفظ وحدة وتماسك الشعب العراقي. وتجلت هذه التوصية بشكل واضح في حسم موضوع اختيار رئيس للحكومة العراقية خلفاً لنوري المالكي في النصف الثاني من عام 2014، ما يدلل على تمسك الشعب العراقي في الرجوع إلى المرجعية الدينية لحل المعضلات التي تواجهه في مختلف الميادين خصوصاً في الحالات التي يعجز الدستور العراقي عن إيجاد حلول لها.

وكانت المرجعية الدينية حريصة على أن تكون المعركة ضد التطرف والإرهاب إنسانية بمعنى الكلمة، ومتمسكة بآداب وحدود الشرع المقدس التي يجب مراعاتها من قبل المقاتلين الذين بذلوا الغالي والنفيس لإنقاذ العراق وأهله من العصابات الإرهابية المجرمة. فالتعامل الكريم والكلمة الطيبة تجعل الناس تقف إلى جانب المجاهدين ضد الإرهابيين وأصحاب الخطابات الطائفية والتحريضية الداعمة للإرهاب.

وهكذا جسدت المرجعية العليا في كلماتها الإسلام الحقيقي الذي يحمي الإنسان ويصون حرمته، وليس الإسلام المزيف الذي يتخفى وراء الإرهاب والذبح وهتك الحرمات، مؤكدة إن الإسلام قد جعل للإنسانية قيمة عظمى لا يجوز هتكها بغير جرم.

ومن المهم الإشارة هنا إلى أن المرجعية الدينية تعاملت مع كافة أطياف الشعب العراقي من منطلق المسؤولية الشرعية بهدف حفظ وحدة وانسجام البلد دون تمييز بين مكوناته لتفويت الفرصة على الأعداء والمتصيدين بالماء العكر الذين يسعون لدق إسفين الخلاف المذهبي والطائفي بين أبناء المجتمع الواحد لتحقيق مآرب مشؤومة على حساب دماء وأرواح العراقيين.

وجاء في إحدى البيانات التي أصدرها سماحة السيد السيستاني (دام ظله) حول الوحدة الإسلامية ونبذ الفتنة الطائفية ما يلي:

تمر الأمة الإسلامية بظروف عصيبة وتواجه أزمات كبرى وتحديات هائلة تمس حاضرها وتهدد مستقبلها، ويدرك الجميع مدى الحاجة إلى رصّ الصفوف ونبذ الفرقة والابتعاد عن النعرات الطائفية والتجنب عن إثارة الخلافات المذهبية؛ تلك الخلافات التي مضى عليها قرون متطاولة، فلا ينبغي إذاً إثارة الجدل حولها خارج إطار البحث العلمي الرصين، لاسيّما أنها لا تمسّ أصول الدين وأركان العقيدة ونحو ذلك مما يشترك فيها المسلمون عامة ومنها الصلاة والصيام والحج وغيرها. فهذه المشتركات هي الأساس القويم للوحدة الإسلامية، فلابدّ من التركيز عليها لتوثيق أواصر المحبة والمودة بين أبناء هذه الأمة، ولا أقل من العمل على التعايش السلمي بينهم مبنياً على الاحترام المتبادل وبعيداً عن المشاحنات والمهاترات المذهبية والطائفية أيّاً كانت عناوينها”.

يضاف إلى هذا أن مواقف سماحته والبيانات الصادرة عنه خلال السنوات الماضية بشأن المحنة التي يعيشها العراق، وما أوصى به أتباعه ومقلديه في التعامل مع إخوانهم من أهل السنة من المحبة والاحترام، وما أكد عليه مراراً من حرمة دم كل مسلم سنيّاً كان أو شيعياً وحرمة عرضه وماله والتبرؤ من كل من يسفك دماً حراماً أيّاً كان صاحبه…. كل هذا يفصح بوضوح عن منهج المرجعية الدينية في التعاطي مع أتباع سائر المذاهب ونظرتها اليهم.

وقد عكست فتاوى ووصايا السيد السيستاني قدرة المرجعية الدينية على توحيد صفوف الشعب تجاه المخاطر المحدقة به، ما يدعو كافة علماء الدين إلى الاقتداء بهذا النهج الأبوي لمواجهة الأزمات التي تعصف بالمنطقة والعالم الإسلامي برمته وضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة التي تمكن الشعوب من استعادة مكانتها وقدرتها على التصدي لمواطن الضعف بكافة أشكاله وإجهاض المشروع الغربي الذي تتزعمه أمريكا في المنطقة لخدمة مصالح الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين والمنتهك للمقدسات لاسيّما القدس الشريف.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق