التحديث الاخير بتاريخ|الأربعاء, نوفمبر 27, 2024

الجامعة العربية بين الفشل والتحول لحلفين متخاصمين 

“جامعة الفشل” هو أحد أوصاف جامعة الدول العربية، بل حتى قد تكون كلمة فشل قليلة ولا تؤدي هذه الجامعة الممزقة حقها، أما السبب ولا أود الإطالة في الشرح فهو الابتعاد عن الأهداف التي وضعت من أجلها هذه المنظمة وتحولها من منظمة جامعة لأعضائها إلى وسيلة ضغط وتمزيق لوحدة الصف العربي.

كانت السنوات الأخيرة كارثية بكل ما للكلمة من معنى على هذه المنظمة، والسبب أن هيمنة بعض الدول على قرارها جعلها مطية ووسيلة للضغط على دول أعضاء في الجامعة، ويمكن القول أن تشرين الثاني نوفمبر من عام 2011م والقرار الشهير بتعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية كان نقطة تحوّل أساسية في منهجية ومسيرة هذه المنظمة التي لم تتمكن يوما من حل أزمة أو فرض حلّ.

ولكن وحتى ذلك التاريخ كان (أقل الإيمان) جمع جميع الدول تحت سقف واحد لا زال ساريا. اليوم وبعد ستة سنوات على ذلك القرار الذي تم تمريره تحت ضغط الهيمنة السعودية والضعف المصري بسبب الأزمات، يبدو أن مرحلة جديدة من الانقسام والاصطفاف بدأت تلوح في الأفق.

عن معالم هذا الاصطفاف أو دعونا نسميه تبلور حلفين كل منهما يجمع بعضا من أعضاء هذه الجامعة فقد جاء بسبب الأزمات التي تعصف بالعالم العربي من ليبيا إلى سوريا مرورا باليمن والعراق دون نسيان الأزمة الخليجية الأخيرة.

اليوم هناك مطالبات كثيرة بإصلاح الجامعة العربية، وتغيير أنظمتها الداخلية فيما يخدم مصلحة أعضائها. وقد تكون الجزائر في مقدمة الدول التي تدعو لهكذا إصلاح، فوزير الشؤون الخارجية “عبد القادر مساهل” لم يترك فرصة خلال الأشهر الماضية إلا وتحدث فيها عن ضرورة إصلاح الجامعة التي باتت حسب قوله لا تلبي طموحات وتطلعات الشعوب ولا تستطيع المساهمة في تأمين الاستقرار والأمن في المنطقة.

هذا الكلام تحدث به الوزير الجزائري خلال جولته الأخيرة التي شملت ثماني دول عربية بينها الدول الخليجية التي تعيش أزمة سياسية غير مسبوقة.

نعم أزمة سوريا والعدوان السعودي على اليمن والموقف من القضية الفلسطينية كلها ملفات خلافية عميقة بين دول الجامعة، حولت هذه الدول إلى حلفين. الأول وعلى رأسه السعودية ومن يدور في فلكها من حلفاء وأتباع. والثاني يتمثل بدول الممانعة للهيمنة السعودية والأمريكية وعلى رأسه يمكن ذكر سوريا المعلقة عضويتها في مجلس الجامعة العربية.

الحلف الثاني يضم الجزائر اليمن العراق سلطنة عمان لبنان واليوم قطر يتناغم موقفها مع هذا الحلف الذي يريد إعادة القرار العربي إلى الحظيرة العربية، حلف لم يقبل سياسة الهيمنة والتفرد في القرار من قبل بعض الدول.

وعن الحلفين من الجيد استعراض مواصفات ما يجمع هذه الدول وما يفرقها ضمن الحلف الواحد. فالحلف الأول والذي تقوده السعودية يضم دولا كالإمارات تتماهى مع السعودي في الموقف بناء على مصالح مشتركة في الأزمة مع قطر مثلا، ولكن يضم دولا كثيرة هي تابعة للإرادة السعودية لأسباب اقتصادية وأحيانا سياسية ضاغطة. إذا هو حلف تجمعه بعض المصالح ولكن تفرقه وحدة الصف والموقف والمسار الحقيقي.

الحلف الثاني الذي ذكرناه، يتميز بأن دوله مستقلة في القرار، وغير مرتبطة بقرارات خارجية ويجمعهم جميعا رفض أن يكونوا لاعبين صغار في الملعب السعودي.

هذا التقسيم موجود اليوم تحت سقف الجامعة العربية، وتظهر مؤشراته بعد كل اجتماع لهذه الجامعة، وبعد كل قرار يتم اتخاذه أو تمريره بضغط التصويت الأكثري إلا أن السمة الغالبة على قرارات الجامعة منذ سنوات هي عدم توفر إجماع كامل حول أي من قضايا العالم العربي.

طبعا ونظرا لواقع الجامعة وقدراتها السياسية ورصيدها الدولي فقد باتت قراراتها لا تساوي الحبر الذي تُكتب فيه. ولا زالت بعض الدول تمعن أكثر فأكثر في إضعاف هذه الجامعة وأقصد هنا السعودية بالتحديد. وهي تهدف (وهي واهمة) من هذا الأمر لتقوية نفوذها على حساب الجامعة وإقصاء دول أساسية في القرار العربي التاريخي كمصر وقبلها سوريا.

ختاما، إن الهيمنة على قرار الجامعة من قبل حلف السعودية سيؤدي حتما في نهاية الأمر لانفراط عقد هذه المنظمة وتحولها إلى هيكل خال من أي مضمون حقيقي بعد الاصطفاف الموجود حاليا وسياسة التفرد وفرض القرارات التي تشرذم عالمنا العربي بدل أن تجمعه.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق