قلق إسرائيلي من التسليم الاميركي بموازين القوى السورية
لم يكن مفاجئاً ما كشفته صحيفة هآرتس عن محادثات سرية جرت بين “إسرائيل” وكل من الولايات المتحدة وروسيا مطلع شهر تموز الماضي في عمان واحدى العواصم الاوروبية، قبل الاعلان عن اتفاق ما بينهما بخصوص الساحة السورية. ويكفي للدلالة على كون هذا الكشف غير مفاجئ، أن اجراء مثل هذه المحادثات هو من المسارات التقليدية التي تحكم عملية تنضيج مثل هذه التفاهمات.. ويصبح هذا المفهوم أكثر جلاء إذا ما أخذنا بالحسبان موقع “إسرائيل” في الاستراتيجية الاميركية، والخصوصية التي تتسم بها العلاقات بينهما.
تكشف طبيعة الوفد الإسرائيلي إلى المحادثات، في مقابل الوفدين الروسي والاميركي، مستوى الحوار وجديته، فقد ضم الوفد مندوبين من وزارة الخارجية، ووزارة الامن والموساد والجيش، وهو ما يؤكد أن القضايا التي تم تناولها تشمل كافة العناوين السياسية والامنية والعسكرية. في المقابل، كان الطاقم الاميركي برئاسة مبعوثي الرئيس الامريكي للشؤون السورية والتحالف ضد “داعش”، مايكل راتني وبراك ماكغورك، فيما قاد الطاقم الروسي مبعوث الرئيس الروسي للشؤون السورية الكسندر لافرنتييف.
يلاحظ على الموقف الإسرائيلي أنه يرفع سقف مطالبه متجاهلا حقيقة أن هناك منتصر في الساحة السورية. وسبق أن حدَّد نتنياهو بنفسه هذه المطالب تحت عنوان الخطوط الحمراء في الساحة السورية، مشيراً إلى أن أي اتفاق ينبغي أن يحول دون “تعاظم حزب الله مع التشديد على السلاح الدقيق، ويمنع أي تمركز برّي لحزب الله قرب الحدود أو تمركز قوات ايرانية، وأي تمركز عسكري ايراني في سوريا كلها”.
قلق إسرائيلي من التسليم الاميركي بموازين القوى السورية
قلق إسرائيلي من التسليم الاميركي بموازين القوى السورية
يمكن التقدير بأن هذه المواقف هي تعبير عما ينبغي أن يكون من منظور الطموحات الإسرائيلية، أكثر من كونها تعبير عن قناعة بامكانية تحقيق هذه الاهداف في الظروف والموازين الحالية. ومع ذلك، لا يعني ما تقدم أن “إسرائيل” سلَّمت أو ستسلم بالواقع كما هو، بل هي تعلن عن تمسكها بأهدافها وتسعى إلى تحقيق ما يمكن منها.. لأنه في مثل هذه الحالات لا تكون الخيارات “إما كل شيء أو لا شيء”.
ويبدو أن “إسرائيل” تراهن لتحقيق هذه الاهداف، على التهويل وعلى تبني الولايات المتحدة لهذه الاهداف، وبهدف محاولة الضغط على الروسي في هذا الاتجاه.
يبدو أن اضطرار الإسرائيلي لرفع الصوت في مواجهة واشنطن وموسكو، يعود إلى ادراكه بأن الولايات المتحدة تتعامل بسقوف لا تلبي طموح الإسرائيلي الذي يرغب ويراهن على توريطها لخوض معاركها بدلا منها. والا ما معنى أن تعترض “إسرائيل” وترفض اتفاقا روسيا واميركيا.. ثم تضطر إلى توجيه رسائل وانتقادات -بحسب ما نقلته هآرتس عن مصادر إسرائيلية رفيعة وشخصيات دبلوماسية غربية- بأن “إسرائيل” “عرضت تحفظات كثيرة وأوضحت بأن القوتين العُظميين لا توليان الاهمية الكافية لإخراج القوات الايرانية من سورية”.
ايضا، كان لافتا، وغير مفاجئ في الوقت نفسه، أن “إسرائيل” والاردن قدَّما مواقف متشابهة جداً من الاتفاق. وهو أمر مفهوم انطلاقا من التطابق في الرؤية بين الطرفين الإسرائيلي والاردني، إزاء التهديدات المشتركة، ولكون الاردن في الواقع هو حزام أمني بالنسبة لدولة “إسرائيل” في مواجهة التهديدات المحدقة بالامن القومي.
في ضوء ما تقدم، من الواضح أن التباين مع الطرفين الاميركي والروسي، لم يكن تكتيكيا. وبحسب أحد المسؤولين الإسرائيليين، هناك تباين في “فهم المشكلة السورية”. لكن هذا التعبير فيه قدر من التعمية على جذور هذا الخلاف، كونه يأتي نتيجة تباين أعمق يتصل برؤية كل من الاطراف لدور الجماعات التكفيرية والارهابية.
من جهة ترى “إسرائيل” في تنظيم “داعش” وأخواته قوة استنزاف واشغال لمحور المقاومة. وفي حال إزالة هذا التهديد يعني فشل أهم خيار بديل أمام “تل ابيب” في مواجهة حزب الله وسائر أطراف محور المقاومة، والتأسيس لواقع اقليمي يهدد الأمن القومي الإسرائيلي، وهو ما برز في كلام نتنياهو خلال زيارته الاخيرة إلى الجولان بالقول أن “ايران تحاول أن تملأ الفراغ الذي ينشأ عن تراجع داعش”.
في المقابل، من الواضح أن الروسي يرى في بقاء سيطرة “داعش” واخواتها، تهديدًا لنفوذه ولقواته في سوريا، أما الادارة الاميركية الجديدة باتت ترى في استمرار سيطرة “داعش” مصدر تهديد يجب ازالته، بعد استنفاذ دوره الوظيفي.
في الخلاصة، يمكن التقدير بأن مساعي “تل ابيب” لفرض ترتيب سياسي أمني للساحة السورية، يلبي طموحاتها وهواجسها، يهدف إلى احتواء مفاعيل انتصار محور المقاومة، والحد من تفاقم مخاطر تداعياته على الامن القومي الإسرائيلي.
بقلم / جهاد حيدر